الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

قراءة في ديوان "في انتظاركِ .. قرب أرض الغياب" للشاعر عبد الله الرخا

قراءة في ديوان "في انتظاركِ .. قرب أرض الغياب" للشاعر عبد الله الرخا  مينة الحدادي والشاعر عبد الله الرخا
ذاك الشاب الواعد ...سمعت قراءاته الشعرية...قبل أن أقرأ له.....حباه الله تعالى بصوت قوي معبر.
كلما حاولت الإقتراب من هذا العمل الأدبي...إلا ووجدت نفسي أتراجع و لا أملك جرأة كافية... فآخذه و أعيده لمكتبتي ....ثم أعود من حيث بدأت .
آخذ الديوان أقلبه مرات عديدة...هذه المرة أقرر، وأجد ثقة كافية للكتابة. أعي كل الوعي أن قراءة نص أدبي لا يمكنها أن تقدم كل شيء. إنها قطرة صغيرة من غيث ....لأنه النص الأدبي لا يمكن محاصرتهو لا تقييده. هو منفتح....بل كلما تعددت القراءات كلما ازداد النص الأدبي جمالا و أناقة.
لن أقدم إلا صورة بانورامية عن الديوان،  لأنه غني و دسم. و لا أملك مفاتيح النقد ...بل يدفعني فقط شغفي بالشعر و قراءته. 
"في انتظاركِ.... قرب أرض الغياب" ديوان شعري يمتد عبر محيط ورقي قياسه 112 صفحة، تضاريسه 28 قصيدة وما بين جبال ووديان وسهول و هضاب ...كانت لي متعة السفر و الترحال.... الديوان من منشورات مؤسسة آفاق للدراسات و النشر و الاتصال.
يفتتح الشاعر عبد الله الرخا الديوان بقوله : 
يطول الغياب ...  يكبر .. و يغيب في مكان ما من هذه الأرض. كل عام و نحن غائبون . إنها تيمة الغياب التي أعلن عنها العنوان. يستهل بها الشاعر نصوصه الشعرية قبل الإهداء ، فيأتي الاشتقاق اللغوي (الغياب مصدر / يغيب فعل / غائبون صيغة اسم فاعل ).
و لو ألقينا لمحة على عناوين القصائد لوجدنا أنها تدور في فلك المدرسة أو التيار الرومانسي :
 قوارب السفر / عابر في الظلام /وحدي أنا العاشق / موجك الهادئ أيها البحر / قناديل آخر الليل...
من خلال هذه العناوين نكتشف عبد الله الشاعر، وعند قراءتنا للنصوص سنوغل في الدخول إلى عوالم الشاعر الوجدانية والإنسانية و النفسية.
عبد الله الرخا ،هو ذاك الشاعر الملتزم بالحياة و بجوهر الإنسان، حيث تطالعنا أثناء القراءة تيمات أساسية ظلت النصوص تنسجها بصيغ لغوية مختلفة و بصور شعرية بليغة وهي "
- تيمة الحب .
'- تيمة الطبيعة .
- تيمة الغياب و الرحيل .
 إن ذات الشاعر تنتظر الأمل في أرض يباب ...لكنه رغم الألم ...يمتعنا بتعامله مع الغياب بنوع من الرقي ،بنوع من الهدوء ...إنه غياب للآخر / في ذاك الانتظار فأبواب شاعرنا مواربة.
لقد لجأ الشاعر عبد الله الرخا إلى الكتابة ليروي ظمأه ....وحتى يصبح قادرا على مجابهة الماضي بذكرياته:  
      نعم لذكريات الراحلين
     كي نفرح بأحلام الأرض 
    و ندع أيامنا تنزف لصهيل الذاكرة ،
     لصهيل الكلام  ص :44.
 و مواجهة الحاضر و المستقبل  يقول في ص:96
      أنا الآن هنا
      بين الصباح و المساء
     أبعثر بعض الأفكار 
     أغرس وجودي بين الدفاتر.
إن الشاعر له وجود و يثبته بين الدفاتر وفي الكتابة ،ربما قد يتحول الكوجيطو الديكارتي إلى أنا أكتب أنا موجود .
و هو في بحثه عن الوجود ،أخذنا إلى قصيدة بعنوان "هوارة " إنها المكان، القبيلة ،الأهل ،البيت ...لا ننسى أن البيت هو ركننا في العالم، هو كوننا الأول ،كون حقيقي بكل ما للكلمة من معنى على حد تعبير "غاستون باشلار" يقول : 
  وتر أنت يا هوارة
          وطن ،
           و ذكرى، 
         و حلم جميل،
و يتابع قائلا عن هوارة : 
         أحب التوغل فيك 
         التفرس في شفتيك 
         و التملي في عينيك 
يشخص المكان و يشبهه بالأنثى التي ظل ينتظرها في أرض الغياب.
مما لا شك فيه أن الشاعر قرأ كثيرا لشعراء المهجر و لحركة أبولو ، مما جعله يملك مخزونا شعريا هائلا، زاخرا بحقول دلالية ممتعة ، جعلته يؤثث فضاء الديوان جمالا شكلا و مضمونا.
  إن ما يميز لغة عبد الله الرخا هي كونها لغة سهلة ممتنعة ،وقصائده تحاكي تجربة إنسانية وجدانية و وجودية أيضا. فالشعر الحقيقي هو الذي يسافر بك نحو الليل ،نحو القمر، نحو الشمس الدافئة ،نحو الجبال و الجوز و اللوز و الصنوبر و الرمان...  
شعره يأخذ بيدك كقارئ نحو النور ..
نحو الصفاء ..
نحو مساءات ماتعة.
يقول محمود درويش "أمشي بين أبيات هوميروس والمتنبي و شكسبير...أمشي وأتعثر كنادل متدرب في حفلة ملكية".
وأنا مشيت بين قصائد شاعرنا....وتجولت بين دروب عباراته فاكتشفت جانبا طيبا من ذاته...ينم عن صدق مشاعره في زمن لا ملامح له، و تعثرت ببعض الذكريات بهوارة.
 مينة الحدادي ، رابطة كاتبات المغرب ،فرع اشتوكة أيت باها .