السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

ياسين النيصر: إصلاح منظومة الصفقات العمومية يأتي لتعزيز الحكامة وتجاوز الاختلالات السابقة

ياسين النيصر: إصلاح منظومة الصفقات العمومية يأتي لتعزيز الحكامة وتجاوز الاختلالات السابقة ياسين النيصر، عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية
تعد الصفقات العمومية البوابة الرئيسية لاستثمار الدولة وتحديد حاجياتها سواء من خلال المشتريات أو من خلال الأشغال،  لاسيما أن حجم الأموال التي تنفق من خلال هذه البوابة تتطلب إعمال الشفافية للحفاظ على المال العام. ومنذ 2013 لم يتغير المرسوم المنظم للصفقات العمومية، في حين حصلت تطورات داخلية وخارجية.
في هذا السياق تعمل وزارة الاقتصاد والمالية على مشروع إصلاح المرسوم المنظم للصفقات العمومية.
ياسين النيصر، عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، يشرح لـ
"أنفاس بريس" مكامن الخلل في المرسوم السابق ودوافع الإصلاح. 

 
أولا لابد أن نشير  إلى أن الصفقات العمومية تلعب دورا هاما وحيويا في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل النمو المتواصل لحجم الاستثمارات العمومية للدولة والجماعات الترابية والشركات والمؤسسات العمومية، فالصفقات ليست مجرد أداة لتدبير الاقتناءات العمومية وتلبية حاجيات الإدارة، بل تعتبر رافعة قوية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تشجيع المقاولة وتحفيز الإستثمار وإعادة توزيع الموارد وتنشيط الحركة الاقتصادية والإسهام في إحداث فرص الشغل، فضلا عن كونها آلية لتنفيذ مختلف البرامج الاجتماعية التي تلبي حاجيات المواطنين في مجالات التعليم والصحة والسكن والنقل والطرق وغيرها.

تشكل الصفقات العمومية محط اهتمام كل الفاعلين الاقتصاديين والمدبرين  العموميين، لكونها تساهم بـ 20 في المئة في الناتج الداخلي الخام بما يقارب 200 مليار درهم سنويا كما أنها تمثل 70 في المائة من رقم معاملة قطاع البناء والأشغال العمومية و80 في المائة بالنسبة لقطاع الهندسة.

هي أرقام تعكس الدور الأساسي لمنظومة الصفقات العمومية فهي الأداة الاستراتيجية التي تمكن الدولة من ترجمة برامجها على أرض الواقع كما تساهم في الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية على رأسها ضمان نمو اقتصادي قادر على امتصاص العجز والمحافظة على استقرار المديونية العمومية مع التحكم في نسبة التضخم.
وبالنظر إلى قيمة الصفقات العمومية وما تكتسبه من أهمية بالغة اجتماعيا واقتصاديا إلا أنها تعاني من بعض الاختلالات وبعض أوجه القصور من أبرزها:

ـ الثغرات القانونية التي يستغلها المتعاقدين وكذا المدبرين.
ـ عدم الاحترام الأمثل لمسطرة تمرير الصفقات العمومية كما اللجوء  بشكل كبير لسندات الطلب والصفقات التفاوضية بشكل غير مفهوم، في غياب معايير محددة وواضحة المعالم.
ـ غياب منظومة موحدة تهم إدراج كافة المؤسسات والهيئات التابعة للدولة في مجال تطبيق مرسوم الصفقات العمومية وكذلك غياب مدونة خاصة بالصفقات العمومية شاملة لكل النصوص القانونية.
وهذا ما أكده المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي  لسنه 2019، حيث أشار إلى مجموعة من الخروقات والتجاوزات والممارسات التي لا ترقى إلى تعزيز حكامة الصفقات العمومية.
يأتي إصلاح الإطار القانوني المنظم للصفقات العمومية في سياق وطني وعالمي يتسم بعدة تغيرات وتحولات عميقة وكبيرة، كما يدخل في إطار تعزيز حكامة الصفقات العمومية وتكريس التدبير القائم على النتائج وتجاوز بعض الاختلالات التي تضمنها المرسوم السابق، تماشيا مع توصيات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد عبر مقاربة تشاركية ترتكز أساسا على عنصري التنسيق والانتقائية وإصلاح الإدارة باعتبارها المرحلة الأساسية لبداية الإصلاح، والأخذ بعين الاعتبار  التطورات التي عرفها عالم المقاولة ومناخ الأعمال.

ولعل أبرز الأمور التي يشتغل عليها المرسوم الحالي تخص بالأساس توزيع مجال تطبيق المرسوم ليشمل كل المؤسسات العمومية وإدماج كافة الهيئات، والمصالح التابعة للدولة في مجال تطبيقه وكذا اعتماد نظام موحد يلزم جل المقاولات العمومية، مع تعزيز الأفضلية الوطنية عبر إدراج طلب العروض الوطني كمسطرة جديدة تخص فقط المقاولات الوطنية، وتوسيع مجال تطبيقها على صفقات التوريدات والخدمات والدراسات لأول مرة.

كما عمل المشروع على تشجيع المقاولات المتوسطة والصغرى والتعاونيات والمقاولين الذاتيين كتحديد قيمة الضمان المؤقت في نسبة 2% من المبلغ التقريري للصفقة، زيادة على ذلك دعم القيمة المضافة المحلية من خلال ضرورة استعمال الصناعة التقليدية المغربية من أجل تثمين المنتجات المغربية اضافة إلى إشراك خبراء مغاربة وتشغيل يد عاملة محلية من أجل دعم التشغيل ومحاربة البطالة.

ثم تحسين وتجويد مساطر تقديم العروض المالية وتعزيز الشفافية والولوج إلى المعلومة، دون إغفال دور البحث والابتكار والتطوير عبر منح خاصية العروض البديلة، دون الحاجة إلى التنصيص إليها كما في كان السابق وإدراج مفهوم جديد للخدمات المبتكرة خاصة في المجال الرقمي.