السبت 20 إبريل 2024
سياسة

وزير خارجية تونس السابق:: قيس السعيد استخف بوزن قضية الصحراء لدى المغاربة

وزير خارجية تونس السابق:: قيس السعيد استخف بوزن قضية الصحراء لدى المغاربة الديبوماسي أحمد ونيس وقيس سعيد الرئيس التونسي ( يسارا)

استضافت إذاعة "موزاييك ف. م" الديبلوماسي ووزير الخارجية التونسي الأسبق، أحمد ونيس، للحديث عن أسباب الأزمة الديبلوماسية الأخيرة بين تونس والمغرب وخلفياتها وآثارها وسبل تجاوزها، وذلك بسبب الخطأ الديبلوماسي الجسيم الذي ارتكبه الرئيس التونسي قيس سعيد باستقباله لزعيم البوليساريو، مما أدى إلى استفزاز المغرب الذي اعتبر هذا التصرف فعلا عدائيا؛ فكان مع ونيس هذا الحوار الذي تنقله "أنفاس بريس" .

 

+ كيف تصف الأزمة التونسية المغربية، وهل هي أزمة مفتوحة؟

هي صعوبة، وحدث وقع، وزلة أثارت ردة فعل شديدة من المملكة المغربية، والمتتبعون لهذه الأزمة يفهمونها ويدركونها ويتوقعونها. لقد وقع استخفاف بوزن قضية الصحراء بالنسبة للشعب المغربي والقيادة المغربية. وعلى كل، فإن ردة الفعل المغربية معقولة، بمعنى أنها عقلانية ومعقولة، وأخلاقيا مقبولة.

 

+ في تقديرك، هل أعطي للقضية حجمها؟ ألم يتم تضخيمها حسب الأبواق التي نسمعها تتكلم؟ اليوم هناك من يقول إنها أزمة لا رجعة فيها، وأن المغرب العربي دخل حقبة جديدة بسبب خيارات الديبلوماسية التونسية...هل صحيح أم غلط؟

طبعا غلط، هذا تضخيم. إن مصيرنا في المغرب الكبير هو مصير مشترك، ونحن إخوان في العمق، ومهما تأثرت العائلات بزعزعة مصلحية قريبة، فإنها تستعيد المجرى التاريخي. عشنا عهد الموحدين الذين حكموا تونس، وكانوا يحكمون المغرب الكبير بكامله، وهذا معناه أننا شعب واحد من مراكش إلى طرابلس.

 

+ الصوت القادم من المغرب صوت عالي جدا، حتى على المستوى الإعلامي..؟

لا ينبغي أن ننسى أن الجرح مغربي، و ليس تونسيا، يجب أن نعترف بذلك، وهذه مسؤوليتنا ومسؤولية الإعلام التونسي، الأمر يتطلب نوعا من الرشد من طرف النخبة التونسية، ومن طرف الرأي العام المستنير .

المملكة المغربية اتخذت يوم 20 غشت موقفا واضحا، بإنذار جميع عواصم العالم وشركاء المملكة المغربية، والمقصود المغاربيون قبل غيرهم، حتى يوضحوا موقفهم من القضية الصحراوية... هذه ردة فعل على فعل أثرناه نحن، وكان يستوجب مواقف مغربية شديدة يجب أن نفهمها ونقدرها. وبعد أن تنتهي القضية، يجب أن نقوم بالواجب كتونسيين ونقولها بينننا بكل مسؤولية، ونجعل منها حدثا قابلا للتجاوز، حتى لا تصبح أزمة...

 

+ لكن سامحني، هذا يعني، في ذهنية سيادتكم، أن هذا لم يكن هناك خيارا سياسيا لتونس، وأن هناك تحولا جذريا عند الرئاسة التونسية؟

ليس هناك تحول جذري، لأن البيان الذي صدر من وزارة الشؤون الخارجية التونسية، يقول إن تونس ملتزمة بالحياد الكامل، ذلك أن الحدث يترتب عليه خطوات ما بعد الحدث.

