الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بنمبارك: في العودة الى القمة العربية31.. هفوات النظام الجـزائري

محمد بنمبارك: في العودة الى القمة العربية31.. هفوات النظام الجـزائري محمد بنمبارك
لست أدري هل كان من حسن أو سوء حظ النظام الجزائري، لما حل عليه الدور لاحتضان مؤتمر القمة العربية الحادية والثلاثين ؟ فهذا النظام أمضى عدة سنوات في شبه عزلة عن قضايا العالم العربي، منشغل بهم واحد يتمثل في نزاعه اللامحدود مع المغرب على الصعيد الإفريقي والعربي والدولي. من ناحية ثانية، وجد حكام الجزائر نفسهم أمام تحديات عربية كبرى، حين تحالفوا مع إيران المهددة للأمن القومي العربي خليجيا وشرق أوسطيا ومغاربيا.
منذ الانطلاق أخطأ حكام الجزائر حين اعتقدوا أن القمة العربية قمتهم، وعليهم التصرف وفق أجندتهم السياسية والتنظيمية، فأطلقوا العنان لمقترحاتهم وتوجيهاتهم، التي بدت أنها خارج السياق العربي، فكان لابد من تدخل الدول العربية والأمين العام للجامعة العربية لتنبيههم إلى أن الأجندة التي اعتمدوها، لا تتوافق مع النهج المعتاد في التحضير للقمم العربية، وبالتالي عليهم الانضباط والتوافق مع ترتيبات الأمانة العامة بالقاهرة ومقترحات ونظرة باقي الدول العربية، للتوافق على مشروع القمة.
المتابع لكل تصريحات المسؤولين الجزائريين من الرئيس تبون ووزير خارجيته، أنهم أفاضوا في رفع شعارات التضامن والتآخي العربي وقدموا الوعود بأن تكون قمة الجزائر:"لبلورة نظرة إستراتيجية تنأى بالأمة العربية عن كل التوترات، وتعيد للعمل العربي المشترك فعاليته، حفاظا على الأمن القومي " والدعوة إلى "تجديد التماسك الجماعي بمبدأ وحدة المصير، والعمل بكل جدية لإنهاء الأزمات الحادة التي تمر بها منطقتنا العربية". وقد اختارت الجزائر كشعار لهذه القمة " لم الشمل" على حد قول تبون ولعمامرة. كلام جميل منفتح وأخوي، لكن أصحابه يدركون قبل غيرهم أنهم بؤرة الخلاف والتوتر والصراع من الخليج إلى المحيط، أما المتلقي فيعرف جيدا أنها عبارة عن بيانات للتسويق المناسباتي ليس إلا، لغة أملتها ظروف استقبال القادة العرب. لذلك أخطأت الجزائر في العنوان وتقدير موقفها.
تتراكم الأخطاء في غياب تام للإنصات والتشاور من جانب قادة الجزائر مع أصحاب الشأن لاسيما بعواصم الخليج والقاهرة مركز الثقل العربي حاليا، حينما حاولوا استبعاد المغرب ورفضوا أية وساطة عربية لحل الخلافات بين البلدين، وأقحموا نظامهم في منافسة لا مبرر لها ضد بلد عضو في الجامعة العربية. لم ينتبه قصر المرادية إلى أن النفوذ المغربي قوي بالعواصم العربية وقضية الصحراء المغربية عرفت تطورات جد متقدمة بتأكيد العديد من قادة وحكومات البلدان العربية على الوحدة الترابية للمغرب وشرعية الدفاع عن قضيته الوطنية بل وفتح قنصلياتها بالعيون والداخلة.
من جانب آخر غاب عن أذهان حكام الجزائر أن المغرب ظل ملتصقا بالمشاكل العربية متضامنا متحالفا داعما ومدافعا في فلسطين واليمن والخليج ومصر والسودان وليبيا والعراق ولبنان والأردن وموريتانيا وحتى تونس. وهذه حقائق على الأرض، فوجدوا بالعواصم العربية من يذكرهم بضرورة الالتزام التام بكل الشروط والمقتضيات البروتوكولية الواجب احترامها من قبل من يحتضن قمة عربية.
ويبدو أن محاولة إقصاء المغرب من الحضور القمة، كان بمثابة مشكلة جزائرية بحثت لها عن كل الذرائع لتغييب المغرب. فاعتقد قادة الجزائر أن عوامل القطيعة الدبلوماسية بين البلدين وقطع الغاز والأنفاس والعداء المستحكم ورفض الوساطات وسلسلة الاتهامات والحملات الإعلامية ورفض اليد المغربية الممدودة، كلها عناصر ستجعل الكرسي المغربي فارغا بمحض إرادة ذويه. وهذه بحد ذاته قراءة خاطئة للموقف المغربي.
