الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

بوستاني الغوثي: المنع من الاتصال بالضحية تدبير وقائي مقرر لفائدة المرأة ضحية العنف

بوستاني الغوثي: المنع من الاتصال بالضحية تدبير وقائي مقرر لفائدة المرأة ضحية العنف بوستاني الغوثي

لقد جاء قانون رقم 103.13 المتعلق بالعنف ضد النساء بتدبير وقائي جديد هو منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية، وذلك بمقتضى المادة 4 منه والتي قضت بتميم الفصل 61 من القانون الجنائي، ليضع المشرع بهذا المقتضى القانوني حدا لتخوف ضحية العنف من التبليغ عما تعرضت له، وتخوفها من المشتكى به بعد تقديم شكايتها في الموضوع أو بعد إدانة الجاني وقضائه للعقوبة، أو حتى في حالة الحكم عليه بعقوبة موقوفة التنفيذ.

 

فلم يعد تاما القول أن جميع العقوبات والتدابير الوقائية المقررة في النصوص الجنائية يعود الحق في طلب تطبيقها والتماسها حكرا على النيابة العامة التي تنوب على كافة أفراد المجتمع، باعتبارها الخصم الشريف في الخصومة الجنائية، وأن للدعوى العمومية رب يحميها هو النيابة العامة، وأنه لا يسوغ للطرف المشتكي أو المطالب بالحق المدني -سواء كان هو من حرك الدعوى العمومية أو انتصب فقط طرفا مدنيا- إلا المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء فعل مخالفة القانون الجنائي، بل ولأن هذا التدبير الوقائي يرتبط بالأساس بحق الضحية في السلامة الجسدية والنفسية، صار بإمكان الضحية إضافة إلى طلب التعويض عن الضرر الحاصل من الجريمة، أن تلتمس من المحكمة التي تنظر في شكايتها أو في مطالبها المدنية الحكم أيضا على المتهم بعدم الاتصال بها أو التواصل معها بأي وسيلة من الوسائل أو الاقتراب من مكان تواجدها.

 

وقد منح الفصل 1-88 من القانون الجنائي بعد تتميمه بمقتضى المادة 5 من القانون 103.13 المذكور إمكانية الحكم بتدبير المنع من الاتصال بالضحية في حالة الإدانة من أجل جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة أو العنف ضد المرأة أو القاصرين لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، ابتداء من انتهاء العقوبة المحكوم بها على الجاني أو من تاريخ صدور المقرر القضائي، إذا كانت العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها موقوفة التنفيذ أو الغرامة أو عقوبة بديلة، وأن هذا التدبير يمكن أن يكون مشمولا بالتنفيذ رغم كل طعن.

 

كما يسمح نفس النص القانوني بالحكم بالمنع من الاتصال بالضحية أو التواصل معها أو الاقتراب من مكان تواجدها بصفة نهائية، مع إلزامية تعليل هذا المنع النهائي، ولعل المشرع قصد هنا بيان المحكمة للغاية من قضائها بالمنع النهائي إما لخطورة الجريمة أو للآثار النفسية الجسيمة التي طالت الضحية والتي لا يكفي فيها الحكم بالمنع من الاتصال للمدة القصوى المحددة في 5 سنوات، غير أن الصلح بين الزوجين في جميع الأحوال يضع حدا لتنفيذ التدبير القاضي بالمنع من الاتصال بالضحية.

 

وقد أقر الفصل 3-88 أمدا آخر للمنع بالاتصال بالضحية، وذلك بتمكين النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو تلقائيا من المحكمة أو بطلب من الضحية في حالة المتابعة من أجل الجرائم المشار إليها في الفصل 1.88 المذكورة سالفا، الأمر بالمنع من الاتصال بالضحية إلى غاية بت المحكمة في القضية المعروضة عليها.

 

ولم يجعل القانون تدبير المنع من الاتصال بالضحية دون جزاء ولا رهينا بإرادة المحكوم عليه، فكما سعى هذا الأخير إلى مخالفة القانون الجنائي بإتيان أعمال العنف التي استدعت الحكم عليه بالمنع من الاتصال بالضحية، قد يعمد من جديد إلى خرق التدبير المحكوم به عليه، وذلك باتصاله بالضحية أو التواصل معها بأي وسيلة من الوسائل أو الاقتراب منها، لذلك فقد جرم القانون نفسه خرق هذا التدبير وذلك بجعله جريمة يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من ألفي درهم إلى عشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين (الفصل 1-123 من القانون الجنائي).

 

إن الغاية من إحداث هذا التدبير الوقائي المتمثل في منع الاتصال بالضحية هو إقرار ضمانة قانونية للنساء والقاصرين ضحايا العنف لكسر جدار الصمت، ومحفزا لفضح والتبليغ عن جرائم العنف التي تطالهم، وعدم التخوف من انتقام الجاني، سواء أثناء المحاكمة إذا كانت المتابعة في حالة سراح، أو بعد الإدانة إذا كانت العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها موقوفة التنفيذ، أو عقوبة بديلة، أو حتى بعد قضاء العقوبة الحبسية، وربما أيضا محاولة لتضميد الجراح النفسية قبل الجسدية للضحية وذلك بإبعاد ما أمكن الجاني عنها الذي يبقى مجرد قربه تعميقا للمأساة، ولعل جعل القانون أقصى أمد المنع في خمس سنوات إقرارا منه أن التعافي من الجراح النفسية يستلزم وقتا كافيا، وقد لا تسعفه حتى أقصى المدة مما يتناسب معه الحكم بالمنع من الاتصال أو التواصل بالضحية بصفة نهائية بتعليل.

 

- بوستاني الغوثي، محامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء