الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (الحلقة 14)

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (الحلقة 14) مصطفى حمزة
في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الباحث مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، بخصوص حلقات حول: "جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر"، أشار بالقول: " إننا عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث، والأمكنة وغيرها من تراثنا المادي واللامادي رغم أهميتها المادية والمعنوية، سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا".
وانطلاقا من هذه الملاحظة، شدد الباحث مصطفى حمزة قائلا: "يتضح أننا ضيعنا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي". مضيفا بأن ما ضيعناه على سبيل المثال لا الحصر بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر من معالم ومواقع أثرية وتاريخية يتمثل في "معلمة القصبة الإسماعيلية، ومدرسة الأمراء العلويين، إلى جانب الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، فضلا عن بنايات حي (الديور الجداد)، ومراكز قرية سيدي أحمد، والقرية الفوسفاطية المزيندة، والأحياء العمالية، وقصبات الكثير من القواد، دون الحديث عن معلمة معصرة السكر بمنطقة سيدي شيكر...".
وأكد رئيس جمعية أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية (مصطفى حمزة) إلى أن الإهمال جعلنا نضيع كذلك "العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والألعاب الشعبية، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية".
ورغبة منه في المساهمة في توثيق و الحفاظ على تراث المنطقة، قرر الباحث مصطفى حمزة الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وأن تكون البداية بـ "سجن الشماعية" القديم والذي انقرضت معالمه بمدينة الشماعية، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، يذكر منهم: (الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، والوطني محمد بن الطبيب الآسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر..
 
 كيف هندس الفرنسيون لتحويل مجرى وادي كاشكاط إبان تأسيس مدينة الويجانطي؟
الحل الثاني تعلق بالتخلي عن مشروع السقي، والعمل على تغيير مجرى وادي كشكاط، وهو ما يستفاد من كلام أحد الفرنسيين السيد (مارتان M. Martin) : "لبناء القرية الفوسفاطية في المكان الذي تتواجد به اليوم، كان لابد من تغيير مجرى وادي كشكاط وذلك بتشييد سد صغير". 
وهكذا سيعمل الفرنسيون على بناء سد صغير الحجم بالمجرى الأول للوادي بالقرب من (حي الصهريج) والذي كان يمر من وسط المجال الذي تتواجد به الحاضرة الفوسفاطية، فقد كان يمر بالقرب من مقبرة النصارى، ثم الكنيسة، ويتجه نحو نادي المستخدمين، ثم يعبر مخرج السكة الحديدية (الخراجة/القنطرة) وحي الرمل، ليصب في المكان الذي يتواجد به اليوم حي الرمل (حي التقدم حاليا)، وحي العرصة، (حي السمارة حاليا)، وغابة "اَلْعَرُّوكْ"، وهذا ما يؤكده تواجد أسماء لها علاقة بالمجرى الأصلي للوادي ( حي العرصة ، وحي الرمل).  
وعند بناء السد تم تحويل مجرى الوادي (كاشكاط) في اتجاه الجزء الجنوبي للمدينة، الذي كان آنذاك فارغا من السكان، وتم حفر مجرى له بمواصفات علمية وعالية، تراعي الوضعية الطبوغرافية وحدة الإنحدار، وبذلك أصبحت مياه الوادي في الفترات الكثيرة الأمطار تتجه صوب حي الرَّايَةْ، (حي السلام حاليا)، و(حي الريطب) ثم دَوَّارْ اَلْفَّاشَخْ. 
ورغم قوة انحدار الوادي والتي تنطلق من أعلى نقطة ارتفاع 408 متر عند منبع الوادي، إلى أخفض نقطة ارتفاع  284 متر، عند المصب (حي الرَّيْطَبْ، وغَابَةْ الْعَرُّوكْ)، فلم يتسبب "وادي كشكاط " في كوارث طبيعية  للسكان ولمجاله الجغرافي في تلك الفترة وذلك للعوامل التالية: 
- كون المجرى الذي شيده الفرنسيون بمواصفات علمية دقيقة، ظل محافظا على نظافته وخاليا من النفايات والأتربة، بفعل العناية التي كان يحظى بها من طرف المسؤولين. 
- كون ضفتي المجرى الجديد كانتا فارغتين من البنايات. 
- ويبدو أن الثقافة التي كان متشبعا بها الإنسان المغربي آنذاك، ويعمل وفقها أثناء عمليات التشييد والبناء، هي ثقافة تجد ترجمتها في اختيار الإنسان، للموقع الذي يشيد فيه سكنه، والتصاميم التي يضعها لهذا السكن، وهكذا نجد على مستوى المجال الجغرافي لبلاد أحمر ومن ضمنه مدينة اليوسفية آنذاك، أن كل الدواوير مشيدة في مناطق آمنة ومرتفعة (إما فوق تل، أو بسفحه، أو هضبة...)، والدور والحجرات المكونة لهذه الدواوير تكون أبوابها في غالب الأحيان اتجاه الشرق لكي لا تسمح بتسرب مياه الأمطار داخل الغرف، أما الواجهة الخلفية للسكن التي تكون مقابلة لجهة تساقط الأمطار (عَيْنْ الشْتَا)، فتكون محصنة عن طريق التبليط من طرف صاحب السكن. 
يلاحظ أن هاذين العاملين، كان لهما دور أساس في عدم خروج النهر عن مجراه، ووقوع فيضانات وكوارث، وذلك رغم السنوات الممطرة التي عرفها المغرب خلال فترة الحماية الفرنسية ومنذ بداية الاستقلال إلى بداية الألفية الثالثة.   
ومعلوم أن والد الفقير العربي كان من ضمن المغاربة الذين اشتغلوا مع الفرنسيين في وضع أساسات المدينة (الحاضرة الفوسفاطية ). وعند بلوغ الفقير العربي حوالي 15 سنة، اشتغل مع أحد الفرنسيين، ولمعرفة صدقه وأمانته، كانت زوجة الفرنسي تضع له مبالغ مالية بأماكن مختلفة من البيت، فكان كلما عثر على مبلغ مالي سلمه للسيدة الفرنسية، آنذاك تأكد للأسرة الفرنسية صدقه وأمانته، فأصبح شخصا لا غنى عنه بالنسبة للأسرة. ولذلك عندما سيبلغ من العمر ما بين 16 و18 سنة سيشغله الفرنسي معه في شركته التي كانت تشتغل في مد قنوات مياه الصرف الصحي، والماء الصالح للشرب للحاضرة  الفوسفاطية. 
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وحاجة فرنسا للجيوش، تم تهجير الفرنسيين الذين كانوا بالمغرب إلى فرنسا وعوضوا بالفرنسيين معطوبي الحرب للعمل ب "لوي جانتي"، فأخبر الفرنسي الذي كان يشتغل معه الفقير العربي الفرنسي الذي عوضه بثقة الرجل وصدقه وطلب منع أن يشغله معه. وبالفعل حظي الفقير العربي بثقة الفرنسي الجديد واشتغل معه، وعندما أراد هذا الفرنسي الهجرة لفرنسا باع للفقير العربي "كوتشي" ب 10 ريالات.