الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: الصحافة الورقة في زمن كورونا" موت غير معلن" وعودة الدفء مع التلفزيون

جمال المحافظ: الصحافة الورقة في زمن كورونا" موت غير معلن" وعودة الدفء مع التلفزيون جمال المحافظ

إذا كانت جائحة “كوفيد 19“ قد أعادت الدفء بين الجمهور المغربي ووسائل الاعلام المسموعة - المرئية، خاصة التلفزيون، فإنها بالمقابل زادت من حجم التحديات التي تواجهها الصحافة الورقية في البلاد على غرار بقية دول العالم، واصبحت تعيش "قصة موت غير معلن" لأسباب متعددة يعود الجزء الأكبر منها للثورة التكنولوجية التي سبقت اكتشاف أول حالة اصابة بفيروس كورونا في الثالث من مارس الماضي.
ما بين 22 مارس و26 مايو، توقف طبع الصحف بالمغرب، بناء على قرار اتخذته وزارة الثقافة والاتصال، بدعوى "تفعيل الإجراءات المتخذة في إطار مواجهة انتشار جائحة كوفيد 19 المستجد"، مما جعل الصحف الورقية، تتحول الى النشر الإلكتروني المجاني.
في ظل هكذا وضع، أصبح مطروحا بحدة، إعادة النظر في أليات تدبير الصحافة الورقية، وفق نموذج اقتصادي جديد، يتلاءم مع المتغيرات الراهنة وذلك بالاعتماد بشكل أكبر على الفرص التي أضحت توفرها الثورة الرقمية.
وبلغت خسائر قطاع الصحافة بالبلاد 243 مليون درهم (حوالي 24 مليون دولار ) خلال ثلاثة أشهر فقط، وذلك نتيجة قرار وقف طبع الصحف الورقية.

وعرفت إيرادات الإعلانات تراجعا مهولا، بنسبة 110 في المائة ما بين 18 مارس و18 مايو2020، وذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2019، حسب ما جاء في التقرير الذى أصدره أخيرا المجلس الوطني للصحافة حول آثار الجائحة على قطاع الصحافة بالمغرب.
إن تداعيات فيروس كورونا، كانت" قاسية"، على حد وصف تقرير المجلس الوطني للصحافة، وهو ما سيزيد من تعميق أزمة الصحافة المغربية التي تفاقمت خلال السنوات الثلاث الماضية قبل انتشار الجائحة، والتي عرفت مبيعاتها انخفاضا كبيرا بمعدل 33 في المائة بالنسبة للصحف اليومية و65 في المائة بالنسبة للصحف الأسبوعية و58 في المائة في ما يخص المجلات.
وإذا كان قرار اغلاق المقاهي، التي تشكل مصدرا مهما لترويج الصحف ( تمثل 85 في المائة من المبيعات)، قد فاقم من خسائر الصحف المغربية التي لا يتجاوز مجموع مبيعاتها 200 ألف نسخة، فإن حصة الصحافة الورقية والإلكترونية من الإعلان التجاري زادت الطين بلة، حيث تراجعت ما بين 2010 و2018 وذلك بنسبة 50 في المائة، وتفاقم هذا التراجع خلال الاشهر الخمسة الأولى من السنوات الثلاث الماضية، بنسبة 72.4 في المائة.

