الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عمر مروك: عيد الأضحى أصبح اليوم يشهد بدوره صراعا بين اصحاب الحداثة وأصحاب التقليد

عمر مروك: عيد الأضحى أصبح اليوم يشهد بدوره صراعا بين اصحاب الحداثة وأصحاب التقليد عمر مروك
عيد الأضحى تزامن هذه السنة مع أزمة اقتصادية عالمية خانقة، كان لها شديد الأثر على جيوب جميع الطبقات الإجتماعية، ناهيك عن عدم التعافي بعد من تبعات كورونا والغلاء. كلها أسباب قسمت الرأي العام هذه السنة إلى قسمين بين من يقول بإلغائه وبين من يتشبث بالإبقاء عليه. وبنية المجتمع المغربي حريصة جدا على أضحية العيد ليس لدواعي دينية فقط، وإنما لما يتزامن مع المناسبة من عادات مجتمعية أصيلة وألفة وزيارات عائلية. لكن هذه المناسبة يشوبها الكثير من السلبيات، خصوصا عندما يغلب البعض إكراهات الفرض المجتمعي على حساب قصدية السنة ومقاربتها الدينية حول موضوع الأضحية التي تنبني على القدرة والاستطاعة وابتغاء مرضاة الله، وليس لمرضاة الزوجة أو الأطفال أو التباهي على الجيران والعائلة. بات العيد فريضة اجتماعية قد يضطر معها الشخص اللجوء لقرض ربوي والتكلف فوق الطاقة من أجل توفير الأضحية. هنا يتم الخروج عن قصدية ورمزية العيد كسنة مؤكدة باعتبار الشرط الديني يتمحور حول الاستطاعة والقدرة بالأساس. والمثير هو أن هذا الفرض الاجتماعي تحرص عليه الطبقات الفقيرة بالخصوص. أما الطبقة الميسورة فنلاحظ أنها لا تعطيه نفس الأهمية، ولا يتماشى مع مقوماتها ونظرتها العصرية لحياة الرفاه، ولا يكون من أولوياتها بالرغم من الاستطاعة المادية، إذ تزامن العيد مع عطلة الصيف والسفر والاستجمام. 

عقلية المجتمع المغربي تغيرت في النظر للأمور، اليوم ليست الطبقة الميسورة هي الوحيدة التي باتت تتخلى شيئا فشيئا عن الأضحية، الحياة المعاصرة وإقتصاد السوق فرض على فئة عريضة أن تسكن ما يشبه صناديق في عمارات، يصعب معها توفير أماكن للكبش ومكان الذبح والحفاظ على النظافة، لذلك باتت هذه الفئة من أصحاب السكن المشترك تمتعض أحيانا من أجواء مناسبة العيد. وكأن عيد الأضحى يشهد بدوره صراعا بين أصحاب الحداثة وأصحاب التقليد والسلف الصالح، اضطر معها المغربي للخروج بتوليفة تمزج بين الحرص على الحفاظ على الموروث الديني العقدي، لكن بلمسة ليبرالية عصرية، إذ نجد العديد من العروض للطبقة المتوسطة والميسورة تقدم لها خدمات الذبح والتحضير والتقطيع بطابع خدمة الفندقة، وما على أصحاب الأضحية إلا الاختيار بين العروض المختلفة. 

لكن ماذا عن غير المحظوظين ماديا، والذين جعلت منهم مواقع التواصل الاجتماعي مادة سهلة لتسميم عقولهم بإلحاحيته ووجوبيته وجعلت من الشخص يتكلف فوق طاقته للتشبه بالمحظوظين أصحاب السطوريات ومنشورات الرفاه الاجتماعي على مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن مقاصد السنة وأبعادها حول الموضوع. 

آن الأوان لتوسيع النقاش وتفكيك الظاهرة من خلال مختصين وعلماء دين وعلماء اجتماع وقنوات إعلامية من أجل تصحيح المفاهيم والقيم وضبط مسار الأمور، نحو مجراها الطبيعي الأصح من أجل معالجة آفة مجتمعية أقلقت راحة فئة عريضة ونخرت السلم الاجتماعي للمغاربة، وجعلت فئة عريضة تعيش ضغطا وأزمة اقتصادية وعقدا مجتمعية ساهم فيها تبني ثقافة استهلاكية ليبرالية لا تبقي ولا تذر. و من جهة أخرى بسبب الخروج عن مقاصد السنة أو الجهل بحدودها.
 
عمر مروك/ باحث وعضو مركز شمال إفريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العمومية