في عهد الاستعمار حرص الجنيرال ليوطي على حشر المناطق الجبلية في تراب المغرب غير النافع، لأن خطته القاضية بربط المغرب والجزائر انهارت بسبب شراسة المقاومة التي واجهها من طرف المقاومين المتمترسين وراء سلسلة الأطلس. وهو ما يفسر سياسة الاستعمار التي كانت تقوم على الانتقام من الشريط الجبلي وتركه يموت جوعا وفقرا.
في عهد الاستقلال، ستؤدي مدن وقرى الشريط الجبلي ضريبة انشغال المغرب الحديث بالواجهة الأطلسية، خاصة على مستوى محور القنيطرة، آسفي. إذ في الوقت الذي كانت الطرق تشق نحو الجنوب أو الشمال، كان المغرب يدير الظهر للأطلس وللريف. وفي العقدين الأخيرين تركز الاهتمام الرسمي على ثلاثة أبواب: الباب الجزائري والباب الأوربي ثم الباب الصحراوي، فيما تم إهمال أبواب الأطلس (المتوسط والكبير والصغير).
الأبواب الثلاثة
فالباب الجزائري شهد اهتماما ترجمه تنقلات الملك المتتالية إلى وجدة، حيث زار محمد السادس المنطقة الشرقية أكثر من 15 مرة، وهي الزيارات التي تكون مصحوبة دائما بالإعلان عن مشاريع مهيكلة (أوطوروت، طرق، سكك حديدية، ميناء، محطة حرارية، محطات جوية، تأهيل حضري إلخ…)، ترصد لها الملايير من الخزينة العامة. وهذا الاهتمام يمكن تفسيره بالإيمان الراسخ بأن لا جدوى من رهن مستقبل الجهة الشرقية بفتح الحدود مع الجزائر، حيث تولدت قناعة لدى السلطات بأن وجدة والمنطقة الشرقية، مطالبة بالنمو دون الارتكاز على الاقتصاد الحدودي، خاصة أن المعطى الثابت في علاقة المغرب ودولة العصابة، هو الحدود المغلوقة والاستثناء هو الحدود المفتوحة.
أما اهتمام المغرب الرسمي بالباب الأوربي فلا يحتاج إلى توضيح، حيث تحول الشريط الشمالي (تطوان طنجة) إلى شبه شريط الحكم الحقيقي (بدل الرباط)، بالنظر إلى رمزية اختيار شمال المغرب لاحتضان أعياد العرش من جهة وأعياد الولاء وأداء الضباط للقسم من جهة ثانية. وتم رد الاعتبار لمنطقة الشمال التي كانت بدورها مهمشة في الماضي، بدليل أن عدة أوراش ضخمة تم إطلاقها في العقدين الماضيين (ميناء طنجة ميد، الأوطوروت، المدار المتوسطي، قطار البراق، مارينا طنجة، المناطق الصناعية أوفشور، التأهيل السياحي، المنافذ والمدارات الطرقية المهيكلة، إلخ…).
أما الباب الصحراوي، فلا حاجة لنا لإبراز رهان ملف الصحراء الذي يعد شرط وجود للمغرب، مما يفسر المجهود العمومي اللافت الذي تحظى به الاستثمارات بالأقاليم الجنوبية وما أفرزته من مشاريع مهيكلة مهمة (ميناء الداخلة الأطلسي، الطريق السريع تيزنيت، الداخلة، المركب الصناعي الكيماوي للفوسفاط، المحطات الطاقية النظيفة، مركز جامعي، إلخ…).
في انتظار الباب الرابع
إذا كان اهتمام المغرب بهذه الأبواب له مبرراته، فإن ذلك لا يشفع للسلطات العمومية في تقصيرها وتأجيلها ملف تنمية الشريط الجبلي. إذ ظل المغرب الرسمي يتوجس من حاجز (Barriere) سلسلة الأطلس، رغم أن المناطق الجبلية هي صهريج المغرب الذي يمده بعناصر الحياة.. ونقصد بذلك الماء.
أليس من الجحود أن نشرب من منابع الجبل ونبصق في وجه سكانه؟ لنفترض أن سكان الجبال قادوا مسيرة احتجاجية حاشدة لسد هذه المنابيع وإيقاف تدفق المياه من عيون وادي سوس ودرعة وتانسيفت وأم الربيع وزيز وملوية وغريس وسبو، ترى هل يمكن توقع ما سيترتب عن ذلك؟
فمن غير الإنصاف أن لا يضع المغرب الرسمي حاجز سلسلة الأطلس ( la Barrière de l'atlas) في سلم الأولويات. فإذا كان شمال المغرب هو "رأس البلاد"، كما يحلو للسلطات أن تقول، وإذا كانت الصحراء هي أطراف المغرب التي يقف عليها، فإن الأطلس المتوسط والكبير والصغير هو "قلب البلاد". وكل إهمال للقلب تنتج عنه "سكتة ترابية" و"سكتة مجالية" و"سكتة تنموية".
فقلب المغرب ظل دوما يمدنا بالماء، وحان الوقت لنمده بالدماء ليعاد ضخها في رأس المغرب و«أطرافه». ولن يتحقق ذلك إلا إذا استغل المغرب الرسمي، فاجعة زلزال الحوز، وحولها إلى فرصة للإقلاع التنموي والإعلان عن ورش ضخم يتجلى في ربط الحسيمة وأسا بطريق سيار عبر تاونات وفاس وخنيفرة والحوز وورزازات (أي تكسير حاجز الريف وحاجز الأطلس). وإذا تحقق هذا المشروع آنذاك سيحق لأي مغربي أن يفتخر بتطويع الطبيعة والمجال، لأن الأوطوروت ستلاقي الجبال الأربعة الريف والأطلس المتوسط والصغير والكبير. وهو أجمل مدار سياحي ببلادنا لا يقدر قيمته إلا من أتيحت له فرصة الاستماع بروعة مناظره، وآنذاك سيعتز كل مغربي بتبرئة الذمة اتجاه التحقير الذي ظل سكان الجبال يعانونه منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم.