الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: متى نخفف من ضغط استيراد مواد الطاقة

إدريس الأندلسي: متى نخفف من ضغط استيراد مواد الطاقة إدريس الأندلسي
كثير منا يجهل أن المغرب كان من بين الدول الأولى في المنطقة التي اكتشفت البترول في أعماق أرضه وعلى الخصوص في جهة الغرب. وكان بلدنا سباقا إلى الصناعة البترولية خلال بداية الاستقلال وحرص رئيس الحكومة آنذاك عبدالله إبراهيم ووزير الاقتصاد عبد الرحيم بوعبيد على العمل على تمكين البلاد من مصفاة للبترول.
وكانت علاقات الإيطالي "ماطيي" صاحب الشركة التي كانت تنافس "الأخوات السبع الكبرى " الأمريكية للسيطرة على سوق الطاقة تتميز بكثير من الاقتراب من الدول التي حصلت على استقلالها وأظهرت رغبة في بناء اقتصادها بمنهج يعطي للدولة الدور الأول في تدبير الإقتصاد. تم اغتيال الإيطالي صديق المغرب ماتيي ولكن بلادنا تمكنت من بناء أول محطة لتصفية النفط وهي "لاسامير". هذه البنية الاستراتيجية التي فرط فيها التقنوقراط
وأغرقوا سوقنا بمواد طاقية من بنزين وغاز لا يمكن تتبع بنيات أسعاره ولا يمكن التعرف على حقيقة أرباح أصحابه ومدى إحترام شركاته لقواعد المنافسة.
العالم يعيش أزمة الطاقة وأزمة الغذاء وأزمة المناخ وأزمات تم اختلاقها لإنعاش سوق الأسلحة وشحن النفوس بقرب الحرب العالمية الأخيرة والنهائية. بالطبع تأثر اقتصادنا بفعل كل ما سبق وزادت فاتورة الطاقة المستوردة بشكل مهول. نستورد أكثر من 90% من احتياجاتنا من المواد الطاقية ولا زالت الطاقات المتجددة تساهم بأقل من 10% من الحاجيات غاز البوطان ووقود السيارات وكل الاستعمالات المتعلقة بالنقل والاستعمالات المنزلية لا زالت تلك المصادر الأحفورية التي تسيطر على بنية استعمال الطاقة ببلادنا. منذ سنوات حددت الحكومة أهدافا تجعل من الممكن الوصول إلى تغطية حاجياتنا بطاقات متجددة قد تتجاوز 50% في حدود سنة 2035.
الطاقات المتجددة في بلادنا ورش مفتوح بدأ منذ عقود عبر سياسة السدود التي تم تجهيزه "بتوربينات " لتوليد الطاقة واستمرت خلال السنوات الأخيرة عبر مشاريع الطاقات الشمسية والريحية وعلى رأسها برنامج "نور" الذي لا زالت تشرف على تنفيذه مؤسسة "مازن" التي لا زال يرأسها الرئيس السابق لحزب الأصالة والمعاصرة السيد باكوري. هذه المؤسسة قل الحديث عنها وأصبح تقييم مستوى إنجازها كمستوى ضعف تقييم إنجاز سياسات قطاعية أخرى.
طرح موضوع اختيار التكنولوجيا الملائمة وتكلفتها منذ بداية برنامج "نور" ولم يتم أي تحليل للتكلفة وإمكانية تحقيق مردودية اقتصادية ومالية في أفق معروف.
الفاتورة الطاقية تجاوزت عند نهاية شهر يونيو 70 مليار درهم وقد تصل إلى أكثر من 140 مليار درهم عند نهاية 2022. وستصبح الفاتورة الطاقية هي العامل المؤثر في عجز الميزان التجاري.
وقد تفاقم هذا العجز ليصل عند متم نصف السنة الحالية إلى أكثر من 115 مليار درهم.
