السبت 8 فبراير 2025
مجتمع

بنمالك: برنامج "مصالحة" أداة فعالة لبناء الثقة بين الدولة ومعتقلي التيارات السلفية

بنمالك: برنامج "مصالحة" أداة فعالة لبناء الثقة بين الدولة ومعتقلي التيارات السلفية نور الدين بنمالك

في هذا الحوار مع الباحث نور الدين بنمالك، يناقش برنامج "مصالحة" الذي تشرف عليه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والذي يستهدف معتقلي الإرهاب والتطرف، معتبرا إياه أداة فعالة لبناء الثقة بين الدولة ومعتقلي التيارات السلفية.

يدخل برنامج "مصالحة" دورته 12 مسفرا عن استفادة حوالي 280 معتقلا من بينهم معتقلات في قضايا الإرهاب والتطرف، استفاد حوالي 66 في المئة من العفو الملكي، ما قراءتك للحصيلة؟

أعتقد أن استمرار هذا المسلسل الذي بدأ سنة 2017، يؤشر على أن الدولة المغربية جادة في رغبتها إنهاء ملف شائك، يتداخل فيه ما هو ديني بما هو اجتماعي، وما هو محلي بما هو دولي وإقليمي. لقد كان الهدف المعلن لبرنامج المصالحة هو تأطير السجناء الذين أدينوا في قضايا الإرهاب، والعمل -بمساهمة عدد من الشركاء-على تأهيلهم نفسيا وفكريا وسلوكيا للتعامل بطريقة سليمة مع المجتمع وتياراته، والدولة مؤسساتها بما يسمح لهم بالاندماج الكامل والفعال.

عند انطلاق برنامج "مصالحة" قبل ست سنوات، ظهر هناك توجس لدى كثير من معتقلي التيارات السلفية المسجونين على ذمة عدة قضايا، من أن الدولة غير جادة في عرضها، وأنها تستهدف التسويق السياسي والإعلامي أكثر من حلحلة ملفاتهم العالقة، لكن توالي دورات هذا البرنامج، ووجود أمثلة حية لحالات سجناء سابقين تم إدماجهم في عدة مؤسسات منها الرابطة المحمدية للعلماء، أزال التوجس الذي رافق البداية، وهو ما يفسر استمرار ثقة السجناء في هذا المسلسل، إلى أن وصل كما أشرتم إلى دورته الثانية عشر.

تجارب من هذا النوع سبق أن عرفتها بعض الدول كما سبق أن حصل في المملكة السعودية وجمهورية مصر، ضمن ما يسمى "مراجعات"، فيم يتميز النموذج المغربي؟

تتميز التجربة المغربية كما سبق أن أشرت في عنصر الاستمرارية وهو ما يلقي عليها طابع المصداقية، فالسياق السياسي المحلي والدولي لا يلقي على الدولة أي عبء يذكر للاستمرار في هذا الاتجاه، نتيجة انحصار الحضور السياسي لإسلاميي المغرب، ودخول إسلاميو المنطقة العربية في مرحلة انكماش ملحوظ. ومع كل هذا استمرت الدولة في التعامل بكثير من المهنية في دورات النقاش والتكوين والتأهيل مع سجناء التيارات السلفية المعتقلين في السجون المغربية.

ثاني عنصر يميز التجربة المغربية يتعلق بأن برنامج "مصالحة" اتخذ طابعا أفقيا يستهدف جميع المعتقلين، في حين أن التجربتين السعودية والمصرية كانت تستهدف الشيوخ وقادة التيارات المتشددة، لقد رأينا كيف أن جل الذين استفادوا من برنامج "مصالحة" وتمتعوا بحريتهم وغادروا السجناء، كانوا أفرادا عاديين في هذه التيارات ولم يكونوا من قادة الصفوف الأولى أو من المشايخ كما يحب رموز التيار السلفي أن يوصفوا.

البعض يتحدث عن عما يعرف بالتقية في استفادة المعنيين بهذا البرنامج، أي أن هؤلاء يظهرون شكليا التجاوب مع البرنامج لمغادرة السجون؟

هذا التشكيك يقابله ما سبق أن أشرت إليه من توجس لدى هؤلاء الشباب من أن الدولة غير صادقة في المصالحة وأنها تسعى فقط للتوظيف السياسي والتسويق الإعلامي لهذا الملف، لذلك أرى أنه من الأفضل عدم فتح هذا الباب والحرص على بناء الثقة بين الطرفين وفتح الباب فعلا للمصالحة والمراجعة والإيمان بجدوى العيش المشترك، وأهمية السلم الاجتماعي كسبيل وحيد مع فتح الباب للاختلاف الفكري والتدافع السياسي الذي يغني ويساهم في تقدم المجتمع.

أمام هذه المصالحة يلاحظ أن الخطاب التكفيري مازال يغري العديد للانخراط في الجماعات المسلحة، ما السبب في نظرك؟

التطرف مثل الاعتدال، ضارب جذوره في التاريخ منذ قصة ابني آدم قابيل وهابيل، وبالتالي ستوجد دائما فئة يستهويها الخطاب التكفيري، والتطرف العنيف، لكن ما هو غير طبيعي أن يساهم المجتمع أو الدولة في توفير مناخ لنمو مضطرد لهذه الأفكار أو هذه التيارات، المطلوب في مغرب اليوم أن توجد أدوات تأطير وتأهيل يجد معها الشباب أن الاعتدال والتعايش والقبول بالاختلاف سيكون أكثر فعالية من أي تطرف أو عنف، وإذا ذهبنا إلى علوم الاقتصاد والتسيير اليوم نجد أن النظريات العلمية الحديثة تتحدث عن كلفة الجودة وكلفة اللاجودة، فوجدوا أن كلفة اللاجودة أكثر بكثير من كلفة الجودة، فأي مشروع اقتصادي يحترم معايير الجودة في المنتوج والموارد البشرية والتسويق سيصل إلى الأهداف المرجوة بكلفة أقل من مشروع آخر لا يحترم هذه المعايير. يمكن إسقاط ذات المقارنة على موضوع التطرف والتطرف العنيف، يجب أن نصل بشبابنا إلى أن كلفة التطرف للوصول إلى الأهداف المرجوة أكثر بكثير من كلفة التعبير على الآراء باعتدال، وقبول الاختلاف والحرص الصادق على السلم الاجتماعي.