السبت 16 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: الجالية… هنا وهناك

عبد الرفيع حمضي: الجالية… هنا وهناك عبد الرفيع حمضي
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة بعد الخطاب الملكي ليوم 6 نونبر 2024، بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، والذي أفرد جزءاً مهماً منه لهندسة البناء المؤسساتي للجالية المغربية المقيمة بالخارج. وقد نوهت الجالية وابتهجت بما تضمنه الخطاب من قرارات واضحة ومحددة زمنياً. ولعل هذا ما ميّزه عن خطب سابقة كانت تتعلق أساساً بالتوجيهات العامة، مع دعوة واضحة للفاعل العمومي لتقديم مقترحات دقيقة وعملية تأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد للجالية، كما حدث في الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2022.

إنها مقاربة ملكية هادئة ومتأنية لمجال جدّ متحرك بشرياً، من حيث النوع genre والأجيال، générations وهو مجال يتداخل فيه حب الوطن العميق مع إكراهات الحياة اليومية في بلدان الإقامة. مجال يتسم بتعدد قضاياه إلى حد يجعله بحاجة إلى حكومة متكاملة ومنسجمة خاصة به لتدبير شؤونه.

فعلى المستوى العددي، تجاوز عدد أفراد الجالية المغربية بالخارج ستة ملايين، وهو رقم يجعلها أكبر من تسعين دولة عضو بالأمم المتحدة من حيث عدد السكان. أما من حيث تنوع قضاياها، فإن مغاربة العالم يشكلون مجتمعاً متعدد الجوانب والمكونات. وللتعليم والثقافة والدين نصيب، كما للمشاركة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية نصيب آخر، مروراً بالحالة المدنية، والزواج والطلاق، والمحافظة العقارية، والمحاكم، وغيرها.

ولهذا، فإن الأمر الملكي بالإسراع بإخراج القانون الخاص بمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية، وآخر المؤسسات التي لا تزال وضعيتها غير ملائمة مع دستور 2011، يُعد تصحيحاً لوضع مؤسساتي طال أمده، إذ تجاوز سبعة عشر عاماً عمل خلالها المجلس كبنية إدارية وليس كهيئة استشارية تداولية. ومع ذلك، لم يمنع هذا الوضع المجلس من المساهمة في تنشيط قضايا الجالية ومناقشتها ثقافياً وعلمياً. فقد أنتج المجلس العديد من الوثائق والدراسات في مجالات متعددة، وعمل على المواكبة والتعريف بالعديد من الكفاءات والمبدعين المغاربة بالخارج، ونظم العشرات من المنتديات الدراسية الدولية الهامة، وكان حاضراً باستمرار في تعبئة أفراد الجالية المغربية في عدة محطات، خصوصاً كلما تعرضت قضية وحدتنا الترابية لتحديات أو مناورات، سواء من طرف الخصوم أو الأصدقاء.

ولكن، رغم هذه الحصيلة الإيجابية لأنشطة المجلس، فإن ما حد من تأثيره في السياسات العمومية هو عمله واشتغاله كإدارة موازية وليس كمؤسسة تعددية تفاعلية.

أما إحداث المؤسسة المحمدية السامية للجالية المغربية المقيمة بالخارج كجهاز عمومي تتقاطع فيه كل المهام الأفقية الخاصة بمغاربة العالم، فهو أمل معقود عليه لنقل العمل، -سواء في بعده الاستراتيجي أو تدبيره اليومي لقضايا الجالية- إلى مستوى السياسة العمومية المندمجة، عوضاً عن المقاربة الأحادية والمبادرات المعزولة والمترددة التي لا تؤطرها رؤية بعيدة أو متوسطة المدى.

يبقى السؤال: هل يكفي ذلك لإحداث الرجة الكبرى والتحول المنتظر إذا لم تحدث قفزة مماثلة على مستوى الجالية نفسها افرادا وجماعات وخاصة نخبها النشيطة في المجتمع المدني ؟

فإذا كانت الوداديات قد قامت بمهامها التي أُنشئت من أجلها في بداية السبعينات لمواكبة الجيل الأول من العمال المغاربة بالخارج.

فقد شهدنا بعد ذلك تأسيس أشكال جديدة من الجمعيات والمنظمات المدنية التي قادها الجيل الثاني من الجالية المغربية المقيمة بالخارج. هذه الجمعيات لعبت أدواراً هامة، حيث ساهمت في التنمية المحلية من خلال عدد من المبادرات التنموية بالمناطق القروية النائية، مثل فك العزلة عنها، وتزويدها بالماء الصالح للشرب، أو كهربتها، أو توفير بعض التجهيزات الأساسية، بما في ذلك بناء المدارس وتوفير تجهيزات صحية.

واليوم، نحن أمام الجيل الثالث من أشكال العمل المدني في أوساط مغاربة العالم، من خلال تكتلات الكفاءات المغربية بالخارج، ومساهمتها في نقل التجارب الناجحة والمعارف المتطورة، وكذلك من خلال الترافع اليومي حول القضايا الكبرى التي تهم بلادنا وقد تجاوز عددها الان 3000 منظمة مدنية غير حكومية في بقاع العالم .

لكن لا بد من الإقرار بأن نسيجنا المدني بالخارج لا يزال، في غالبيته، هاوياً ويحتاج، على مستوى الشكل، إلى تجديد هياكله، وتقديم نخب جديدة، وشفافية في التدبير، مع توسيع مجال التأطير حتى يتمكن من استيعاب الكم والكيف، والتحول النوعي الذي يعرفه مغاربة العالم.

أما على مستوى جوهر ومضمون عمل نسيجنا المدني بالخارج، فإن القضايا الراهنة والمستقبلية تقتضي ابتكار أساليب جديدة للتدخل والعمل.

وفي الختام، إذا كان التحول المؤسساتي قد انطلق هنا بالخطاب الملكي السامي، فإنني على يقين رجة هناك للمجتمع المدني المؤطر لمغاربة العالم، آتية لا ريب فيها. فالتاريخ يشهد على ذلك.