أما خلفيات الرغبة في استبعاد المغرب فواضحة، أولها التخوف من حضور جلالة الملك محمد السادس إلى القمة مما سيحول الأنظار كلها إلى العاهل المغربي، من جانب آخر كانت الرغبة في الغياب أيضا بدافع استغلال الكرسي الفارغ لتمرير مواقفهم من قضية الصحراء المغربية كالعبث مثلا بخريطة العالم العربي المعتمدة رسميا من الجامعة العربية والبحث عن منفذ لتأمين حضور أحد مرتزقتهم، ومنع المغرب من التعبير عن مواقفه المتضامنة مع القضايا العربية وفي مقدمتها فلسطين والخليج والعراق ومصر والسودان والتنديد بالتدخل الإيراني ودحض الأطروحات الجزائرية. كان على قادة الجزائر أن يلتفتوا إلى الثقل المغربي داخل الساحة العربية، ويدركوا أن مناورات سخيفة من هذا القبيل لا يمكن تمريرها بهذه السذاجة.
حصاد الأخطاء لم ينته وقد لا ينته بهذا المقال، عندما نسجل أن الجزائر دشنت الطريق لاحتضان القمة بالاستخدام الطارئ للورقة الفلسطينية، عبر استغلال أوضاع الفلسطينيين ومعاناتهم من الفرقة ومن غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، والزج بهم في مصالحة يدرك الكل أنها بالغة التعقيد في العمق، تتطلب من التحضير والمباحثات والتشاور الكثير من الوقت والتضحيات والنوايا الصادقة للدولة صاحبة المبادرة، وليس حفل توقيع على بيان موقوف التنفيذ، مما يزيد في تعميق الخلافات الفلسطينية.
كان المؤمل أن تفرز لنا قمة الجزائر مناخا ايجابيا يبشر بمرحلة جديدة في العلاقات العربية يعكس تطلعات الرأي العام العربي، التواق إلى رأب الصدع العربي وإلى تحويل الخلافات إلى مصالحات تتوافق وشعار "لم الشمل" يتم بموجبها صياغة خارطة طريق طموحة تجمع بين الرؤية الخليجية المصرية وبين المقاربة المغاربية. لكن شروط هذا التطلع لم تكن جاهزة منذ البداية فصاحب الشعار/ الجزائر أبى ومنذ البداية إلا أن يكرس الفرقة والشتات وتأجيج الصراع، فجاء إعلان الجزائر عاديا في محتواه اكتفى بتسليط الضوء على قضايا وانشغالات عربية، أرضى الجميع نسبيا مكررا لحصيلة بيانات قمم عربية سابقة، على الرغم من أن هذه القمة جاءت في ظروف غير عادية مغاربيا وعربيا ودوليا.
العربية كانت مناسبة سيئة للنظام الجزائري، الذي وجد نفسه يسبح ضد التيار العربي مدافعا عن حليفته إيران، في موقف حرج أمام القادة العرب، فقد حاولت عدد من الدول تحديد مصادر التهديدات للأمن القومي والتعبير الصريح بالبيان الختامي للقمة عن رفض التدخلات الأجنبية المتكررة، من جانب إيران وتركيا وإثيوبيا في المنطقة العربية، لكن القيادة الجزائرية عارضت هذا النبرة الصريحة والواضحة ورفضت الإشارة بالاسم، لذلك نجد أن بيان القمة اكتفى بتدوين عبارة فضفاضة عامة تشير إلى رفض التدخلات الأجنبية في الدول العربية. وهذه إحدى الزلات الجزائرية الكاشفة عن الوجه الحقيقي لحكام الجزائر المعادي لمبدأ التضامن العربي.
لا شك أن ما حصل في هذه القمة العربية من غيابات لعدد من القادة البارزين، وتعميق الخلافات المغربية الجزائرية، ودفاع الجزائر المستميت عن إيران وانخراطها في الخط الأجنبي المناوئ للعرب. سترخي بظلالها على واقع عربي سيزداد تأزما وتفرقة من قمة إلى أخرى، فماذا كسبت الجزائر من كل ذلك....؟
المحيط العربي اليوم يشهد تحولات كبيرة، فقد انتقلت مراكز الثقل الرئيسية من بغداد ودمشق والقاهرة إلى دول الخليج العربي كمركز فاعل ومؤثر في الواقع العربي بالتعاون مع عواصم أخرى مؤثرة كالقاهرة وعمان والرباط، التي باتت تشكل تحالفا لمواجهة التحديات الإقليمية بنوع من اليقظة والبراغماتية، بعيدا عن الشعارات الطوبابية الحالمة التي كانت كلفتها عالية على العالم العربي. فهناك مشاريع توسعية مهددة لكل من إيران وإسرائيل وتركيا وإثيوبيا، والعالم اليوم على أبواب حرب عالمية ثالثة جراء الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، كلها تحديات وأخطار تتطلب وجود قوى عربية موحدة فاعلة، لكن تحالف أطراف عربية كالجزائر مع جهات أجنبية يفسد هذه الأجواء ويقوض أواصر التضامن والعمل العربي المشترك،
مع ذلك، يظل الرهان قائما على القمم العربية كآلية تحيي وتذكر بأن علينا واجب التضامن العربي، والآمال معقودة على القمة العربية المقبلة بالمملكة العربية السعودية، العضو الفاعل والنشيط القادر على توفير شروط نجاح القمة، والتطلع إلى أجواء أكثر نقاء ومصداقية والتزاما بآليات العمل العربي المشترك، بدلا من تلك المناورات والمتاهات والتفاهات التي قادنا إليها نظام الجزائر قبل وأثناء وبعد القمة 31.
 
محمد بنمبارك، دبلوماسي سابق