في الوقت الذي كانت فيه أشغال المجلسين الوطنين للاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، تدور يوم السبت 21 يونيو في أجواء تنظيمية على درجة من المسؤولية والانضباط، وفق ثقافة وأدبيات الهيئتين، وبحضور وازن لبرلمانييهما من مختلف الجهات، ينصتان، باهتمام لعرضي نوبير الأموي والميلود المخارق (كل في مركزيته)، كانت الأجواء بزنقة الديوري على غير المنتظر، مشحونة، حارقة، وهستيرية، تحولت معه قاعة اجتماع المجلس الوطني للفيدرالية، إلى أشبه ما يكون الوضع بحلبة لمصارعة "الثيران الناطقة"، حيث السب هنا، والشتم والقذف الساقط هناك، وحالات الإغماء المفتعل، والسقوط المروع في الركن القصي من هناك، وتبادل اللكمات في أكثر من زاوية من مربع القاعة التي انحطت معها كل القيم والأساليب والتقاليد المتعارف عليها ثقافيا في ممارسة العمل النقابي، وأسس لها كـ "خطاب"، المقرر التأسيسي للفدش، حين قال بـ "البديل" و"الحداثة" و"الديمقراطية"...
ماذا جرى تحديدا يوم السبت 21 يونيو، بزنقة الديوري، الذي يصادف ثاني يوم من أيام المجزرة الرهيبة التي ارتكبها النظام في حق "شهداء كوميرا" يوم 20 يونيو الأسود بالدار البيضاء. ؟ سؤال وجهته "أنفاس بريس"، إلى أكثر من مسؤول نقابي. حاولنا بداية الاتصال بقطبي الصراع، مجموعة فاتحي، إيوي، والرمضاني، المحسوبين على تيار إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب القوات الشعبية. إلا أنه تعذر علينا الاتصال. وبالمقابل، تمكنا من التواصل مع رفاق عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام للفدش، المحسوب في التوصيف السياسي، على تيار أحمد الزايدي، إلا أنهم أحالونا دون الخوض في مجريات الأمور، على بلاغ المكتب المركزي الصادر صبيحة الأحد الماضي.
عدم الإشباع في معرفة التفاصيل الجزئية لما حدث، وذلك في محاولة وضع القارئ في قلب الصراع، قادنا إلى الاتصال بأكثر من مسؤول نقابي بالمجلس الوطني، فكانت الاستجابة، وكانت الرواية التالية.
إنه، وعلى خلاف الاعتقاد السائد، كان المفترض أن تنعقد أشغال دورة المجلس الوطني، وفق أسس وقواعد، وروح التنسيق النقابي، التي قررت القيادات الثلاث في اجتماع الأربعاء 11 يونيو الجاري، وضمنت ذلك في بلاغ مشترك صادر عنها، أن تعقد المجالس الوطنية للهيئات الثلاث، يوم 21 يونيو اجتماعا لها بجدول أعمال موحد، ومشاريع توصيات موحدة، لاتخاذ القرارات التي تقتضيها المرحلة دفاعا عن الكرامة والحريات والحقوق المكتسبة. إلا أن تيار إدريس لشكر في الفيدرالية، الذي كان قد أسس له هذا الأخير كما تجمع إفادة مصادرنا، قبل المؤتمر الوطني للفدش، سنة 2010، في أفق انعقاد المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي، حيث تمت ومن جانب واحد، تسمية فاتحي، كاتبا عاما للنقابة، وظل يدير شؤونها من مقر الدر البيضاء، في حين كان العزوزي يدير شؤون النقابة من مقر النقابة بالرباط، ويحضى، على خلاف البريدي، بدعم ومساندة غالبية أعضاء المكتب السياسي، باستثناء لشكر والمالكي. قبل أن يتمكن عبد الواحد الراضي الكاتب الأول، آنذاك للحزب، في مساعيه الحميدة، من احتواء "الظاهر من الخلاف" بين الطرفين، والتوافق على منح فاتحي، رقم اثنين في التنظيم.
