من الواضح أن القرار المتعلق بتفويض وزير الفلاحة تدبير صندوق التنمية القروية، أمامه مستقبل برلماني، قد تقنع فيه أصوات الفريق القوي لحزب رئيس الحكومة الآخرين بالتصويت ضده، وبالتالي إسقاط المادة 30 من مشروع قانون المالية. وهي إمكانية تعطي الموضوع حجمه، لكن لن تحجم الخلاف الذي بدأ ومحوره الثقة.
وقد كان عزيز أخنوش على حق، عندما وضعها في صلب التعامل بينه وبين رئيسه في خرجة لإعطاء وجهة نظره في الموضوع.
فحتى ولو كان بعض السياسيين، ويكثر عددهم بهذا القدر أو ذاك حسب المواقع والفترات، يعتبرون الثقة عنوانا بارزا للبلادة، أو دليلا على نقص في الذكاء السياسي، فإن الثابت في تاريخ السياسة أن الثقة أساسية، والذين لا يستطيعون بناء الثقة، لا يستطيعون بناء الدول!
لا بد من الحد الأدنى من الثقة، لكي تصبح السياسة ممكنة، وإلا فإن الكلمة الأخيرة، ستكون للأكثر قدرة على الخديعة.
في السياق الذي نتحدث عنه، يكون تأويل فصل من فصول الدستور،باعتباره الضامن للعلاقات بين الفرقاء السياسيين في حكومة واحدة بابا للخلاف، لكن النصوص الواضحة، تستدعي تفكيرا مشتركا فيها.
الفصل98 في الدستور، يقول «تمارس الحكومة السلطة التنفيذية. تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية».
غير أنه من باب الإنصاف، لا يمكن أن نغفل النقاش الذي سبق وأن دار في سنة 2012، أمام البرلمان بخصوص صندوق التنمية القروية ذاتها.
وقتها، تقدم أخنوش ليعرض خطة الحكومة، لمواجهة آثار الجفاف. ومن تفاصيل اللقاء الذي دار، أن الحكومة قررت رفع الميزانية المخصصة لوزارة الفلاحة برسم سنة 2012، حيث تصل الزيادة المقررة للتسيير إلى نسبة 10 بالمئة، والزيادة المخصصة للاستثمار ل13 بالمئة.
وقال عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، خلال اجتماع خصص،بمقر البرلمان، لمناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الفلاحة والصيد البحري، إن «آلية صندوق التنمية القروية، ستسهر رئاسة الحكومة على تمويله، فيما توكل مهمة تدبيره إلى وزارة الفلاحة والصيد البحري» (المصدر بيان اليوم لنفس السنة والعدد)..
الفصل الدستوري الوارد أعلاه، بتوقيعات رئيس الحكومة واضح، ويجب احترامه. وأول من يجب أن يحرص عليه، هو رئيسه نفسه.
بعيدا منه وعنه هناك الثقة، والشراكة السياسية في تدبير البرنامج الحكومي..
والثقة، هي الأساس والسياسي.. وقريبا منه، نقول إنه «لست خِِِِِِبّا ولا الخِبُّ يخدعني» على حد قول الفاروق بن الخطاب.
والأستاذ بنكيران، لا يمكن أن ينسى أنه هو الذي يضع رسالة التأطير لقانون المالية، بعد أن يكون قد اطلع على تفاصيل المشروع، وهو بذلك ملزم أن يعرف المضامين والقرارات، وبالتالي فلا يعذر رئيس بجهله.. للقانون المالي!
وإذا أمكن الاتفاق على الصيغة التي وردت في 2012، كما كانت الوزارة هي المشرفة في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي (1999) مع صندوق مواجهة آثارالجفاف، فما الذي أعطى الطابع الدراماتيكي للقضية الآن؟.
يحضرني استشهاد، قد يبدو بعيدا عن الموضوع، لكن لا بأس من الاستئناس به في النازلة كما يقول الفقهاء.
قال ريمي لوفو في «الفلاح المغربي مدافعا عن العرش»: «إن أي مسؤول، قد يعقد تحالفا جديدا مع العالم القروي، إنما سيضمن لنفسه السيطرة على النظام السياسي المغربي في شموليته».
و يضيف أن «ضبط العالم القروي والتحكم فيه، هو بمثابة عامل للاستقرار».. وقد سبق أن تعاملت الدولة المغربية، والسلطان بالأساس، «بالتغاضى عن تقويض السلطة السياسية لدى الأعيان، إلا أنه كبح كل ما من شأنه أن ينال من وضعيتهم الاقتصادية»…، ولربما يعتقد بعض منظري الحزب القوي - وهذا من صميم حقهم السياسي والنظري- أن «من شأن الاقتراع العام، أن يحدث على أرض الواقع شرعية جديدة، يمكن أن تكون لها قيمتها التنافسية، لما تحقق في الفضاء الحضري، في الوقت الذي تسعى فيه قوى أخرى لتجريد نتائج الانتخابات من طابعها السياسي»، في الجانب المتعلق بالتنظيم القروي للسياسة….
وهو مقطع هنا، للاستئناس حقا عن امكانية أن يكون الصراع في جوهره صراعا في أعالي الدولة، أكثر مما هو صراع قانوني صرف، بدون عمق انتخابي وسياسي كبير..
الموضوع الثاني، الذي تدور فيه معركة في أعالي الدولة، هو قضية ما ورد في تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان، فيما يخص الإرث.
وبالرغم من أنه يبدو -ظاهريا- موضوعا للاصطفاف المدني والسياسي في المجتمع، فإن المقاربة ذاتَها، من حيث التأطيرُ القانوني والسياسي، تكشف عن عمقِ في الصراع، يتجاوز التدبير الإعلامي اليومي..
غدا : الإرث، كيف يكون محكا بين الدولة والمجتمع.