وكانت الحكومة المغربية قد وضعت " مخططا تنفيذيا" يرمي الى الرفع من حجم الدعم الممنوح للصحافة الورقية، من أجل إنقاذها من احتمال التوقف لأسباب متعددة ضمنها سرعة انتشار الخبر الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، وضعف نسب المقروئية وهشاشة النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية.
وتخصص الدولة دعما سنويا للصحف يناهز 60 مليون درهم (6 مليون دولار) لمواجهة التحديات التي تعرقل مسارها وتكاد تؤثر على استمراريتها، وليس أقلها تراجع الموارد الاعلانية، وتحكم الشركات العملاقة للإنترنت في أسعار هذه السوق فضلا عن تراجع المقروئية الذي تفاقم بفعل انتشار الصحافة الإلكترونية.
وعلى الرغم من أن هذا الدعم الحكومي المقدم للصحافة الورقية يرمى أيضا الى تأهيل المقاولات الصحفية وتعزيز احترافيتها، فإنه أصبح من المفروض اقناع الصحف ب"التخلص من عقلية الورق" عوض المطالبة المستمرة بالرفع من الدعم المالي المخصص الذي لا تصرفه بعض المقاولات في المجالات المخصصة له، حسب ما ترصده الهيئات المهنية في تقاريرها، وذلك للإبقاء على "صناعة تعيش على أنقاض مهنة، انتهت" كشكل، ولكنها يمكن أن تبقى وتصمد كمهنة رغم المنافسة الشرسة لما يسمى" بالبدائل الإلكترونية ".
وعلى خلاف الصحافة الورقية، تمكنت المحطات الاذاعية والقنوات التلفزيونية العمومية، أن تستعيد زمام المبادرة، وتحقق بذلك تصالحا مع الرأي العام عبر مواكبتها، لتداعيات فيروس كورونا المستجد خاصة في فترة الحجر الصحي، محققة بذلك نسب مشاهدة عالية، حسب ماذكرت هيئة قياس نسب المشاهدة (ميديا ميتري)، فاقت ما كانت تسجله من معدلات قبل زمن الجائحة.
في سياق ذلك، وصف يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، في تصريح ل" الشرق الاوسط" ، تناول الاعلام المسموع والمرئي لجائحة كوفيد 19 المستجد، ب"العمل الجيد" مستدلا في ذلك، بما يلاحظ من تنوع في البرامج والنشرات الإخبارية، وانفتاح على خبراء في ميادين مختلفة واستخدام الرسوم البيانية، والقيام بتغطيات ميدانية، بهدف تمكين الجمهور من مواكبة دقيقة لوضعية وتداعيات انتشارالوباء.
ويقول مجاهد، وهو أيضا رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، إن هذا التطور الملحوظ في أداء التلفزيون يؤكد من جديد " الأهمية البالغة" للأعلام التقليدي (الصحافة المكتوبة والراديو والتلفزيون) في تكريس قواعد المهنية واحترام أخلاقيات المهنة والالتزام بنشر الاخبار بناء على مصادر موثوقة، على خلاف ما يروج غالبا في وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته، يقول رئيس "بيت الشعر بالمغرب" مراد القادري، ل" الشرق الاوسط" حول تمثلاته لأداء الاعلام في ظروف انتشار الجائحة " منذ أن بدأ فيروس كورونا في الانتشار، هرولنا جميعًا إلى وسائل الإعلام في بحْثٍ عمّا يطفئُ الفضُول.

وبقدر ما نجحتْ بعضُ الصّحفوالقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية في تقْديم خِدمة إعلامية موضوعية ونزيهة، احترمت فيها المُقتضيات الإعلامية والبيانات الطبيّة والعلمية، بقدر ما سقطت أخرى في مقارباتٍ شعبوية أوروّجت لأخبارٍ كاذبة، زادت من الهلع بين النّاس عوض أن تُطمئنهم وتُهدّئ منروْعهم.
وثمن الشاعر القادري " الجُهد الإعلامي" الذي بذلته بعض قنوات الإعلام العمومي في متابعاتها لمستجدات هذا الوباء التي استجابتفيها، بمهنيَةٍ عالية لانتظارات وأسئلة المشاهدين، من خلال استضافتها لشخصيات من تخصّصات مختلفة، ومن قطاعاتٍ متعدة: طبّية، علمية وتعليمية، علاوة على ربْط الاتصال بمراسلين مرابطين أمام مراكز استشفائية، وهو ما يجعل هذه اللحظة الإعلامية، بوابّةً لإعادة التصالح مع القنوات العمومية، ومدخلا لتجديد الثقة فيها وفي الأطقم التي تعمل فيها.
نفس هذا الرأي ذهب اليه الإعلامي المغربي عبد المجيد فنيش، حينما دعا الصحافة إلى جعل هذه الأزمة الصحية مدخلا لمصالحة أعمق مع المواطن في الآتي من الأيام، مع العلم أن الأزمات تقوي دوما الجبهات الداخلية، وإذا كان من المهم تسجيل المجهود الاستثنائي الذى تبذله الأطقم الصحفية والتقنية مركزيا وجهويا بالمحطات الاذاعية والقنوات التلفزيونية في التناول الاعلامي لجائحة كوفيد 19، فإنه ما زالت هناك مجهودات مطلوبة في القادم من الأيام.
وعلى الرغم من تنويه الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي " الهاكا "، التي تتولى تنظيم البث الاذاعي والتلفزيوني بالمغرب، في تقريرها الأخير حول خصائص المعالجة والمواكبة الإعلامية للإذاعات والقنوات التلفزيونية للأزمة الوبائية، بقيام مؤسسات المسموع والمرئي ب "تكييف برامجي استثنائي، ولجوء لافت للتفاعلية، واعتماد إعلام القرب، وتكامل بين الخدمة العمومية للإعلام والعرض المسموع والمرئي الخاص وانفتاح على الفضاء الرقمي"، فإنها رصدت "بعض النقائص" التي طبعت مجهود اليقظة والتعبئة الإعلامية الذي أفردتها هذه الدعامات الإعلامية للأزمة الصحية.
ولاحظت " الهاكا "، في تقريها الذي يندرج ضمن عمليات الرصد الاستثنائية التي أطلقتها منذ 17 مارس2020، الماضي للمعالجة الإعلامية لأزمة كوفيد 19، من لدن متعهدي الاتصال المسموع والمرئي، "اهتماما غير كاف بمخاطر التعرض المفرط لوسائل الإعلام والطابع المثير للقلق بالنسبة للجمهور الناشئ، مع"ضعف التوازن بين مجهودي الإخبار والتحليل" للجائحة، مسجلة وجود "تفاوت" في خطاب الخبرة الصحية وخطاب الفعل السياسي والنقابي والجمعوي.
وأضاف المصدر ذاته أن نصف المتدخلين كانوا من خارج الفعاليات السياسية والاجتماعية، حيث جرى التعامل معهم بناء على مسؤولياتهم الوظيفية والإدارية وبناء على تخصصاتهم أو خبراتهم الأكاديمية المرصودة للأزمة الوبائية.

