الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

ومضات من سيرته في برنامج "مدارات ": محمد جسوس.. فقيه السوسيولوجيا المغربية(1)

ومضات من سيرته في برنامج "مدارات ": محمد جسوس.. فقيه السوسيولوجيا المغربية(1) الفقيد محمد جسوس

خصص الزميل عبد الإله التهاني حلقة ليلة الأحد 2 أكتوبر 2022، لإضاءة جوانب من سيرة عالم الاجتماع المغربي المرحوم الدكتور محمد جسوس، حيث رافقه في هذه الحلقة المتميزة كل من الباحث الأكاديمي في مجال الدراسات السوسيولوجية الدكتور أحمد شراك، والباحث الجامعي في مجال علم الاجتماع الدكتور عمر بنعياش، بحكم اهتمامهما بالإنتاج العلمي للمرحوم الدكتور محمد جسوس.

" أنفاس بريس" تنشر الجزء الأول من الحلقة المخصصة للراحل جسوس"

 

محمد جسوس، أحد مؤسسي الفكر السوسيولوجي بالمغرب :

وفي ورقته التقديمية قال الزميل عبد الإله التهاني، بأنه " لو كان لعلم الاجتماع لسان ينطق به، لشهد للعالم المغربي المرحوم الدكتور محمد جسوس بالكثير من أفضاله، في هذا الصنف من العلوم الإنسانية، ولتحدث بإسهاب عن دوره الريادي، في وضع الأسس الأولى للمدرسة المغربية في علم الاجتماع. وجهوده الأكاديمية لتبويىء الدرس السوسيولوجي، المكانة والأهمية اللتان يستحقهما، ليس فقط في رحاب الجامعة المغربية فقط، وإنما في المشهد الثقافي ببلادنا، وفي سيرورة التراكم المعرفي للثقافة المغربية المعاصرة."

وعن أثره الفكري والمعرفي أضاف قائلا: " لقد ترك المرحوم الدكتور محمد جسوس، بصمته الواضحة وأثره الملحوظ على الفكر السوسيولوجي في المغرب، أكان ذلك من خلال محاضراته ودروسه، ومشاركاته في الندوات العلمية داخل المغرب وخارجه، وفي الحلقات النقاشية هنا وهناك، أو من خلال كتاباته التي نشرها، رغم زهده في التدوين وتفضيله للممارسة الثقافية الشفاهية" .

وفي سياق متصل أفاد الإعلامي عبد الإله التهاني بأن المرحوم محمد جسوس " كان يميل لأن يحاضر وينتدي ويتحدث ويناقش، أكثر مما كان يميل إلى الكتابة والتدوين والنشر، وأنه لم يقم رحمه الله بطبع بعض كتبه، إلا بإلحاح من طلبته ومحبيه" .

واعتبر معد ومقدم البرنامج ذلك، " مظهرا من مظاهر شخصية محمد جسوس الفريدة ، وعنوانا من عناوين تواضعه الجم، رغم غزارة علمه، وثقافته الواسعة."

 

نبوغ فكري بمسحة إنسانية لافتة :

 وعن سيرته في الحياة، حياته أكد الزميل التهاني، بأن المرحوم محمد جسوس " قد عاش منسجما مع طبعه، متآلفا مع بساطته، وهي بساطة لازمت عمقه الفكري، وأضفت على نبوغه العلمي مسحة إنسانية لافتة، جعلته قريبا من قلوب طلبته، بل ومن عموم الناس" .

وقدم الزميل التهاني معطيات عن طفولة محمد جسوس الذي ولد عام 1938 بمدينة فاس، مشيرا إلى أنه تلقى فيها تعلميه الأولي، متمثلا في معرفة قواعد اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، قبل أن ينال الشهادة الابتدائية بمدرسة الأعيان بفاس سنة 1952، ثم على الجزء الأول من شهادة الباكالوريا بكوليج مولاي إدريس بفاس سنة 1956، وعلى الجزء الثاني من نفس الشهادة سنة 1957.

 

رحلته العلمية وسنواته الثمانينات بالجامعة الأمريكية :

وعن رحلته الدراسية بالخارج قال الزميل عبدالاله التهاني، بأن الرجل شد الرحال بعد ذلك إلى مونتريال بكندا، والتي سينال في رجاب جامعتها سنة 1960، شهادة البكالوريوس والتي توجها بدراسة له حول "حضارة القبيلة في المغرب منطقة سوس نموذجا"، قبل أن يلتحق بالولايات المتحدة الأمريكية، ويواصل دراسته في جامعة (برينستون) لمدة ثماني سنوات، حيث هيئ فيها أطروحته لنيل دكتوراه الدولة في علم الاجتماع، والتي كان موضوعها يتمحور حول نظرية التوازن ومسألة التغيير الاجتماعي.