 

+ لكن ماذا عن حجم استقبال غالي في تونس من طرف أعلى سلطة في الجمهورية؟ نحن لم نسمع حديث في الموضوع من طرف رئيس الجمهورية؟

إن الوسائل والسبل لتجاوز العقبة متوفرة، مثلا إرسال مبعوث إلى المملكة المغربية، وتوضيح الموقف في جلسة إعلامية تسعى إلى التجاوز. الطرق مفتوحة، وأنا أنصح بضرورة التحرك بمبادرات تونسية، أي علينا أن نذكر بأركان الشيء حتى لا نضخمه، فمن الواضح أن دعوة الصحراويين صدرت عن الاتحاد الإفريقي، ثانيا إن الحكومة اليابانية كانت معارضة لمساهمة الصحراويين في قمة تونس (غشت 2022)، وصدر بيان مطول من الحكومة اليابانية حيث تقول نحن أصلا كنا معارضين لمساهمة الصحراويين في قمة تونس. ذلك أنه لما أصر الاتحاد الإفريقي على الإبقاء على الدعوة بالرغم من تذكير الحكومة اليابانية يوم 19 غشت، في مذكرة بأديس أبابا وجهتها إلى الاتحاد الإفريقي (الكيان الذي وجهتم له دعوة منكم ليس مدرجا في قائمة المدعوين بالنسبة للحكومة اليابانية) وليس منتظر في قمة تونس، معناه كان واجبا على الاتحاد الافريقي أن يستنتج الخطوات الضرورية، فيما يخص بقاء الدعوة قائمة، لأن الدعوة غير صحيحة، حيث أن تونس كانت لديها حجة، ومرجع قوي بدون حرج. وهذا ما قاله بلطف رئيس الندوة السينغالي أمام الوفد الصحراوي، يوم الافتتاح، في أول كلمة بشر بها الحاضرين. معناه كان على تونس أن تقوم بواجبها نحو الجميع بدون إحراج أحد. وتقول إن الدعوة التي صدرت من الاتحاد الافريقي غير صحيحة...

 

+ هل أساء رئيس الجمهورية التونسية التقدير حين استقبل على البساط الأحمر من الطائرة مباشرة ممثل الكيان الصحراوي؟

إضافة إلى مبدأ التأكيد على الدعوة، وهو الأصل في اندلاع الأزمة، تبقى ترتيبات التشريفات، فحين يرحب رئيس الجمهورية بضيوفه الأفارقة وأخوانه، فنحن التونسيين، في قرارة أنفسنا، نعتبر أن هناك إخوانا ظلوا الطريق، ولكنهم يظلون إخوانا سيرجعون مرة أخرى للدار، ونحتضنهم ولو ظلوا الطريق. رئيس الجمهورية في علاقة بالمراسيم يرحب بضيوفه وليس في هذا حرج. صحيح أن المرصاد المغربي كان يسجل مبدأ التأكيد على الدعوة، وثانيا درجة الاستقبال (درجة رؤساء الدول)، ثم ثالثا الامتيازات فوق العادية.. لكن ثمة ما يدعو إلى الاستدراك. اليوم جاء نداء حكيم من الطيب بكوش الأمين العام لاتحاد المغرب العربي (يوم اختتام الندوة 28 غشت) الذي دعا إلى اجتماع وزراء الخارجية (5 أعضاء اتحاد المغرب العربي) للنظر في الأزمة الليبية، وله الحق في الدعوة إلى ذلك، لأن الأزمة الليبية شديدة ثم عقد اجتماعات ثنائية على مستوى وزراء الخارجية على هامش هذا اللقاء، من أجل حل القضايا الثنائية، ثم تعيين أمين عام جديد. أعتبر أن هذا هو صوت الحكمة..

 

+ من قال اليوم بأن تونس لم تغير من طريقتها الديبلوماسية في التوازنات المغاربية، ولم تصطف إلى جانب الجزائر؟ من يقول لنا هذا الكلام ...(ملف الفيزا، التقارب من الجزائر وماكرون، تونس تنخرط في الزلة..) ألا يمكن اعتبار أن تونس قد حددت خيارها الديبلوماسي؟

الخيار ليس هو الاعتراف بالدولة الصحراوية كما هو الحال بالنسبة للجزائر. فبالنسبة للمملكة المغربية، تونس ليست في طريق مائل وخطير بالنسبة لتأسيس المغرب الكبير، وبالنسبة للمعاملة المغاربية الأخوية ...