كما أن تمثيلية النساء في المواكبة الإعلامية "كانتغير منصفة"والتي لم تتجاوز عتبة 13 بالمائة .بيد أن مواكبة الأزمة الوبائية، يضيف التقرير، خلقت بالمقابل "فرصا وأنتجت ممارسات، يتعين استثمارها وتطويرها للمساهمة، ليس فقط في تدبير الجائحة، بل في تقوية الدور الفريد للإعلام في تدبير كل الأزمات."
وبصفة عامة، لم تكن الصحافة الوطنية بحاجة إلى جائحة كورونا، كما جاء في تصريح أدلى به ل" الشرق الاوسط" الاعلامي محمد برادة، مؤسس أول شركة توزيع صحف مغربية ( سابريس )، لتعميق آلام الأزمة الخانقة التي تعيشها منذ فترة غير قصيرة.
هذه الأزمة التي تتجلى، في نظره، بشكل يزداد قسوة وتنعكس سلبياته على انتشار الصحافة ليتقلص إشعاعها وتتفاقم أوضاعها البشرية والمادية..
وعلى العموم، يقول برادة إن هذه الجائحة تأتي لتضع الصحفيين أمام مسؤوليات استثنائية انطلاقا من قناعات إنسانية ووطنية ومهنية، مشيرا الى ان دور الصحافة في مثل هذه الحالات المفاجئة يصبح مضاعفا ويفرض أشكالا جديدة من التطور من أجل المساهمة الفعلية في التوعية ومواكبة التطورات المتسارعة وبدل كل الجهود من أجل الحد من انتشار الوباء، والوقوف في نفس خندق الأطباء ومختلف الواقفين في الصفوف الأمامية للمواجهة.
هي فعلا حرب من شكل آخر غير مسبوق وغير محسوم العواقب، يقول برادة، وبالتالي فإنها تفرض ظروفا لا تقل خطورة عن تلك التي يجدفيها الصحفي نفسه تحت القنابل في ميادين المعركة.
ويضيف برادة أن تقديم المعلومات وكل الإيضاحات بخصوص التدابير الاحترازية والوقائية من شأنه أن يجعل من الصحفي أحد عناصرالإنقاذ والدفاع عن صحة المواطن وضمان أمنه واستقراره.
وزاد برادة قائلا " إن الظروف الغير مسبوقة التي فرضت نفسها على كل القطاعات المنتجة والفكرية والاقتصادية، ألزمت الصحافة بالتأقلم الإيجابي مع مرحلة عصيبة وبالغة الخطورة، ذلك أن تقديم المستجدات والرفع من مستوى وعي المواطنين بالالتزام بالتدابير المعلن عنها بشكل يتيح فرصة فهم الواقع دون إثارة وبعيدا عن تخويف المواطنين مع إبراز الآفاق الإيجابية التي تبشر بغد أفضل.
ويرى برادة إن مثل هذه ظروف تبقى مناسبة لتقوية الصحافة ودورها الطبيعي إن هي توفقت في التعامل بالشكل المناسب مع مختلف المعطيات التي تحظى باهتمام المسؤولين وكافة المواطنين في نفس الوقت، مشيرا الى انه رب ضارة قد تكون نافعة وقد تستفيد منها الصحافة، وتأخذ أكثر مما تعطي في مثل هذه الحالات.
وعلى الرغم من غياب تقاليد وتجارب إعلامية، في مجال تدبير الأزمات، فإن "إعلام الأزمة" يضطلع - على غرار الإعلام في الأيام الاعتيادية - بدور طلائعي في الإخبار والتوعية غير أن وظائفه تشهد تطورا ملحوظا أبان وقوع الأزمات، وتفرض تعاملا مختلفا، تبعا للمستوى الذي بلغته الأزمة مما يظهر مع جائحة فيروس كورونا الحاجة الماسة والعاجلة للتكوين الصحفي المهني في مجال الأزمات.

 

" عن جريدة " الشرق الأوسط