الجمعة 19 إبريل 2024
اقتصاد

رشيد لبكر: قيادة الحوار من طرف وزيرة تشغل في الوقت ذاته منصب عمدة مدينة كبيرة" كمراكش" سيتيح الفرصة لفهم أكبر لمشكلات التعمير

رشيد لبكر: قيادة الحوار من طرف وزيرة تشغل في الوقت ذاته منصب عمدة مدينة كبيرة" كمراكش" سيتيح الفرصة لفهم أكبر لمشكلات التعمير رشيد لبكر

أعلنت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عن حملة للتشاور بخصوص الحوار الوطني حول التعمير والإسكان ودعت الوزارة إلى مشاركة واسعة للمواطنين في هذا الحوار، عبر منصة رقمية وتنظيم لقاءات تشاورية، على مستوى كافة جهات المملكة، وبهذه المناسبة أجرت "أنفاس بريس" مع رشيد لبكر الخبير في هذا المجال أستاذ القانون العام بكلية الحقوق، جامعة شعيب الدكالي بالجديدة الحوار التالي:

 

كيف يمكن تقييم الحوار حول التعمير والإسكان الحالي 2022 بالمقارنة مع الحوار حول إعداد التراب الوطني سنة 2000؟

تقريبا نفس المنهجية هي التي اتبعت في كلا الحوارين، وهي الانفتاح على كل المكونات العاملة في القطاع، في كل المناطق وعبر كل مستويات المسؤولية، أي سواء في القطاعين العام أو الخاص، كما أن الغرض من الحوار ذاته موحد بينهما، هو إيجاد مدونة قانونية شاملة ومتجددة للقطاع. الفرق القائم بينهما في هذه النقطة، هو أن الحوار الوطني لإعداد التراب، كان يستهدف إيجاد إطار قانوني لإعداد التراب لم يسبق له أن كان له وجود في منظومتنا القانونية، بخلاف الحوار الحالي حول قانون التعمير، فهو يستهدف إلغاء قوانين التعمير قائمة، موجودة وغير غائبة وتعويضها بأخرى، بعدما اضحت عاجزة عن ضبط هذا القطاع، لا سيما في الشق المتعلق بالزجر والتراخيص وتحديد دائرة اختصاص كل متدخل في مجال التعمير. نقطة أخرى أود إضافتها وأعتبرها إيجابية في منهجية الحوار الجارية أطواره حاليا، وهي ربط النقاش حول التعمير بالإسكان، وهو، بظني، ربط موضوعي وواقعي، على اعتبار ان الإسكان لا يستقيم إلا بحل التعمير، فهو الذي يهيئ الأرضية المناسبة لأي استثمار، ذاتي أو تجاري في مجال السكنى، وأي إشكال يطال السياسة التعميرية لابد وأن يهوي بثقله عليه، فالتعمير هو الذي يفتح مناطق جديدة للتهيئة العمرانية، وهو الذي يؤسس لمسطرة طلب التراخيص السكنية ويحدد العقوبات في حالة مخالفة مضمون هذه التراخيص، كما يحدد استعمالات الأراضي ويصمم أماكن ويخطط لشكل وموقع التجزئات وغيره، إذن، فالترابط بينهما ضروري ومنطقي، وقد كان من الواجب النظر إليهما على أنهما وجهان لعملة واحدة، لذلك أجدها فكرة جيدة جدا، تلك التي ستسمح بأن يجتمع على طاولة النقاش، وفي آن واحد، كل من الإدارات المعنية بالتعمير، إلى جانب الهيئات المهنية المعنية بالإسكان كالمنعشين العقاريين و شركات البناء والتجهيز والموثقين وغيرهم، اذن فكل شروط الحوار الناجح متوفرة، لذا أرجو ألا تكون مخرجات هذا الحوار كسابقه من حوارات متعددة. ويفلح بالتالي في إيجاد توافقات عدة، تسمح بصياغة مسودة قانون تعميري جديد، شامل وعصري وعادل، يحمي الحق في الاستثمار ولكن دون تشويه للمجال ولا استنزاف للعقارات ولا هدر لحق الساكنة في مجال حضري ملائم لعيش كريم، وبكل ما تحمله فكرة العيش هذه من معنى.

 

*ماهي دواعي الحوار الحالي حول التعمير والإسكان ؟

دواعي الحوار متعددة منها تشتت القوانين المتعلقة بالتعمير والبناء والسكن وتوزعها بين عدة ظهائر ومراسيم، ثم تعدد المتدخلين في القطاع وما يؤدي إليه ذلك من تعقيد وتأخر في مساطر الترخيص، ثم انحسار سوق العقار المعد للسكن بسبب استنزاف الأراضي وصعوبة مسطرة فتح أخرى أمام التعمير، فضلا عن اختلال المشهد الحضري وتشويهه بمشاريع سكنية يطغى عليها البعد الربحي بالأساس، وعلى حساب المسحة الحضارية وما تعنيه كلمة العيش في المدينة، إضافة إلى الصعوبات التي مازالت تقف أمام الراغبين في البناء بالمجال القروي بسبب قدم القانون المنظم لمسطرة الترخيص في هذا المجال، وعجزه عن مسايرة التحولات الكبيرة التي يعرفها ، وهناك العراقيل التي مازالت تعترض الاستثمار بسبب مشاكل ذات ارتباط بتعقد الإجراءات وبطء المساطر. لا ننسى في الأخير ضعف الجزاءات المقررة بالنسبة لمخالفات أو نقل جرائم التعمير وعجزها عن حماية المجالات العمرانية في الحواضر كما في المدن..هذا مجرد غيض من فيض، وإلا فإن إشكالات التعمير والسكن عديدة جدا، وهي التي كانت السبب في جعل هذا القطاع مرتع للفساد وللتحايل علي القانون وللاغتناء بلا سبب.