 

+ إذا كانت تونس لا تتواصل مع الرباط الآن، فمن المفروض وجود قنوات حوار وتوضيح الأمر للمغاربة في أفق أن يجلس الطرفان على مائدة الحوار؟

هذا ضروري، يبقى هل هو خيار حقيقي عميق يخرج من مجرى 60 سنة من الاستقلال، نحن تمسكنا بالحياد لأننا محايدين في الجوهر، لأننا نحتفظ لنفسنا بدور الوسيط يوم ينضج الزمان من أجل التدخل من جديد بين الفرقاء، أي بين الأخويين المغربي والجزائري، وهذا هو معنى الحياد التونسي وليس الميل لصالح فلان أو فلان.

إذا كان الرئيس قيس سعيد قرر هذا المنعرج، أي السير في اتجاه معين في الخيار ما بين الجزائر والمغرب، فلابد من شواهد، وأنا لاحظت أن قيس سعيد منذ تولى الرئاسة زار الجزائر مرات، وزار ليبيا، لكنه لم يزر الجناح الغربي للمغرب الكبير. لقد جاء مبعوث الملك عدة مرات، وجاء المبعوث الرئاسي من موريتانيا، لكن الرئيس قيس سعيد لم يزر المنطقة، هل هذا معناه أنه يميل لأحد الطرفين، وأنه يعترف أن ثمة حاجزا عميقا بين الجزائر والمغرب.

 

+ لقد حان وقت نهاية الحياد، والعالم اليوم يميل للتكتلات والاصطفاف، والعالم فيه خيارات، وقد حان لتونس أن تعلن خياراتها؟

الخيار الذي تتحدث عنه يتجاوز قضية الأزمة المغاربية. هناك أزمة عالمية، لأن النظام العالمي دخل في حركية تأسيس نظام جديد ومحاور جديدة. وهذا معنته أن هناك اصطفافا وراء هذا القطب أو ذاك القطب الآخر. في نظري، هذا أبعد من القضية الأصلية (قضية الصحراء)، لأن الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت بمغربية الصحراء، وهذا معناه أن اصطفافنا يمشي مع الخيار الجزائري، أي ضد الشريك الغربي، وهذا يولد تناقضات أعمق بكثير ..

 

+ التطبيع خيانة عظمى، والمغرب قام بخيارات ديبلوماسية، وهو الآن دخل في علاقات مع الكيان الإسرائيلي، والرئيس قيس سعيد رافض لذلك، فاختار الاصطفاف في محور الجزائر؟

هناك منطق سطحي إذا كان يبني على الحدث دون أن يحفر ما وراء الحدث. المملكة المغربية تواجه حربا منذ 45 سنة، هي أصبحت حرب وجود، لأنه ليست هناك دولة في العالم الثالث تقاوم حربا مدة 45 سنة ضد جارها.... هذا جار يحارب جاره مدة 45 سنة، بعد كل ما سجلنا من بطولات المملكة المغربية دفاعا عن وحدة أراضيها، أصبحت مهددة لأنها لا تتوفر على القدرات المالية التي يتوفر عليها الجار (حرب حامية وحرب باردة)، حيث اضطرت إلى اختيار حلول مرة، وتبقى الحكمة هي القضاء على الداء أصلا، وأن نتجاوز قضية الصحراء حتى نصفي الساحة من العواقب الوخيمة التي قد تقوم بها بعض الدول اضطرارا.

نحن في تونس وقعنا على معاهدة مراكش (خمس دول) فهل نحن نقصد اليوم بالمغرب العربي ستة دول؟ إلى أين نسير؟ هل ستساعدنا الجغرافية السياسية التي ورثناها عن الاستعمار على خلق هيمنة مهيكلة إلى الأبد؟ ألا يمكن أن نستدرك أمرنا فنضع في الخريطة المستقبلية المملكة المغربية باتصال دون فصل بينها وبين موريتانيا، مما يمكننا من خلق قطب إقليمي يحقق الميزان الاستراتيجي لما بعد الجغرافيا السياسية الاستعمارية التي خلقت حدود لم تخلقها الشعوب. هذه الحدود حرمت تونس من صحرائها الإفريقية، وحرمت ليبيا من صحرائها الإفريقية، ووفرتها للجزائر، لا بصفتها دولة جزائرية ولكن بصفتها مستعمرة. إنها جغرافيا سياسية تجعل من الجزائر منطلقا للهيمنة، كما أن النظام العسكري الذي تولى الدولة الجزائرية منذ أيام الاستقلال الأولى هو الذي هد الدولة الجزائرية المستقلة، وهو الذي هدَّ تونس، وقضى على نظام ولد دادة في موريتانيا، وأشهر الحرب في المملكة المغربية. هل نقبل باستبقاء هذه الأوضاع؟ ما هي رؤيتنا الاستراتيجية؟

