البركة: جمالية الخط العربي تتجاوز البعد المعماري إلى كل مظاهر الحضارة المغربية

البركة: جمالية الخط العربي تتجاوز البعد المعماري إلى كل مظاهر الحضارة المغربية محمد البركة
أكد محمد البركة أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل كلية الآداب بمكناس شعبة التاريخ في عرض ألقاه ضمن فعاليات المائدة المستديرة التي نظمتها المديرية الجهوية للثقافة بجهة فاس مكناس بمركز التنشيط الثقافي أناسي مكناس تحت عنوان: جمالية الخط العربي في التراث المغربي يوم السبت 04 يونيو 2022، في إطار الاحتفال بشهر التراث 2022، أن الحديث عن جمالية الخط في الحضارة المغربية هو حديث عن ذوق أصيل رسم مساحة جمالية أوسع في الحضارة المغربية، تجلت في مظاهر عدة، تتجاوز البعد المعماري إلى كل مظاهر الحضارة المغربية، إذ لم يكن الخط العربي ليحضر في الخشب والجبص والرخام والحجر والزليج والمعادن دون الرق والورق وغيرهما، بل حضر بتفنن بديع وتألق ساطع.
و عرض الأستاذ المحاضر لعناصر عدة دالة عن جمالية الخط العربي في الحضارة المغربية، عناصر جامعة بين جمالية الرسم، وجمالية اللون، وجمالية المعنى، وجمالية التركيب.
فعن جمالية الرسم تحدث الأستاذ المحاضر عن مسألة تجاوز الخط في الحضارة المغربية لرسمه المشرقي، حيث تحدث عن التراكم الحاصل لحظة وصول الخط الكوفي، الذي انتقل من الخط الكوفي المشرقي إلى الخط الكوفي القيرواني إلى الخط الكوفي المغربي، في تراكم بديع وإبداع معبر عن خصوصية مغربية، حجبت عنه الزوايا الحادة إلا القليل منه، ثم أضافت إليه التوريق والتشجير، فكان الخط الكوفي المغربي البسيط والمشجر والمزهر والمحمول على التوريق أو الممزوج بالتوريق، تناغما مع جمالية المجال الجغرافي وخصائصه الطبيعية.
وأشار البركة أن جمالية الخط في الحضارة المغربية تتجاوز جمالية الرسم إلى جمالية اللون، حيث تعددت صيغ حضور الألوان في الخط، إذ لم يعد الخط حاملا لمضمون محدد فقط برسم رموز ما، بل مُحلى بألوان معبرة عن طبيعة جغرافية المجال المغربي والنفسية المنشرحة للصانع، مما يعني أن اللون والتوريق وغيرهما، إنما هي خصائص مغربية أبدعها الخطاط المغربي استلهاما من بيئته الطبيعية ومكوناتها، حيث صارت البيئة بزخم عناصرها الطبيعية وألوانها التلقائية الربيعية، مظهرا حاضرا في الخط.
كما تطرق في محاضرته الى جمالية المعنى في الخط، حيث تم انتقاء أجمل العبارات والألفاظ الدالة عن حس أدبي وجمالية بيانية، لوضعها على الحوامل المتعددة التي تزين الحضارة المغربية، وهي عبارات تكشف عن المستوى الأدبي الرفيع (آيات قرآنية، حكم، أبيات شعرية، ...).
وبخصوص البعد الجمالي الرابع فيتمثل حسب المحاضر في جمالية التركيب لحظة الجمع بين الجبص والزليج والرخام وغير ذلك من الحوامل، وهوتركيب لم يكن اعتباطا برأي الأستاذ، بل دال على جمالية اختيار الموضع أثناء التركيب بين الحوامل من جهة، وبين الأشكال وموضع الخط منها من جهة ثانية.
ليخلص الأستاذ المحاضر الى كون كل هذه الأبعاد الجمالية تدل على أن التناسق الذوقي الذي جسده الصانع المغربي كان فطريا عبر حاسته البصرية القائمة على المماحكة والممارسة والتمرين، تناسق نقل الخط العربي في الحضارة المغربية من مرحلة الاستمداد (التقليد) إلى مرحلة الاستعداد (التجاوز والتبيئة)، إلى مرحلة الاستفراد، داعيا في ختام عرضه الهيئات المنظمة إلى الاعتناء بكل صور حوامل الخط بإنجاز دليل شامل عنها، يكون موزعا إما بحسب نوع الحامل (الخط في الخشب، أو الجبص، أو الحجر، أو المعادن، ..)، أو بحسب الحقبة الزمنية والمراحل التاريخية التي مر منها المغرب، أو جمعا بينهما..