 

هل الحوار مسألة تقنية ومالية مرتبطة بتفعيل ترسانة قانونية قائمة؟ أم إرادة سياسية تتعلق بالتدخل لمعالجة مواطن الخلل؟

لا تتعلق الغاية من الحوار في تفعيل الترسانة القانونية القائمة، بل بتعديلها أو بإلغائها، لأنها كما سبق أن أوضحت، أضحت هي ذاتها جزءا من المشكل وليس جزءا من الحل، بالنظر لقدمها بحيث لم تعد قادرة عن مسايرة التحولات الكبيرة التي يعرفها مجالنا الحضري، ولأنها كذلك، كانت السبب في فتح الباب أمام التلاعب بالمساطر والفساد والمال كي يلعب بالمجال، وبالتالي، أنا أعتقد بأن هذا المشكل، وصل إلى حد لم يعد من المقبول السكوت عليه ولا الاستمرار فيه، لذلك فترؤس الحوار طرف وزيرة تشغل في الوقت ذاته منصب "عمدة مدينة" أي رئيسة مجلس جماعي لمدينة كبيرة هي مراكش، المدينة التي تعرف حركة تمدين متسارعة، سيتيح الفرصة لفهم اكبر لمشكلات التعمير ولإيجاد حلول لما سيتمخض عنه هذا الحوار، وأعتقد ان قيادته حاليا، من لها، على اعتبار أن السيدة الوزيرة، وبحكم تسييرها للمجلس الجماعي، ستكون على اطلاع وإلمام بالمشاكل التعميرية المطروحة وبالتعقيدات المسطرية القائمة، وبمختلف التشوهات التي طالت نسيجنا العمراني، والتي يجب الانكباب على وضع حل لها، وكما قلت في تصريح آخر، إن الدعوة إلى الحوار، هو في حد ذاته معطى إيجابي، لأنه ينم عن وجود وعي بخطورة الوضع وعن الرغبة بإيجاد الحلول، ولدي اليقين، أننا، وبذكائنا الجماعي، قادرون على الخروج بنتائج إيجابية، شريطة التحلي بروح الوطنية التي تغلب المصلحة العامة على المصالح الخاصة للأفراد، ثم تحلي الحكومة بقدر كبير من الجرأة والشجاعة للذهاب بهذا الملف إلى أبعد مدي، وعدم الرضوخ لضغوط اللوبيات المنتفعة من الوضع، وأخيرا لابد من وجود إرادة سياسية حقيقية وعلى مختلف المستويات، تكون مصرة على إخراج مدونة جديدة للتعمير إلى حيز الوجود، وألا يكون مآل هذا الحوار، كسابقه من حوارات، إلى مقبرة القوانين.

 

ما هي الخيارات الناجحة للتدخل إذن؟

الخيارات متعددة، شخصيا، لدي كل الثقة، بأن كثرة المتدخلين في هذا الحوار واختلاف انتماءاتهَم المهنية والإدارية وكفاءاتهم كذلك، ستتيح الفرص السانحة لاستلهام الخيارات الممكنة لتصحيح واقع التعمير ببلادنا، هذا مما لا شك فيه، الأساسي عندي الآن، ان تجد هذه الخيارات طريقها نحو التفعيل، إذ لا بد من الاعتراف في هذا الباب، بأن الحوارات السابقة، سواء ما تعلق منها بإعداد التراب او بالتعمير او بسياسة المدينة، كانت تعج بأفكار كثيرة ورائدة، لكن الذي كان ينقص دائما هو غياب الإرادة السياسية المصممة على التعاطي معها بالاهتمام المطلوب، لذا أرجو، أن يتغير الوضع مع هذا الحوار، ويفضي بالتالي إلى نجاح مكلل بمخرجات جديدة، فنحن لا نملك اليوم غير التفاؤل، بعدما وصلت الهشاشة والبشاعة في مشهدنا الحضري إلى الحد الذي لا يطاق، وبالتالي فلا بد من بداية التحرك لتصحيح الوضع. رجائي الأخير ضمن هذا الحديث، هو أن يحظى النقاش بخصوص قضية اللاتمركز واللامركزية في مجال التعمير، في الحوار الوطني الجارية أطواره حاليا، بالواقعية والجدية المطلوبتين، من خلال منح صلاحيات أكبر للمحلي، وبالتنصيص على إجراءات تعطي الحق في التعامل مع أي مجال وفق خصوصياته وإكراهاته الخاصة. فهذا ما اعتبره شخصيا، أحد المداخل الأساسية لإصلاح هذا القطاع.