الكثير ممن يعرفون تأثير عمليات تصفية البترول الخام على بنية الأسعار لا زالوا ينتقدون قرارا "خاطئا " أضاع على بلادنا فرصة التحكم في أحد هوامش بنية الأسعار من خلال المحافظة قدرة تصنيعية كانت مصفاة المحمدية إحدى دعائمها. اليوم لا قدرة للحكومة على التدخل في سوق المحروقات ما دامت تعمل في إطار يقدس تحرير الأسعار ولا يمكن من تدقيق وسائل محاصرة السلوكيات التي لا تضمن منافسة حقيقة في سوق ذو أهمية استراتيجية.
الكل يقر بعجز عن مواجهة مسلسل قضائي تحكيمي في مواجهة من اشترى المصفاة الوحيدة التي كنا نمتلك والذي قد يفضي إلى تحميل خزينتنا العمومية تكاليف ثقيلة تقررها هيئات لا تعترف إلا بحقوق القطاع الخاص على حساب الحكومات. فتحنا سوق التوزيع والاستيراد ولم ندفع بالمستفيدين إلى مجال التخزين ولم لا تحفيزهم على الاستثمار في تصفية النفط. اليوم وجبت وقفة سياسية واقتصادية لبناء جزءا أو كلا مما فقده المغرب في مجال التصنيع الطاقي الاحفوري. شركات التوزيع لا تسعى إلا لتحقيق هامش ربحي قد تزيده خدمات تجارية في المحطات ربحية مريحة.
الطاقة وديمومة الحصول عليها مشكل يؤرق الجميع. المسألة تتطلب كثيرا من الاختيارات السياسية وقدرا كبيرا من ترشيد الاستهلاك. وهكذا تطل علينا وصلات إشهارية وتوجيهية تدعو إلى سلوك يفضي إلى اقتصاد الطاقة. في البيت وخلال استعمال وسائل النقل توصي الحكومة بالتعقل والتحلي بسلوك حضاري للنقص من استهلاك الطاقة. رسالة نبيلة من حكومة مسؤولة ولكن الأمر يحتاج إلى ما سماه ملك البلاد بمثالية تدبير المؤسسات.
الحكومة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية تجعل من تكاليف استعمال سيارات الدولة جزءا من الامتيازات الممنوحة لبعض الموظفين أو كما سماه البعض "خدام الدولة". سيارات الدولة عندنا تجاوزت 100 ألف سيارة منها جزء صغير يهم سيارات الإسعاف ومكافحة الحرائق والحفاظ على الأمن. الباقي من سيارات الدولة يجب الحد منه بطريقة جدية بما في ذلك كراء السيارات لمدة طويلة وبتكلفة عالية. الكل يعرف أن المصالح العمومية تكلفتها عالية ولا حياة لمن تنادي.
وللعلم فإن كل المسؤولين يحصلون على تعويض شهري على تنقلهم إلى مقرات عملهم. سيارات الدولة يجب أن تقتصر على المهام الرسمية وليس على ما نراه في الأسواق والشواطئ وأبواب المدارس ونوادي الرياضة وكل أماكن الاستجمام. ولا زالت "علامة الميم الحمراء" والسائق الموظف ينتظر "المدام" وأطفالها عند باب السوق وأماكن التدليك وكافة أنواع الأسواق.
كل هذا في الوقت الذي يطلب فيه من فقير في بادية دفع ثمن بنزين سيارة اسعاف اف لنقل زوجته الحامل أو ابنه الذي لسعته عقرب إلى أقرب مستشفى. مثالية المؤسسات العمومية ستجعل المواطن يحترم مؤسساته ولا يبخس عملها. ولكن الممارسات الحالية لا تضر بالمرفق العام وبشرعية بعض النفقات العمومية فقط ولكن أيضا بمدى جدية مساهمة الدولة في تخفيف ثقل الفاتورة الطاقية وخدمة المواطن.