ومن المحطات البارزة في حياته الأكاديمية خلال هذه المرحلة، أشار الاعلامي عبدالاله التهاني إلى تعيينه سنة 1965، أستاذا مساعدا في مركز الدراسات الدولية بجامعة برينستون، ثم قيامه بإنجاز دراسة متميزة حول إحدى القبائل الهندوـ أمريكية، لحساب المعهد الكندي للأنثروبولوجيا.

وفي العام 1969، سيقرر محمد جسوس العودة إلى المغرب، ليبدأ مرحلة أخرى من مسيرته الأكاديمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وموازاة مع ذلك سيكون له دور ريادي في تأسيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، التي ترأسها لسنوات غير قصيرة.

 

جسوس بين البعد الفكري والالتزام الاخلاقي :

 وعن مميزات شخصيته ونشاطه الثقافي والفكري، أوضح الزميل التهاني بأن " المرحوم جسوس كان له نشاط فكري بارز في الجامعات المغربية، كما في التنظيمات والمؤسسات السياسية والمدنية والحقوقية الوطنية، لكنه ظل محافظا على صفته كعالم اجتماع، مشبعا بروح أخلاقية عالية، وأنه كان يربط دائما بين العمل السياسي وبين الإلتزام الأخلاقي، والبعد الفكري، والعمل الميداني النافع والصالح".

 وأضاف موضحا أنه" ربما تعود هذه الروح الأخلاقية التي تميز بها، إلى تنشئته الدينية والأخلاقية التي شبّ عليها في أسرة جسوس الفاسية، المعروفة تاريخيا بكونها ظلت تنجب كبار العلماء والفقهاء.

 

السوسيولوجيا لفهم وتحليل الواقع قبل تغييره :

 وأبرز الزميل الإعلامي عبد الإله التهاني، أن محمد جسوس" عمل  الشيء الكثير ، كي يكون علم الاجتماع وسيلة علمية لفهم الواقع ، وتحليل بنيات المجتمع المغربي، وتفكيك تعقيداته ومنظوماته الاجتماعية، من أجل تيسير النهوض به وتنميته ودمقرطته"، مضيفا أنه " أسهم  في هذا الباب بإنتاج نظري غير قليل، لم يكتبه بأكمله، وبقي متناثرا هنا وهناك في الأرشيف الجامعي وفي أرشيف الهيآت والمؤسسات الثقافية التي كان  يتحدث في ندواتها وملتقياتها العلمية" . ومع ذلك ـ يضيف التهاني ـ فقد تيسر له طبع جزء مهم من أعماله وكتاباته، انضاف إلى ما كان قد نشره من دراسات ومقالات بحثية، في عدد من الصحف والمجلات.

وعن إصداراته أكد بأن الخزانة المغربية تحتفظ له اليوم كتبه القيمة، ومنها كتابه "رهانات الفكر السوسيولوجي في المغرب" الصادر عن وزارة الثقافة المغربية، ثم كتابه "طروحات حول المسألة الاجتماعية" ، الصادر عام 2003 ، ثم مؤلفه الثالث الصادر بعنوان "طروحات حول الثقافة واللغة والتعليم" وقد طبع في العام 2004. وهذان الكتابان الأخيران ظهرا معا، ضمن سلسلة كتاب الشهر التي كانت تصدرها جريدة الأحداث المغربية" .

وشدد التهاني على أن جسوس" كان بحق أحد الرواد الأوائل لعلم الاجتماع في المغرب، ومن واضعي مناهج ومضامين الدرس السوسيولوجي في الجامعة المغربية. على يديه تكونت أفواج متلاحقة من الطلبة في شعب علم الاجتماع، بعضهم أصبح من الباحثين البارزين المرموقين، في هذا الفرع من المعرفة.

وأن من أفضاله أنه جعل الدرس السوسيولوجي المغربي، يزاوج بين الجهد النظري، والعمل التطبيقي الميداني. وهو ما سمح لنا اليوم-يقول الزميل التهاني-بأن نتوفر اليوم على العديد من الدراسات الميدانية، التي تناولت مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية المغربية في المدن وفي البوادي على حد سواء .

 

شهادة الدكتور أحمد شراك : جسوس المؤسس

وفي تدخله خلال هذه الحلقة الاذاعية، تحدث الدكتور محمد جسوس عن الجانب الإنساني في شخصية محمد جسوس، مبرزا أنه كان رجلا لبقا ولبيبا، وأنه يشعرك في المحادثة معه بأنه إنسان عادي، بعيدا عن أي

 نوع من التعالي، خاصة أن محمد جسوس هو من الجيل السوسيولوجي الاول أي جيل المؤسسين، إلى جانب المرحومين فاطمة المرنيسي، وعبد الكبير الخطيبي، وبول باسكون.

