الاثنين 25 نوفمبر 2024
فن وثقافة

مغربيات حفل بهن التاريخ: سارة الحلبية الفاسية

مغربيات حفل بهن التاريخ: سارة الحلبية الفاسية

هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني.

ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا.

- سارة الحلبية الفاسية: الأستاذة المبدعة

أستاذة، أديبة، شاعرة، لها محاورات شعرية مع فطاحل الشعر المغربي في عصرها... تلك هي سارة الحلبية الفاسية.

عرفت سارة بنت أحمد بن عثمان بن الصلاح الحلبية مولدا، المغربية دارا، الفاسية مماتا، بكونها، حسب الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله، "أستاذة شاعرة من طبقة عالية في الأدب... ".

فقد عاصرت سارة ابنة أحمد "أعلاما من ذوي شهرة وجاه عريضين كلهم من أقطاب العلم أو فرسان الآداب مثل مالك بن المرحل (ت سنة 699ھ)، وابن الرشيد الفهري السبتي (توفي بفاس سنة 721ھ) وغيرهما من الأعلام"، يقول الأستاذ محمد العربي الخطابي، مما جعل منها علما فكريا تشد الرحال للأخذ عنه.

وإذ لم تسعفنا المصادر التاريخية في معرفة من أخذوا عن سارة الحلبية الفاسية، فيكفيها فخرا أنها «أجازت عبد الله بن سلمون (الكتاني)»، يقول مؤلف معطيات الحضارة المغربية، مؤلف "العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام" والمتوفى سنة 767ھ، بالإضافة إلى مساهمتها في ضروب من النشاط الفكري الذي عرفه المغرب خلال الفترة التي عرفت تجاذب الصراع الموحدي المريني.

لم يكن الأدب هو العقد الوحيد الذي رصعت به سارة الحلبية الفاسية مسار حياتها كمغربية حفل بها التاريخ المغربي، بل توجته بما كانت تجود به قريحتها كشاعرة مبدعة ينساب الشعر من ثغرها الزاهي انسياب البلسم.

لم يكن الشعر بالنسبة لسارة ابنة أحمد الحلبي، ترفا ولا معصما تشد به مقامها أمام من تنتمي إليهم من عالية القوم في الأدب، فقد قد كان بالنسبة إليها مبتغى ومرمى، فطالب العلم كما يقول العالم الموسوعي محمد التهامي الحمري «ينبغي أن لا يخلي نفسه من تعلم الشعر لما قيل إن الشعر ديوان العرب، وترجمان الأدب، يرغب في اكتساب المكارم وحمل العظائم...» وقال بعض السلف يضيف مؤلف الخل المواطي... "تعلموا الشعر فإن فيه محاسن تنتقى ومساوئ تتقى، وقال عبد الملك: علموا أولادكم الشعر فإنه ديوان العرب، وترجمان الأدب، يحشد النفوس الجليلة، ويرغبها في اكتساب كل فضيلة...".

توجت سارة الحلبية مسارها بفضائل كثيرة بما أجادت به قريحتها من مدح في حق صفية العزفية من بيت العزفيين ولاة سبة، إذ قالت في حقها:

"ومن مثل ذات العلم والحلم والنهى/ لقد سار سير الشمس معجزها الأرقى

لقد سار سير الشمس فخر صفية/ ونور إكبارا لها الغرب والشرقـــــــــــا"

لم تكن محاورات سارة الحلبية الفاسية لشعراء عصرها سوى ترجمة لما عرف عنها ك «أستاذة أديبة شاعرة من طبقة عالية في الأدب»، يقول الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله، عرفت بنبل علو قدرها، وسمو أخلاقها، وحظيت بتقدير أعلام الفكر والعلم في عصرها.

فقد قالت في حق ابن رشيد السبتي:

"وافى قريض منكم قد غدا/ لبعض أوصافكم ذاكرا

يا بن رشيد يا أخا الرشد يا/ من لم يزل طي العلا ناشرا

خذها فدتك النفس يا سيدي/ وكن لمن نظمها عاذرا

لم تستطع أنثى بتقصيرها/ بأن تجاري ذكرا ماهرا

لا زلت تحيى من رسوم العلا/ ما كان منها عافيا داثرا"...

تعفف وتواضع سارة الحلبية أمام ابن رشيد، زاده توهجا مدحها لابن المرحل أحد أعظم شعراء بني مرين الخبير بمواضيع النقد في الشعر والمبدع في ضروب الشعر كلها.

يحتضن أحد قبور فاس، عاصمة ملك العديد من الدول التي حكمت المغرب، جثمان سارة، ويبقى أدبها وشعرها يصنفانها من ضمن فطاحل عصرها أدبا وشعرا.