الثلاثاء 16 إبريل 2024
خارج الحدود

المرزوقي: قيس على نهج الجنرال ديغول.. مراجعة دستورية شاملة في ظل جو سياسي مشحون بتونس

المرزوقي: قيس على نهج الجنرال ديغول.. مراجعة دستورية شاملة في ظل جو سياسي مشحون بتونس بن يونس المرزوقي( يمينا) والرئيس التونسي قيس سعيد
في فاتح نونبر 2021.. نشرت تدوينة جاء فيها (دستوريا.. الرئيس التونسي "سعيد قيس".. نسخة مصغرة من "الجنرال شارل ديغول".. تدريسه لمادة القانون الدستوري جعلته "يتشبع" بفكره و"يتبع" ممارساته.. و"ينسى" التزاماته..)..
كنت آنذاك أعي جيدا أنها ستفهم في غير محلها.. لقد اعتبر المتفاعلون والمتفاعلات أن الرئيس سعيد قيس لا يمكن أن يصل مرتبة الجنرال ديغول.. وانه لا مجال للمقارنة..
كنا نتحدث في موضوعين مختلفين..
المسار الدستوري للجنرال ديغول:
نتيجة اهتمامي لفترة طويلة بالفكر الديغولي.. تحت تأثير أستاذي المرحوم عبد الرحمان القادري.. تخصصت في تاريخه الدستوري.. قمت بجمع وشراء كل ما يرتبط بهذه الشخصية..
لا يهم..
أثارني جدا أحد تصريحاته في ندوة صحفية عن دور ومكانة رئيس الجمهورية..
كان المنصب آنذاك شكليا طيلة الجمهورية الثالثة والرابعة (من سنة 1875 لغاية 1958)..
انتهز فرصة أزمة سياسية كبيرة لفرنسا.. وعرض تقديم خدماته بعد أن كان قد انعزل في مسقط رأسه..
كان يعتبر أن أزمات النظام الفرنسي تكمن في كونه نظاما برلمانيا.. وفي كون دور رئيس الجمهورية كان شكليا فقط..
كان ذلك صحيحا.. فالرئيس كان ينتخب بطريقة غير مباشرة من قبل هيئة ناخبة مقلصة جدا تتكون في جوهرها من أعضاء البرلمان..
عاد ديغول للعمل السياسي..
ساهم في بلورة النسخة المعتمدة من دستور الجمهورية الخامسة.. دستور 1958..
وانتهز مرة أخرى أول فرصة لإدخال تعديل جوهري كان بمثابة انقلاب دستوري..
تعديل خارج المسطرة الدستورية..
تعديل أصبح بموجبه رئيس الجمهورية بفرنسا يُنتخب بالاقتراع العام المباشر من قبل الشعب..
فأصبحت له شرعية انتخابية توازي وتفوق شرعية أعضاء البرلمان..
وكان ذلك سنة 1961.. تقريبا ثلاث سنوات بعد صدور الدستور..
واستغل كل المناسبات لتدعيم سلطته وترسيخها..
وتنامى غرور الجنرال..
وصل الغرور حد تحضير تعديلات دستورية تخل بتوازن السلطات بشكل كبير..
وكان ذلك سنة 1969..
عرضت مشاريع التعديلات على الاستفتاء الشعبي..
اشتدت الحملة بين مؤيد ومعارض..
هدد الجنرال ديغول بأنه سيقدم استقالته في حالة عدم التصويت على تعديلاته..
فكان له ما أراد..
وكان الشعب الفرنسي في مستوى اللحظة..
رفض الشعب الفرنسي مشاريع التعديلات الدستورية للجنرال ديغول..
قدم ديغول استقالته نفس لحظة إعلان نتائج الاستفتاء..
كان ذلك دقائق بعد منتصف ليلة 28 أبريل 1969..
الدرس والعبرة..
العبرة هنا هي أن الغرور الدستوري الهادف لتقوية الصلاحيات الذاتية.. لا مستقبل له..
وأن كل استغلال لمنصب دستوري لتقوية الصلاحيات الدستورية الذاتية، ليس إلا ممارسة تعود بنا لتاريخ العالم الثالث قبل منتصف ثمانينات القرن الماضي..
ممارسات كان رئيس الدولة مثلا يترشح لولايتين.. فيحولها تدريجيا إلى منصب مدى الحياة..
وكانت الحكومات إدارة رئاسية.. والبرلمانات غُرف للتسجيل.. والقضاء وظيفة وليس سلطة..

 
تونس نفسها عاشت هذه المرحلة..
ثم قطعت معها..
فكيف يراد لها أن ترجع تدريجيا لهذا العهد؟
ذاك هو الامتحان الذي وضعه "سعيد قيس" أمام الشعب التونسي..
والذي ستكون لنتيجة الاستفتاء حوله آثار كبيرة..
أقلها أن تسير الأمور في نفس نهج الجنرال ديغول..

بن يونس المرزوقي/ أستاذ باحث بكلية الحقوق بوجدة