السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

الأركيولوجي عبد الهادي ڤڭ: نحتاج لإرادة استباقية لحماية أكثر من 500 موقع أثري من التخريب

الأركيولوجي عبد الهادي ڤڭ: نحتاج لإرادة استباقية لحماية أكثر من 500 موقع أثري من التخريب عبد الهادي ڤڭ، أستاذ وباحث متخصص في أركيولوجيا الفن الصخر
قال عبد الهادي ڤڭ أستاذ باحث كلية الآداب والعلوم الإنسانية (الجديدة)، ومتخصص في أركيولوجيا الفن الصخري، إنا ما يحتاجه المغرب اليوم مقاربة استباقية من أجل التصدي للتدمير والتخريب الذي يهدد هذا التراث المادي الإنساني أولا والوطني ثانيا، والذي يتجاوز أكثر 500 موقع أثري".
وأوضح الباحث المتخصص في أركيولوجيا الفن الصخري، أن مشكلة التدمير والتخريب مشكلة بنيوية مركبة، فيها شق قانوني، وآخر إداري وبشري، فضلا عن التحسيسي التوعوي رغم وجود قانون يحمل رقم 22-80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، والذي صار "متجاوزا لا يساير الوتيرة السريعة للتطور الذي تعرفه البلاد، كما أن ما جاء به لا يتم احترام تطبيقه في كثير من الحالات".

 
تتنامى حالات تخريب وتدمير مواقع أثرية ذات قيمة علمية في المغرب. هل لديكم إحصائيات في هذا الصدد؟
لا نملك إحصائيات دقيقة حول عدد المواقع الأثرية بالمغرب التي تعرضت لتخريب كلي أو جزئي. وهذا يمثل مشكلا في حد ذاته باعتبار أن القطاع الحكومي المسؤول للأسف ومنذ الاستقلال لا يتوفر على خريطة أثرية شاملة تبين التوزيع الدقيق للمواقع الأثرية على الصعيد الوطني. 
المعطيات التي نملكها تخص مواقع الفن الصخري بنوعيه المنقوش والمصبوغ، والتي يتجاوز عددها وطنيا خمسمائة موقع، وتهم أيضا مواقع المدافن الجماعية والمعالم الجنائزية التي تنتمي لثقافات ما قبل الإسلام والتي يقدر عددها بالآلاف.

هاته المعطيات تبين بأن عدد مواقع النقوش الصخرية والرسوم الصباغية الصخرية التي تعرضت إما لتدمير كلي (بمعنى أن الموقع اختفى ولم يبق له وجود) أو لتدمير جزئي (بمعنى أن الموقع تعرض إما لسرقة بعض من محتوياته أو لكسر وتخريب وتشويه لوحاته الصخرية مع حدوث أضرار متفاوتة) يفوق 50 بالمئة والرقم في تزايد بوتيرة مخيفة خلال العقدين الأخيرين. وأول جهة من حيث نسبة تدمير مواقع الفن الصخري وطنيا هي جهة درعة تافيلالت. نفس الشيء بالنسبة للمعالم الجنائزية بأنواعها التي تعرض قرابة 10 في المئة من تلك التي نعرفها لتدمير كلي خصوصا في جنوب المملكة وشرقها، والعدد المتبقي أغلبه تم نبشه من قبل منقبي الكنوز، وفي حالات نادرة جدا فقط نصادف معالم جنائزية سليمة.
 
أمام تنامي حالات التدمير والتخريب وصيحات الجمعيات والفاعلين. لم يتكرر الفعل في كل مرة وفي مواقع متعددة؟
مشكلة التدمير والتخريب مشكلة بنيوية مركبة فيها شق قانوني متعلق بكون القانون المنظم (القانون 22-80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات) أصبح متجاوزا لا يساير الوتيرة السريعة للتطور الذي تعرفه البلاد، كما أن ما جاء به لا يتم احترام تطبيقه في كثير من الحالات.

وشق إداري يتعلق بكون المصالح الممركزة للقطاع الوصي لا تتوفر على آليات تمكنها من مراقبة احترام هذا القانون من قبل الشركات والمشاريع المبرمجة بالإضافة إلى التعثر غير المفهوم لمجموعة من طلبات ترتيب المواقع الأثرية (ومنها الموقعين الأثريين بإقليم طانطان في عداد الآثار، التي مازالت تراوح رفوف الوزارة منذ قرابة السنة باعتبار أن مسطرة الترتيب تساهم في حماية هذه المواقع حماية قانونية. كذلك نشير إلى غياب التواصل بين القطاعات الحكومية خلال إنجاز بعض مشاريع البنيات التحتية وهنا أخص بالذكر خصوصا التجهيز والنقل وما وقع من تدمير جزئي لموقع أمان أوغريب بطاطا بسبب أشغال تجديد الطريق الوطنية رقم 12 والذي لم تتم فيه مراقبة الشركة المكلفة بالمشروع على هذا التدمير ولم تتم محاسبتها والأمثلة كثيرة في هذا الصدد وموثقة عندنا.

شق متعلق بالموارد البشرية، باعتبار أنه على سبيل المثال المنتزه الوطني للنقوش الصخرية الذي يمثل المصلحة المكلفة بجرد ودراسة مواقع الفن الصخري يعاني من خصاص مهول وغير مبرر على مستوى الموارد البشرية والإمكانيات المادية واللوجيستية المخصصة له ما يعرقل قيامه بالأدوار المنوطة به. المنتزه لا يتوفر على سيارة فكيف له أن يقوم بمهامه يغطي التراب الوطني. لقد أضحى توفير الوسائل اللوجيستية والبشرية للمصالح اللاممركزة لوزارة الثقافة للقيام بمهامها مطلبا ملحا فكيف يعقل ألا يتوفر المحافظون الجهويون للتراث الثقافي والمفتشون الجهويون للمباني التاريخية والمواقع وحراس المواقع، رغم قلتهم، على وسيلة للنقل خصوصا مع شساعة المجالات الجغرافية التي يشتغلون فيها كما هو الشأن بأقاليمنا الجنوبية؟.
شق تربوي وتحسيسي، باعتبار أنه يجب التحسيس والتوعية بأهمية التراث الأثري الوطني وضرورة الحفاظ عليه. هذا التحسيس يجب أن يشمل المتمدرسين والساكنة التي تعيش قرب هذه المواقع لكن أيضا المنتخبين باعتبار أن البعض منهم قد يرخص بدون قصد لبعض الأنشطة (مقالع الحجارة....) التي تهدد سلامة هذه المواقع.
 
على هذا الوضع سيتم تدمير عدد من المواقع الأثرية بشكل ناعم رغم الصيحات. ما الذي ينبغي فعله لوقف هذا النزيف؟
أكيد أن هناك إرادة من الدولة المغربية في حماية التراث الأثري الوطني. لكن على المستوى الحكومي الحفاظ على التراث الأثري الوطني ليس على سلم الأولويات، ومجموعة من المسؤولين مركزيا وفي بعض الحالات جهويا لا ينخرطون بتاتا في تنزيل هذه الإرادة مع تسجيلنا لغياب أية مقاربة استباقية عند هؤلاء من أجل التصدي للتدمير والتخريب الذي يهدد هذا التراث المادي الإنساني أولا والوطني ثانيا.