السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

الحبيب ناصري:مجرد أسئلة عابرة

الحبيب ناصري:مجرد أسئلة عابرة الحبيب ناصري
تاريخيا، تعلم الغرب، ومن خلال حروبه وصراعاته الدينية، الخ،  السابقة، أن يدافع عن مصالحه بشكل مكشوف ومضمر، وأن يعتبر  دول  العرب وافريقيا (كمثال)، أمكنة لترويج بضاعته وجلب الأدمغة والمواد الأولية، الخ. وربما من "حقه" هذا، وهو الحق الذي لازلنا لم نتعلم بدورنا، كعرب أو كمغاربيين  أو كأفارقة، الخ،  ممارسته مثلهم ومثل غيرهم، لاسيما ونحن نعيش في ظل عولمة لا ترحم.الغرب، لا يغازل الا ذاته. يبيع لنا صاروخا  ولمن بجانبنا طائرة ولمن خلفنا باخرة حربية، الخ. المهم عليه ان يبيع ويضمن لنفسه تواجدا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، في كل أنحاء هذا العالم، مستعملا كل جهوده وذكائه. نحن، لازلنا غارقين في حروب طائفية ومذهبية وحدودية وقبلية. نظرة واحدة  في خريطة العرب أو افريقيا، تكفي لاستخراج العديد من الخلاصات. شتت ثم شتت، أسلوب نتقنه اليوم جيدا، كعرب او كأفارقة او كمغاربيين، الخ، ويسير، هذا الفعل، وفق مصالح هذا الغرب. لننظر ونتأمل حدوده، وكيف ان منزلا جميلا، قسم منه في هذا البلد والقسم الاخر في ذاك البلد. مجرد علامات بالصباغة تفصل الحدود. ونحن... حدث ولا حرج . طبعا، داخل هذا الغرب، هناك أصوات حقوقية وعقلانية وانسانية وثقافية وأممية، تعي تفاصيل هذا، وتدافع عن المقهورين وعن حق الدول الفقيرة والصغيرة في النماء والازدهار. صحيح، هي قليلة، لكنها أصوات نثمنها عاليا ونقدرها. هل من الممكن استيعاب الدروس؟. هل من الممكن فهم ان عولمة هذا العالم، لا تضمن للدول المتناحرة فيما بينها مكانة تحت شمسها؟.
العالم يتخندق ضمن مجموعات قوية(الاتحاد الاوربي مثلا)، ونحن نتمزق ونتمزق. لا يرتاح بالنا الا بحفر حفر عديدة لبعضنا البعض. 
مجتمعاتنا راكمت ارثا كبيرا في هذا الاقتتال. وحده العلم، طريق خلخلة التخلف والتناحر المذهبي والطائفي والقبلي. طريق العلم  التربية والتعليم والبحث العلمي والثقافة، طريق لابد منه، لكونه صمام أمان ضد كل هذا الواقع الأليم والجريح  الذي نعيشه. لو حللنا العديد من سلوكيات دولنا، وفق العديد من المناهج المعاصرة، كالسيميولوجيا، لوجدنا "العجب العجاب" تقوم به بوعي أو دون وعي، يصب فقط في صالح الغير . متى نحلم باتحاد مغاربي؟ وبسوق عربية وافريقية؟. متى ندافع عن سياسة رابح رابح مع الغير؟. متى ندافع عن بعضنا البعض داخل المرافق الأممية؟. متى نقدم ملفا موحدا يضمن لنا جميعا ان نرفع رؤوسنا أمام هذا العالم عوض ان نبقى متناحرين حول حدود وهمية صنعها الغرب للقبض علينا دوما وتحريكنا وفق هواه ووفق مصالحه هو؟. متى نستوعب كل هذا ونعرف ان تمزيق حدودنا ودولنا، هو في خدمة هذا الغرب؟. متى ندرك أننا اليوم، في الاتحاد المغربي المعطل، نضيع العديد من فرص النماء وفرص النجاح لكل شعوبنا المغاربية؟. متى ندرك ان التحايل على بعضنا من أجل تعطيل نهضتنا، هو تحايل على المتحايل أولا ؟. هل نضجنا فعلا وأدركنا ما يجري حولنا  أم لازلنا نشتغل بمنطق حالة العرب في الجاهلية وربما هذه الحالة هي أفضل من حالتنا اليوم ؟. 
زمننا المغاربي يضيع، وزمننا العربي ربما دخل قسم الانعاش اما الافريقي فهناك من أصبح متخصصا في بناء الفخاخ فقط، دون الوعي بضرورة توحيد افريقيا التي تنام على خيرات تسيل لعاب الغرب وتجعله يسير وفق لغة التشتيت والبعثرة.
لست سياسيا لكي أحلل كواليس سياساتنا  المغاربية أو العربية أو الافريقية. بل (انا) مجرد مواطن مغربي تسري في عروقه دماء متعددة، مدرك أن التعصب لدم واحد قد يدخلنا لقسم الوفاة، ومن هنا وجب انتظار الطبيب لمنحنا شهادة الوفاة . 
حلمت كثيرا باتحاد مغاربي، وآخر عربي وآخر افريقي... لان العديد من المقومات نملكها، لاسيما في عالم تميزه عولمة قوية لا مكان فيها للضعيف. التكتل اليوم، قد يجعلك تفاوض الجميع دون خوف ودون مركب نقص. لكن، مسيرتنا المغاربية والعربية والافريقية، تحتاج اليوم لعلاج نفسي. علاج من الممكن ان تلعب فيه المرآة دورا مهما لطرح الأسئلة على نفوسنا . من نحن ؟ وماذا نفعل؟ وما موقعنا في هذا العالم؟ . 
التاريخ، في اعتقادي، درس غيبناه في مدارسنا. طبعا أتحدث عن درس التاريخ الذي كتبه الكبار والمؤرخون الحقيقيون، وليس التاريخ المزيف الذي صاغته يد الصغار والذي لا يتعدى حدود الورق الذي كتب عليه.
كل تمزق مغاربي أو عربي أو إفريقي ، هو في صالح الغير. وحدهم العقلاء الكبار الذين يدركون خبايا الجغرافيا والاقتصاد والسياسة بمفهومها الشامل، من من الممكن الرهان عليهم، لتجنيبنا العديد من الويلات الاضافية، لاسيما وأننا"حققنا" تراكما مهما في سجل هذه الويلات والخيبات. 
لنضع خريطة هذا الاتحاد المغاربي أمامنا والشيء نفسه بالنسبة لدولنا العربية والافريقية، ونبدا في تحليل المعطيات. يكفي طرح سؤال واحد : من المستفيد من كل هذا الصراع هنا وهناك؟. 
فهل من أمل في تجاوز هذه المحن العديدة التي راكمناها؟. يبدو لي ان الرهان على التعليم والتربية والبحث العلمي والثقافة، رهان سيعلمنا كيف نفكر في البناء والسلم والسلام والتعايش، عوض "ثقافة" الانفصال والحروب والدمار، الخ. لعلنا أصبحنا مطالبين بتلقيح جديد ضد التمزق ومن أجل ترسيخ ثقافة التعاون ومنطق رابح رابح، وموقعة أنفسنا ضمن هذا العالم والكون ككل ... ومن هنا خطواتنا الاولى لنصغي لعقولنا...ولنتأمل ما يجري حولنا.
 
عن: إيطاليا تليغراف