في انتظار وضوح آفاق الحركية الاجتماعية بخروجها من شرنقة الحالة النضالية التي انتهت إلى حركة مطلبية حقوقية مختزلة في الإفراج الفوري، مؤطرة بمعركة الأمعاء، وبالموازاة تتناسل محاولات الركوب والمواكبة باسم الوساطة، وما رافق ذلك من حملات التشكيك والتخوين والمزايدة احيانا. ولعل رفع البعض لشعار "عاش الريف، ولا عاش من خانه"، لدليل على عدم تماسك الرؤية وعدم انضباط الحماس وارتباك النفس، مما أوحى بضرورة إعادة نشر مقال لنا، كتب على هامش الفتور الذي بدأ يدب في عروق حركة 20 فبراير.
إثر الانسحاب التعسفي لتيار المحافظين: «عاش الشعب» يرفعها البعض شعارا مرادفا لـ «عاش الوطن»، ويرفعها كثير من الشبان شعارا موازيا لـ «عاش الملك»، هذا تنافس لفظي يحتاج إلى مزيد من التمحيص والحكمة.. ما يهم من خلال طرحه هو غياب النعت الضروري والتوصيف الملائم، فلا يكفي رفع الشعار على حالته، مجردا عن حمولته الفكرية المنتجة، بل لابد من بلورة المشروع الذي يضمن لهذا الشعب الكرامة.
فمن المؤهل لبلورة هذا المشروع؟ وهل في قدرة هذا الشعب أن يبلوره، أم لابد من وكلاء يقومون بالمهمة؟ فمن هم هؤلاء الوكلاء؟ ولأية طبقة ينتمون داخل هذا الشعب؟ وهل تفترض الوصاية «الثورية» و«المعرفية» لبلورة وعي اجتماعي يرقى بحقوق هذه المجموعة الاجتماعية؟ أي الشعب، الذي اعتبره أفلاطون، فئة تفتقر إلى الغنى والمعرفة والكفاءة السياسية.. فكيف لهؤلاء أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم حتى نبلغ الديمقراطية التي تعتبر لدى كثير من زعمائنا هي حكم الشعب؟ ولأن هؤلاء الزعماء يقودون أحزابا موالية وأخرى معارضة، فهم جزء من تمثلات النظام السياسي، اللهم بعض الاستثناءات التي تدعو إلى بناء دولة المجتمع، يقود فيها الفكر السياسة، كانوا في الماضي يقومون بين الحين والأخر بتشخيص التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية، ويرتبون التناقضات ويبنون التحالفات، ولا يهتمون بمحتوى خطاب الدولة سوى إذا كان مسبوقا بنداء «أيها المواطنون، صاحب الجلالة يخاطبكم».. وكانت عبارة «شعبي العزيز» تستدعي النخبة إلى الاستماع والتركيز من أجل فك الرسائل المرموزة، في حين لا يكترثون للخطبة الموجهة للجماهير في البوادي والمناطق المحيطية المعروفة سابقا ببلاد السيبة أو الهوامش، وعلى الخصوص إذا كانت مدبجة بعبارة «رعايانا الأوفياء»..
لكن تدهور قيمة العمل السياسي وهشاشة التفكير النقدي بهيمنة النزعة الانتخابية كواجهة يتيمة للنضال، جعل التنافس ينحصر في من «يصبن أحسن» خصومه من أجل نيل صفة «حكومة صاحب الجلالة» مقابل «معارضة صاحب الجلالة»، لكي يخلص الجميع إلى ضرورة المناداة بالحياة للنضال والفكر التقدمي الذي قتلته السياسة، بل يجب العمل على انبعاث النبل والحياة الكريمة من خلال جميع الأبعاد المقصية، من الحقوقي إلى الاجتماعي.
فلتمت الشعارات بين ثنايا المشروع المجتمعي التقدمي/ الديمقراطي، ما دامت الديمقراطية غير منحصرة فقط في من سيتمخض عن الصناديق الزجاجية الجارحة، صنيعة الغموض واللايقين.. فلنجدد معا قواميسنا، فليس عيبا أن نردد سؤال "من نحن وماذا نريد"، كي نكون مؤهلين لإحياء الوطن بالكفاح الفعلي بدل الدعاء له عبثا.