الخميس 13 مارس 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: فصل الصيف واحتلال الشواطئ بالعنف

إدريس الأندلسي: فصل الصيف واحتلال الشواطئ بالعنف إدريس الأندلسي
أصبح احتلال الشواطئ بالعنف وليس بالقانون عادة متواترة ومستمرة بفضل العضلات والسب والاعتداء على الكثير ممن يحلمون بقضاء يوم جميل على رمالنا الجميلة. بلادنا الجميلة تحتاج إلى تفعيل القانون وليس إلى إنتاجه فقط. قوانينا جميلة وكثيرة ونصوصها التطبيقية هي أيضا جميلة رغم سوء صياغتها في الكثير من الحالات، ولكنها تصطدم مع حائط برليني حين يتعلق الأمر بتطبيقها. الاستيلاء على الملك العام وما تقوم به مافيا العقار للاعتداء على أملاك المواطنين يبين الهوة الكبيرة بين القوانين وتطبيقها.
من شواطئنا  الجميلة يبدأ خبث بشري مدعوم، في الكثير من الأحيان، من طرف سلطات ترابية وأخرى منتخبة.
الأمر ليس خاصا بالمغرب وحتى فرنسا تعرف شواطئها ممارسات في مجال الاستيلاء على الشاطىء، لكن قوة المجتمع المدني ودور المجالس المنتخبة غالبا ما يعيد الوضع إلى الطريق السليم. وقد راقتني مبادرة بلدية شاطئية قريبة من مونوبولي حين خصصت مساحات قريبة لركن السيارات بالمجان ورفض دخلا يفوق مليون يورو لتمكين ذوي المداخيل الصغرى من الاستمتاع دون دفع 10 يورو مقابل ساعات بالقرب من الشاطىء. يحصل هذا في الوقت الذي يسيطر فيه أصحاب السترة الصفراء على شوارع بلادنا. ولا زالت الوضعية على ما هي عليه. تقتصر تدخلات السلطات على حملات دون أثر على حماية المواطنين أمام سلوكات تصل، في بعض الأحيان، إلى حد الإيذاء الجسدي لمجرد رفض أداء اتاوة غير  قانونية. 
تدبير الأمور ذات الطابع العمومي تحتاج إلى الكثير من التفكير الموضوعي والمبتكر وغير المرتبط بالمصالح الخاصة. نعم هناك ضرورة قصوى لخلق مناصب الشغل الموسمية، وموسم الصيف يمكن أن يصبح فترة لتنظيم أنشطة مذرة للدخل في الشواطئ. يمكن للجماعات الترابية أن تؤطر أنشطة اقتصادية مع فتح أبواب الإستفادة أمام الشباب.
الأمر لا يتطلب استثمارات كبيرة و لكن مبادرات ذات بعد اجتماعي. يمكن للمجالس أن تمول  مشاريع تجهيز جزء من الشاطىء بتجهيزات وتحدد أسعار مناسبة لاستفادة الأسر منها. الأمر يمكن أن يشمل الترخيص لفتح مطاعم بالقرب من الشواطئ حسب معايير تراعي مقاييس النظافة وحماية المستهلك والبيئة. والأهم في كل هذا هو الضرب بيد من حديد على مجرمي تضارب المصالح. تدبير الشاطىء في بلدنا يعيش على المتناقضات. هناك جماعات ترابية بلغت مرتبة الجودة في تدبير عقلاني وموجه لخدمة المواطن أولا. وبالمقابل هناك فوضى الاستيلاء على الملك العام. ما يقع في شواطئ شمال المغرب يجب أن يؤرق الإدارة الترابية وكل السلطات.
هل يوجد وعي يمكن من قراءة مستقبلية لردود الأفعال في مستقبل قد يكون قريبا. هناك شعور بالظلم و ب" الحكرة" قد يتحول إلى تغييب الثقة في المؤسسات الترابية. وهذا الأمر في طريقه إلى أن يصبح واقعا معاشا وقد أصبح بالفعل، وفي يومنا هذا، جزءا من واقعنا. 
الولوج إلى الشاطىء في ظروف حسنة وغير مكلفة يعكس مستوى تدبير الجماعات الترابية. كثيرة هي الشواطئ التي تتم السيطرة عليها بإرادة وبمشاركة غير بريئة من طرف عضو نافذ في مجلس ترابي. ولكن الجماعة لا تستفيد من أي دخل يذكر مقابل اغتناء ذلك العضو النافذ. وهذا الأخير يدافع عن  مصالحه بمساومات حين يتعلق الأمر بالتصويت على الميزانية والتصويت على استمرار الرئيس والتصويت على التصميم العمراني والتصويت على تفويت الصفقات والتصويت على خلق مناصب الشغل المحلية. هكذا أصبحت مجالسنا الترابية عبئا  على الوطن. ومن وراء هذا العبىء أحزاب لا تشعر بالطمأنينة السياساوية إلا في حضور ما يسمى بذوي القدرة على تعبئة المصوتين ولو كانوا من أصحاب السمعة السيئة، ولو ارتبط اسمهم من بمخدرات و جرائم وتضارب مصالح. المهم بالنسبة للكثير من الأحزاب والنقابات هو حجم الحضور في المؤسسات  وليس في نوعية من يمثلونها. 
يحتاج بلدنا إلى ما سماه الراحل ومؤسس حزب الشورى والاستقلال ب" الهزة النفسية". هذه الهزة تحتاج إلى انتفاضات على كل المستويات  والمؤسسات. هزة تعزل ممارسة السياسة عن السماسرة والمنتفعين وتجار المخدرات وكافة المجرمين وكافة من اغتنوا بمجرد دخولهم إلى  سوق "السياسة". نعم بلدنا يطور أداء كثير من القطاعات الإقتصادية ولهذا يجب دعم من يريد أن يستثمر ويخلق القيمة المضافة التي سترفع من حجم الناتج الداخلي الإجمالي وتنعش سوق الشغل.  بلدنا تسكنه قوى الإبداع والمواطنة والوفاء للعهد، ولكن المفسدين لا زالوا يعيثون في الأرض فسادا.  الشاطىء للمغاربة حق من حقوق الإنسان وهو  مجرد جزء من قضية كبرى إسمها ضرورة تحقيق العدالة الإجتماعية والمجالية. الأمر يتطلب تدخلا حازما للسلطات لكي لا يتطور الأمر إلى ما لاتحمد عقباه. مافيا الشواطئ قد تطور آليات تسلطها لتنفذ إلى مجالات أخرى وتعمق انتقال العدوى التي سيصعب التعامل معها بغير العنف المشروع والذي ينظمه القانون.