الأحد 19 مايو 2024
فن وثقافة

كيف وشح الدجالون "جِنِّي" بوسام من درجة "بَاشَا" في ساكن "اَلْبَاشَا حَمُّو"؟

 
 
كيف وشح الدجالون "جِنِّي" بوسام من درجة "بَاشَا" في ساكن "اَلْبَاشَا حَمُّو"؟ الباشا حمو بلعباس وفي الخلف قصر الباشا حمو في الجديدة

لتصحيح المغالطات التي أقحمها بعض المغنيين الشعبيين في أغانينا الشعبية، نقدم لقراء "أنفاس بريس" منشور الباحث الأستاذ عبد الرحيم شراد الذي يكشف من خلاله عن كيف تم تمرير سموم الدجل والشعوذة في موروثنا الثقافي الشعبي على مستوى أغاني "السَّاكَنْ". في هذا السياق وانطلاقا من أغنية سَاكَنْ "اَلْبَاشَا حَمُّو" يتساءل الأستاذ عبد الرحيم شرّاد: هل يعقل أن يكون هناك جني برتبة ومنصب "بَاشَا"؟ إنه لمنتهى الحماقة ! على اعتبار أن الدجل والشعوذة يفرضان هيمنتهما الرمزية على الكثير من العقول. فلا وجود لجني إسمه "اَلْبَاشَا حَمُّو".

 

 من يكون هذا "اَلْبَاشَا حَمُو"؟

اَلْبَاشَا حَمُّو بَلْعَبَّاسْ (أنظر الصورة) هو شخص تدرج في رتب المخزن، من قائد إلى باشا على مدينة الجديدة، و كان هذا على عهد المقيم العام الفرنسي، "اَلْمَارِشَالْ لْيُوطِي". و لقد استمر بعده يشغل هذا المنصب حتى بعد نفي السلطان الشرعي للمغرب محمد الخامس طيب الله ثراه، حيث كان هذا الباشا من بين الباشوات والقياد الذين بايعوا الدّمية بن عرفة.

لقد عرف البَاشَا حَمُّو بَلْعَبَّاسْ بالصرامة حتى في الأحكام التي كان يصدرها في القضايا التي كان يفصل فيها بين المتقاضين. و إن القبضة الحديدية التي حكم بها هذا الباشا مدينة الجديدة ونواحيها هي التي منحت إسمه بعدا رمزيا، فأصبح المغاربة في تلك الفترة يقولون عن أي شخص يتعامل بقسوة وسيطرة "اَلْبَاشَا حَمُّو". كما يمكن أن نقول نحن الآن على أي شخص متجبر "فِرْعَوْنْ".

حينما نتأمل جيدا الكلمات التي يتكون منها سَاكَنْ "اَلْبَاشَا حَمُّو"، يبدو لنا جليا أن هذا السَّاكَنْ هو نوع من التنفيس على كل شخص عانى من ظلم و تسلط أحد أقربائه. حيث يبدأ غناء السَّاكَنْ بتوعد هذا القريب الجائر بالويل حين يقول الناظم: "وَيْلِي. وَيْلِي عْلَى اَلْبَاشَا حَمُّو"، إنه يستحق كل هذا الويل لأنه تنكر لدمه وحَرَمَ إخوته وأخواته من حقهم في الميراث، أو ربما أخذ لنفسه الكثير وترك لهم النزر القليل من حقهم في الميراث، فيصفه مرددا قول: "وَيْلِي. وَيْلِي عْلَى اَلْبَاشَا حَمُّو، وَيْلِي وَيْلِي عْلَى الشَّارَبْ دَمُّو. وَيْلِي. وَيْلِي عْلَى اَلْوَاكَلْ لَحْمُو".

إن هذا الوعيد له مرجعيته الدينية، حيث نجد في القرآن الكريم (الآية 10 من سورة النساء)، قول الله تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا". فإذا كانت الآية قد توعدت هذا الظالم بالسّعير، فإن نفسية المظلوم المحطّمة تتوعده بشر الإنتقام، من خلال قول: "يَسْتَاهَلْ ضَرْبْ اَلجّْنَاوَةْ. يَسْتَاهَلْ ضَرْبْ اَلشّْوَاقَرْ. وَيْلِي. وَيْلِي عْلَى اَلْبَاشَا حَمُّو".

الأكثر من هذا وذاك، لقد قطع صلة الرحم والقرابة بينه وبين إخوته، لذلك لن يحضروا لتشييع جنازته حين ترديد قول: "فِينْ لَخُّوتْ. فِينْ لَخْوَاتَاتْ؟ اَلِّلي يْحَضْرُوا لِيكْ يُومْ اَلْمَمَاتْ. وَيْلِي. وَيْلِي عْلَى اَلْبَاشَا حَمُّو".

لذلك وحسب منشور الباحث الأستاذ عبد الرحيم شراد فإننا نكشف على أن الدجل و الشعوذة جعلت لهذا "السَّاكَنْ" طقسا عنيفا مرهبا ولونا دمويا، و نوعا من البخور، و الشمع، ورسخ السحرة والدجالون في أذهان الناس قوة رمزية قاهرة، بهدف أكل أموال الناس بالباطل.

 

" جَابُوهَا مَنْ مَكْنَاسْ .. دَخْلُوهَا لِلْقُبَّةْ كِيفْ الثْرِيَا "

هناك أغنية معروفة عند المغاربة تحت عنوان "بَنْتْ اَلْبَاشَا حَمُّو"، عنوانها الأصلي هو "عْرُوسَةْ اَلْبَاشَا حَمُّو". وهي من أغاني المناسبات، تم نظمها وتلحينها خلال الفترة الإستعمارية التي شهدت السطوة المطلقة لكبار الباشوات، وذلك بمناسبة حفل زفاف عروسة من مكناس قُدِّمت كهدية لباشا مدينة الجديدة وهو "حَمُّو بَلْعَبَّاسْ" الذي تحدثنا عن ظلمه وجبروته في "سَاكَنْ اَلْبَاشَا حَمُّو" أعلاه.

بطبيعة الحال، ليست هذه الفتاة المكناسية هي المرأة الوحيدة التي تم تقديمها كهدية للباشا حمو، هناك الكثيرات (أنظر الصورة أسفله فهي للباشا حمو وهو يقف وسط فِنَاءِ قصره بمدينة الجديدة وهي توضح ما كان يعيش فيه من ترف و بذخ). إن أغنية "عْرُوسَةْ اَلْبَاشَا حَمُّو" قد تم نظمها وتلحينها بمناسبة تقديم عروسة من مكناس كهدية.

 تقول كلمات الأغنية: "يَا لَالَةْ مَا نَبْرَا مَا نَبْرَا يَا اَلطَّلْبَةْ غِيرْ شْقَيْتُو عْلَى دْوَايَا" ( وهو إطراء ومدح للباشا حمو الذي لن يكف عن عادته، حيث كان مزواجا). "يَا لَالَةْ عْرُوسَةْ اَلْبَاشَا حَمُّو. جَابُوهَا مَنْ مَكْنَاسْ دَخْلُوهَا لِلْقُبَّةْ كِيفْ اَلثْرِيْا. (كانت في غاية الجمال).

 إن الباشا حمو لم يكلف نفسه عناء البحث عن هذه العروسة، فقد جاءته علي طبق من ذهب ـ حسب كلمات الأإنية التي تقول: "يَا لَالَةْ مَا نَحْصَدْ مَا نَدْرَسْ. مَا نَاكُلْ غِيرْ الزَّرِّيعَةْ انْقِيَّةْ). وإن ما يوضح أن هذه العروسة قد قدمت له هدية هو ما جاء من إشارة واضحة كذلك في الأغنية بالقول: "يَا لَالَةْ يَا دَﯕَّاﯕْ النُّقْرَةْ. دُﯕْ لِيَّا دَمْلِيجْ نْجِيبُو هْدِيَّةْ".

فلو كانت عروسه من الحرائر كزوجته الأولى بنت القايد بَلْحَمْدُونِيَّةْ مثلا لأهداها دملج من الذهب الخالص . لكن ما دامت هذه العروس مجرد هدية فيكفيه أن يهديها "دَمْلِيجْ اَلنُّقْرَةْ".

 إن قطعة الأغنية بكاملها تتحدث عن فرحة العريس "اَلْبَاشَا حَمُّو بَلْعَبَّاسْ" و ليس عن فرحة "العروسة" كما يتبادر إلى الذهن. تقول الأغنية في النهاية على لسان الباشا حمو: " يَا لَالَّةْ عَنْقَتْنِي وُ رْمَاتْ إِيزَارْهَا عْلِيَّا" .

نشير إلى أن أول من أعاد غناء هذه أغنية "عَرُوسَةْ اَلْبَاشَا حَمُّو" هو المرحوم الفنان الشعبي محمد بوزوبع . أكيد أنها وصلته سماعا من أحد الموسيقيين الشيوخ الذين اعتادوا في شبابهم إحياء الحفلات في قصر "اَلْبَاشَا حَمُّو" .