 وأوضح الاستاذ أحمد شراك بأن هذا الرباعي فتح الشهية، سواء على مستوى الدرس السوسيولوجي، أو على صعيد الخطاب السوسيولوجي، بل وأيضا على صعيد الإنتاجية السوسيولوجية، مضيفا بأن المرحوم جسوس كان يتميز بذاكرة قوية، وبقوة الملاحظة والمعاينة،  لما يجري في محيطه.

وعن علاقته بالرجل، أكد الدكتور أحمد شراك، بأنه جمعته به محاولة نشر كتابين ضخمين له، بإيعاز من دار النشر (دار الكلام بالرباط)، والتي كان يرأسها المرحوم جواد بونوار، حيث اقترح عليه الفكرة فرحب كثيرا، باعتبار أن جسوس كان صوتا كبيرا، وكانت له مقروئية واسعة. واصفا إياه بأنه كان له حواريون وأنصار متعددون من القراء، ومن الباحثين ومن المناضلين.

وفي هذا السياق ذكر الاستاذ أحمد شراك، أنه ذهب إليه في منزله بمعية ضد صديقه الأستاذ عبد الفتاح الزين، عارضا عليه فكرة أن ينشر له كتابين، بعد أن يرى ما يرى، ويشذب ما يشذب، ويضيف ما يضيف، لكنه أجابه جوابا بقي راسخا بذاكرته قائلا: "فهل أنا دولة، حتى تقبلوا مني كل شيء لكي ينشر؟".

وأضاف الدكتور شراك موضحا بأن جسوس كان رجل معارضة مشاغب، وكان أيضا رجل معارضة زاهد، وأنه لم يتهافت من أجل منصب، أو مقعد أو جاه، بل كان مناضلا.

 

النظري والعملي في الخطاب السوسيولوجي لمحمد جسوس:

وعن سؤال يخص مميزات خطابه السوسيولوجي، أوضح الباحث الأكاديمي أحمد شراك بأن المرحوم محمد جسوس، قد جمع بين النظري والعملي، وأنه كان نظريا ومنظرا، حتى في خطابه اليومي، ولكن في نفس الوقت، كان معتزا بانتمائه للقارة السوسيولوجية. وتحديدا اهتمامه البالغ بالبحث الميداني، حيث اعتبر في إحدى الندوات بأن البحث الميداني، هو جزء من النضال وهو عملية نضالية، وبالتالي إن لم يكن الإنسان مناضلا، فإنه لن يفلح في ذلك البحث الميداني، من خلال احتكاكه بالمبحوثين على اختلاف مشاربهم وآرائهم وحساسياتهم وقناعاتهم، وما إلى ذلك.

وأكد الباحث أحمد شراك بأن محمد جسوس قد ساهم في إرساء كثير من المفاهيم والتنظيرات المنهجية.

ونوه في هذا الصدد بمبادرة التنسيق التي قام بها الاستاذ نجيب الخدي، لاخراج كتاب "قضايا منهجية في البحث السوسيولوجي" للمرحوم محمد جسوس، واصفا هذه المبادرة بأنها عمل مشكور، لأنه تجميع لمحاضرات المرحوم محمد جسوس في مادة المناهج، أو ما يسمى اليوم بمجزوئية المناهج، مشيرا إلى أنه كان يدقق المفاهيم والتقنيات والأدوات المنهجية، سواء تعلق الأمر بالمقابلات والمقابلات المفتوحة، أو بالاستمارة، أو بالسيرة الذاتية أي ما نسميه بالبيوغرافية.

وأوضح الاستاذ شراك أن جسوس كان يحاول أن يقرب طالب المعرفة السوسيولوجية، إلى  النبض السوسيولوجي، وإلى عمق البيت السوسيولوجي، الذي يرتكز على البحث الميداني، مبرزا أنه كان قد أشرف في هذا الإطار،  على بحوث و رسائل جامعية كثيرة ، سواء تعلق الأمر بديبلومات الدراسات العليا، كما كان معمولا به في النظام التعليمي القديم، أو بدكتوراه الدولة.

وشدد على أن محمد جسوس يعتبر من رجالات السوسيولجيا، الذين تركوا لنا موارد بشرية وأنتجوا لنا أساتذة أعطوا الكثير بدورهم، لطلاب شعبة السيسيولوجيا، خاصة بعد الغضب الذي كان يحيط بها، والحظر  الذي مورس عليها في سنوات معينة.

 

ملحوظة:

تجدر الاشارة إلى أنه خلال الجزء الثاني من هذه الحلقة، تحدث الباحث المغربي في علم الاجتماع الدكتور عمر بنعياش ، عن جوانب لافتة في السيرة العلمية والانسانية للعالم السوسيولوجي محمد جسوس، ستستعرضها "أنفاس بريس" في ورقة لاحقة.