 

+ هل منعة ذلك أن هناك بذور هيمنة استعمارية...؟

نحن قاومنا هيمنة عبد الناصر، وقاومنا هيمنة بومدين. وبالرغم من هذا، أطلق علينا هجوم قفصة، والله أعلم من وراء هجمات الإرهاب. إن الدولة العميقة الجزائرية هي التي تغلبت على الدولة الجزائرية نفسها، وتغالب جيرانها.

إن تخليد عواقب الاستعمار لا يخدم شمال افريقيا، ويجب القضاء عليها. لا يكفي القضاء على الاستعمار سطحيا، يلزمنا أن نقضي على عواقبه أيضا. لما رضه بورقيبة وسلم الصحراء التونسية، لم ترضخ المملكة المغربية، ويلزم تونس أن تقدر هذا فيما يخص قيام الاتحاد المغاربي المستقبلي، وأيضا فيما يخص دفاع تونس عن هذا الاتحاد بصفتها عضوا.

 

+ أين تونس وخياراتها من فكرة المحاور، تأسيسا على تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، وأيضا استنادا إلى علاقتها بالاتحاد الأوروبي وبشركائها؟

أمريكا دفعت إلى تفجير جملة من الأزمات، بدءا بالمشرق العربي، وسلّمت دولا بقرارات إمبريالية مثل ما كانت الإمبرياليات الاستعمارية في أوروبا، بل إنها تقرر في منح مجموعة من المدن إلى فلان أو فلان، كما أنها تعمل على تكسير الدولة الفلانية... والرئيس ترامب قام بما قام به والإدارة التي خلفته، قضت عليه وحاكمته، وخلقت لجنة برلمانية لمحاكمته، لكن في ما يخص السياسة الخارجية أخرجت سياسته من قاع البحر، ونفخت فيها الحياة، وتحب أن تسلطها من جديد، والسفير الموعود يأتي لتونس أو يصرح في واشنطن أمام لجنة مجلس الشيوخ (البرلمان الأمريكي). ندرك أن أمريكا قادمة على ترتيب المنظومة العالمية الجديدة، بتصفيف دول لصالحها ودول أخرى كأعداء.

أمريكا إلى حد اليوم تواصل الحوار من أجل تكون طرفا مهما في انتشال تونس من الأزمة المالية التي وقعت فيها، ولا ننسى أن موقف أمريكا من الصحراء المغربية جاء بعده موقف اليابان من القضية الصحراوية... ثانيا رئيس المعاملات الاقتصادية في اليابان صرح، في تونس، أن كل الالتزامات مع تونس مهمة وخطيرة رهينة بقرار صندوق النقد الدولي. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد زيارة البرلمانيين الأخيرة في تونس، سحبت قرض ب 500 مليون دولار...لكن واصلت الحوار .

في تقديري مواصلة الحوار أمر مهم جدا. وإذا كانت القضية ترتبط بإقناع طرف لا يمكن التهرب من الحوار، لأنه إذا كانت لك قدرة على الإقناع، فإنك تقنع، والعكس صحيح كذلك...أما الهروب إلى السيادة الوطنية، فهذا معناه أنه ليس هناك حوار ديمقراطي (الخطاب السيادوي غير مجدي). والسؤال هو: هل مفهوم النظام العالمي الجديد الذي تضعه الولايات المتحدة الأمريكية فيه مكان للحياد، أو ليس له فيه مكان. هناك 100 دولة في العالم تفضل موقف عدم الانحياز، وهذا الموقف هو السليم.

المنطلق الاستراتيجي التونسي يجعل من القلعة الاستراتيجية التونسية لا يفوت فيها أحد، وهذا فهمه دوغول وفهمه الحبيب بورقيبة، وأظن أن جميع خلفاء الحبيب بورقيبة فهموه، وإن شاء الله نبقى في هذا الإدراك العميق، ذلك أن المصلحة الوطنية هو أن تبقى تونس فوق التحالفات العالمية.

 

                                                                                      أعده للنشر: أحمد فردوس