السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

علي رشيدي: ما يهم المواطن هو الرفاهية وردم الفوارق الاجتماعية وليس الإرث

علي رشيدي: ما يهم المواطن هو الرفاهية وردم الفوارق الاجتماعية وليس الإرث علي رشيدي

النقاش الدائر في هذه الأيام حول موضوع المساواة بين الجنسين في الميراث، نقاش غير جديد، لكن الفرق هو أنه تحول في الآونة الأخيرة إلى الفضاء العام وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وما تلاه من ردود فعل عنيفة وصلت في بعض الأحيان حد القذف والاتهام بالتكفير.

فموضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة موضوع مرتبط بتوجهات متباينة بين: مؤيدين يرون أن منظومة الميراث يجب أن تساير تطور البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، وعلى أن مسألة المساواة في الإرث تستحق أن تأخذ مكانها في النقاش المجتمعي، مبررين موقفهم بأن أحكام الإرث شرعت في سياقات اجتماعية خاصة تغير منها الكثير، وتغيرت معها العديد من معها من الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للرجل والمرأة على حد سواء.. وبين رافضين من جهة ثانية يتشبثون بالنصوص القرآنية بشكل حرفي ويرون أن طرح الموضوع للنقاش المجتمعي هو خط أحمر لأنه يمثل خروجا عن الأحكام الإسلامية.

ومن الأكيد أن احتدام النقاش حول هذا الموضوع بالرغم من أهميته، يبدو إلى حد كبير مبالغا فيه على اعتبار أن المجتمع المغربي يعيش مشاكل أعمق بكثير. وبالتالي الأجدى أن تحظى بالأولوية، وأن يعمق النقاش حولها لما لها من آثار مباشرة على عيش وكرامة شريحة واسعة من المواطنين المغاربة.

فما يستدعي الاهتمام، في هذا الوقت على الأقل، هو إيجاد أجوبة آنية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية من قبيل صعوبة الولوج إلى الخدمات الاجتماعية للعديد من المواطنين ومن تمكينهم من تعليم عمومي ذي جودة ومن صحة وماء صالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل والسكن اللائق، وكذلك ضعف الاستثمار وإقصاء شريحة كبيرة من المجتمع في المشاركة في صنع القرار السياسي والتصالح مع السياسة ومع الشأن العام، وما يترتب عن هذا الوضع الهش من نتائج سلبية على نفسية المواطن من إحساس بالإقصاء والتهميش وبطالة وهدر مدرسي وتنامي كل أشكال الانحراف من تشرد وتسول ودعارة واستهلاك المخدرات وتفاقم البؤس المادي والمعنوي وتزايد حالات العنف والجريمة.

فالأحرى بالتدافع المجتمعي إذن أن ينصب حول هذه القضايا التي تسائل السياسات العمومية المنتهجة منذ الاستقلال لأنها قضايا ترهن واقع ومستقبل المواطن المغربي، أي إيجاد نموذج تنموي يضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والبيئية للمواطنين .

فالرهان الأساسي هو تحقيق رفاهية العنصر البشري الذي يعتبر أهم معيار يميز الدول الديمقراطية والسائرة في طريق النمو .

وهكذا، فخلاصة الأسئلة الحارقة التي ينبغي أن تستأثر بالاهتمام هي التي تتعلق بمدى نجاعة السياسات العمومية في تحقيق الديمقراطية الحقة والتماسك الاجتماعي، وبضمان الاستقرار السياسي والأمن المجتمعي وتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال مداخل أساسية منها القضاء على الربع وتكريس الشفافية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. فهذا هو ما يهم المواطن المغربي في المقام الأول عوض صرف نظره تجاه نقاشات ثانوية لا ترقى إلى هذه الإشكالات المصيرية.

- علي رشيدي، أستاذ باحث بجامعة مولاي اسماعيل مكناس