(على خلاف الاعتقاد السائد)، طالبت مجموعة فاتحي/ إيوي في اجتماع السبت الماضي، بإضافة نقطة أساسية إلى جدول أعمال المجلس، وتشبثوا بالحسم النهائي بشأنها قبل الخوض في القضايا المتفق عليه في إطار التنسيق النقابي. هنا حاول العزوزي، بمجهود مضاعف، وبلغة مسؤولة، إعادة أشغال المجلس إلى دائرة الصواب، على اعتبار أن المكتب المركزي وافق في اجتماع الاثنين 16 يونيو الجاري، ودون اعتراض على مقترح تقدم به عبد الحميد فاتحي، بعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني يوم 5 يوليوز القادم، بنقطة جدول أعمال فريدة، تتعلق بتحديد تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني للكدش. إلا أن رفاق فاتحي/إيوي، كان لهم في ما يبدو، أمام إصرارهم، يقول أكثر من مصدر في تصريحات متطابقة لـ"أنفاس بريس"، هدفا آخر يتمثل حسب قولهم، في العمل على محاولة نسف الاجتماع، وإحداث ثقب في التنسيق النقابي بين النقابات الثلاث، على اعتبار أن سياسة هذا الأخير، لا تتماشى وأجندة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي،على حد قولهم.
ما يؤكد هذا الطرح، تفيد مصادر نقابية واكبت تطور مجريات الأحداث، رفع درجة الاحتقان من قبل مجموعة فاتحي/إيوي، داخل اجتماع المجلس الوطني، بشكل بات معه من الصعب ضمان السير العادي لأشغال دورة المجلس، الأمر الذي حدا بالكاتب العام للنقابة، إلى وقف أشغال الاجتماع. في هذه اللحظة، طالب فاتحي، نقلا عن مصادر موثوقة، في اتصال هاتفي، مع قياديين في الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى عدم إصدار البيان المشترك للنقابات، كما تم الاتفاق على ذلك في اجتماع الهيئات التنفيذية يوم 11 من هذا الشهر، وذلك تحججا بعدم انعقاد المجلس الوطني للفدرالية.
إلا أن طلبه الذي لم يلق اهتماما ذا شأن، من قبل قيادتي المركزيتين، تم إشعاره به في اتصال هاتفي، "أن النقابات تتعامل مع الأجهزة (= العزوزي)، لا مع الأشخاص (= فاتحي)، وأن البيان النقابي المشترك، سيصدر (وصدر)".
خطورة الأحداث، استدعت القيادة في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الدعوة على عجل إلى عقد اجتماع طارئ، للمكتب المركزي، عشية السبت الماضي، وامتدت أشغاله إلى ما بعد منتصف الليل من صبيحة الأحد، حضرته، تقول مصادر نقابية، غالبية الأعضاء، حيث تم وبالإجماع اتخاذ قرار تجميد عضوية عبد الحميد فاتحي، عبد العزيز إيوي، ومحمد الدحماني، وإحالة ملفهم على أنظار المجلس الوطني. كما تم وفق ما ورد في البلاغ النقابي (تتوفر "أنفاس بريس" على نسخة منه) إحالة ملف السحب المالي على دفعتين لمبلغ 180 مليون سنتيم من الحساب البنكي للمنظمة، دون علم الكاتب العام، والمكتب المركزي، على أنظار القضاء المختص.
وفي سياق مواز، كشفت مصادر نقابية مسؤولة في اتصال هاتفي مساء الأحد الماضي، أن 70 عضوا من أعضاء المجلس الوطني للفدش، من أصل 109 عضوا، حضرت الاجتماع، كما هو مثبت في محاضر التوقيعات، مع التنسيق النقابي، وإصدار بيان مشترك، للثلاثية، وضد مخطط نسف الوحدة النقابية.
وفي آخر تطور للأحداث، علمت "أنفاس بريس"، من مصدر موثوق، أن الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين، مع الشرعية التي يمثلها الكاتب العام للمركزية عبد الرحمان العزوزي.