الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد نبيل السريفي: التهديد بمقاضاة نبيلة منيب اتجاه يسير عكس روح ومنطوق دستور المملكة

محمد نبيل السريفي: التهديد بمقاضاة نبيلة منيب اتجاه يسير عكس روح ومنطوق دستور المملكة محمد نبيل السريفي ونبيلة منيب

وأنا أطالع جديد الأخبار، بعد انقطاع اختياري لمدة أربعة أيام، فوجئت بالبيان الذي أصدرته إحدى الجمعيات المهنية للقضاة بالمغرب حول تدوينة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، الأستاذة نبيلة منيب، وخاصة من حيث الجهة وحمولة ولغة البيان في هذا الظرف بالذات.

وفيما يلي بعض الملاحظات حول البيان النازلة:

أولا: الجمعية التي أصدرت البيان هي جمعية مهنية، مهمتها محددة دستوريا في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئة التي تمثلها (الفصل 8 من الدستور)، وليس من صلاحياتها تنصيب نفسها ساهرة على حماية استقلالية القضاء التي تبقى من الاختصاصات الموكولة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 113 من الدستور) الذي يرأسه ملك البلاد (الفصل 56) ويعتبر الضامن لاستقلال السلطة القضائية (الفصل 107) والساهر كذلك على صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنين (الفصل 42). ولا يمكن للاختيار الديمقراطي أن يقوم دون ضمان حرية الفكر والرأي والتعبير التي يكفلها الدستور بكل أشكالها (الفصل 25)، وإعطاء جميع المواطنات والمواطنين حقهم في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة (الفصل 28).

ثانيا: تدوينة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، باعتبارها فاعلة سياسية تدخل في إطار الممارسة الحزبية العادية، (وهي مواطنة مغربية تمارس العمل السياسي والحقوقي، وليست ممتهنة للسياسة أو محترفة للنضال الحقوقي. فوصف الممتهن والمحترف في هذا السياق هو تنقيص من شأن الفعل السياسي والحقوقي الذي تمارسه مؤسسات حزبية وحقوقية تشتغل في إطار القانون، ويجانب مبدأ الحياد المفترض توفره في هيئة مهنية قضائية)، ذلك أن الدستور يعترف للأحزاب السياسية بمساهمتها في تأطير المواطنين والتعبير عن إرادة الناخبين (الفصل 7). وباستحضار روح الفصل 64 من الدستور، والذي يمنع متابعة أو اعتقال أو محاكمة أي برلماني بمناسبة إبدائه لرأي خلال مزاولته لمهامه، ما عدا في ثلاث حالات (أن يجادل الرأي في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك)، يتضح أن الدستور المغربي يدعم حرية التعبير عن الرأي السياسي. وما قالته الأستاذة منيب يبقى رأيا وتقديرا سياسيا بخصوص وضعية استقلالية القضاء ببلادنا، والتي تناولتها بالدرس والتحليل تقارير وطنية ودولية وندوات علمية، اعتبارا لكونها شأنا عاما وليست حكرا على جسم القضاء الذي تبقى استقلاليته ركيزة ضرورية لصيانة الخيار الديمقراطي. كما أن الأستاذة منيب باعتبارها أمينة عامة لحزب ينتمي للمعارضة البرلمانية التي خصها الدستور (الفصل 10) بحقوق مهمة تمكنها من القيام بمهامها في الحياة السياسية، ومنها حرية التعبير والرأي والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين. وأخيرا وليس آخرا، نبيلة منيب تبقى مواطنة مغربية لها أن تمارس حقها الدستوري في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة، حسب ما يضمنه الفصل 28، وما تطالب به "المحاكمة العادلة" ينص عليه صراحة الفصل 120 من دستور المملكة "لكل شخص الحق في محاكمة عادلة"، ويضيف ذات الفصل "وفي حكم يصدر داخل أجل معقول"، نعم يقول الفصل "محاكمة عادلة وفي أجل معقول".

ثالثا: القول بعدم استقلالية القضاء أو وجود قضاء التعليمات ليس عيبا ولا تحاملا ولا جريمة، وهو رأي لا يمكن تعميمه بالمطلق. وترتبط إشكالية استقلالية القضاء بمنظومة العدالة والعمل القضائي أكثر من ارتباطها بالقاضي الشخص، وهنا لابد من التنويه بوجود الكثير من القضاة المستقلين النزهاء والشرفاء الذين يحق لوطننا أن يفخر بهم. كما أن الكثير من التقارير الرسمية والخطب الملكية أشارت إلى ضرورة تعزيز ضمانات استقلال القضاء وتخليقه، وهو ما يعتبر إقرارا بوجود مكامن خلل، سواء على مستوى المنظومة ككل أو على مستوى القاضي الشخص، وهنا مثلا ينص الفصل 109 من الدستور المغربي على ما يلي "يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما" وهو ما يعزز ضمانة استقلالية القاضي. ومما سبق، يتضح أن عدم استقلالية القضاء جزء من كل، يتعين انخراط الجميع بما فيها الجسم القضائي والمجتمع المدني والأحزاب السياسية لتعزيزها ضمانة لحقوق المواطنات والمواطنين. ومن هنا، كان حريا بالجمعية المهنية، الملزمة دستوريا باحترام تجرد واستقلال القضاء (الفصل 111)، كان حريا بها أن تنأى بنفسها عن هذا السجال/ الترافع السياسي بخصوص تقدير مستوى استقلالية القضاء، وأن تجعل خبراتها القضائية والقانونية رهن إشارة الفاعلين السياسيين والجمعويين للارتقاء بمنظومة العدالة في بلادنا، 

رابعا: الفاعل السياسي والجمعوي في كل بقاع الدنيا، ينطلق في كثير من الأحيان، من تحليل المؤشرات والمعطيات المتوفرة لديه لبلورة تقديره السياسي في قضية ما، وهو لا يتوفر على وسائل وآليات للتحقق والتحقيق في كل ما يتوفر لديه من معطيات بل يتوفر فقط على أدوات ومناهج التحليل السياسي. فالفاعل السياسي عندما يتكلم مثلا عن وجود فساد أو رشوة في بنية معينة أو قطاع معين، أو فشل سياسة عمومية أو غيرها، فهو لا يتوفر بالضرورة على الإثباتات الضرورية لذلك (بالمعنى التوثيقي/ التحقيق)، وبالتالي فقوله يبقى تقديرا سياسيا يعبر عن رأي/ توجه سياسي يتقاسمه مجموعة من المواطنين. وسلك الاتجاه الذي يؤسس له بيان الجمعية المهنية أعلاه من خلال تهديده بمقاضاة أمينة عامة لحزب سياسي، هو اتجاه يسير عكس روح ومنطوق دستور المملكة، ويؤسس لمرحلة "تكميم الأفواه" بدلا عن تعزيز خيار الانفتاح الديمقراطي الذي تسير فيه بلادنا...