نحن المغاربة نجيد استثمار المقولات الشعبية والأمثال بشكل سلبي في غالب الأحايين. مثلا : "إذا عمت هانت" و"ضع رأسك وسط الرؤوس". "إذا مرَّ السيف من وسط الأعناق .. قطف الرؤوس كلها وإذا بقي في غمده نجا صاحب الرأس مع الناجين". الأمثال لها أثر سحري لدى أغلب الناس في تدبير الأمور الحياتية وتأسيس المواقف المرتبطة بالوعي الجماهيري، خصوصا مع تفشي الجهل والأمية، اللذان ينتجان القراءة السطحية للأمثال والأقوال، التي تحث على التواكل وتعليق المسؤولية على "الشماعات"، وانتظار الذي يأتي أو لا يأتي والركون إلى التسليم بواقع بئيس يمكن أن يتغير للأحسن بالمبادرات الجادة والمسؤولة، بعيدا عن البؤس و"وقعت الفأس في الرأس" وانطلاقا من ثقافة الالتزام بالحقوق والواجبات في شتى مناحي الحياة ومن كل الأطراف، التي تؤسس مجتمعا واعيا يحترم نفسه ومواطنيه ومؤسساته احتراما مُتبادلا.
الأمثال والمقولات في التأليف تتطلب تطويع اللغة وفي القراءة تستوجب حسن التقاط المغزى. ولعل المثال على ذلك المقولة أو المثل الصيني: "لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها". فقد يصبح هذا المثال عندنا : "علمني كيف أصطاد السمك ولا تنسى أن تملأ جرابي أسماكا سمينة بعد نهاية الدرس". غالبا ما تسمع في بلادنا : "فلان تتماطل الإدارة في تحقيق مطالبه المشروعة" فيكون الجواب : "ماشي غير هو". فلان طرده الباطرون تعسفا ولم تنصفه مندوبية الشغل والنقابة والمحكمة" الجواب : "ماشي غير هو". القاعدة تسقط الاستثناء في الذاكرة الجماعية وحتى في الأمثال الشعبية، والقاعدة عندنا هو أن يخرج المواطن خاوي الوفاض عند مطالبته بحقوقه. والاستثناء عندنا هو أن يحصل المواطن على حقوقه بشكل عادي دون طلوع وهبوط بين دهاليز الإدارة والمحكمة.
فلان اشترى أرضا، ونصبت عليه "مافيا العقار" وضاعت الأرض وجلس ينذب حظه العاثر. الرد : "ماشي غير هو". فلان اشترى شقة اقتصادية ووجدها مشقوقة وبدأت جدرانها تتهاوى عليه وعلى أبناءه، راسل المسكين الشركة وراسل العمالة وراسل الوزارة ورفع شكاية للمحكمة ولا زال يدور بين الإدارات دون أن يجد حلا منصفا. الجواب : "ماشي غير هو". فلان تعرض لحادثة سير ورفع دعوى التعويض للمحكمة ولم يحصل منذ 10 سنوات على فلس واحد. ضاع العمل وضاعت الصحة وضاعت الأسرة : "ماشي غير هو". فلان تعرض لاعتداء من أجل السرقة وبلغ الشرطة أو الدرك، ضاعت ممتلكاته وأصيب إصابة بليغة ولا زال الجاني يخيط الشوارع باحثا عن ضحايا آخرين: "ماشي غير هو".
فلان المظلوم عرض تظلمه على الجهات المسؤولة وفي ظرف 3 أيام تمَّ إنصافه ورجع الحق لصاحبه. الجواب : وايلي مايمكنش؟ غير معقول !!. "يا كما عندو علاقات"، أو "قدم الرشوة". لابد أن في الأمر سرا. يبدو أن الظالم رجلا من الأخيار "يخاف الله". هذا المظلوم محظوظ "الزهر عندو كايهرس لحجر" والحجر هنا مرتبط بلازمة "ماشي غير هو"..
عندما يخالف مواطن بسيط القانون ويتم عرضه على ضباط المحاضر، قد يجيبهم في التحقيق "ماشي غير أنا"، في محاولة منه للنجاة بحجة أن العديد من الناس يقومون بالفعل الذي أوصله بين يد الشرطة أو الدرك. حينها لا يجيب رجال الأمن : "ماشي غير هو" بل يصرخون في وجهه : (نبداو بيك أنت ونشوفو لخرين من بعد).. لنبدأ بك ونؤجل النظر في ملف الآخرين حتى يحين وقتهم .. لا "زربة على صْلاحْ". حتى رجال الأمن يستعملون الأمثال في تعاملهم مع مهمة استتباب الأمن .. "ماشي غير هوما"..