العشاب : المقاولات العاملة في قطاع البناء والتجهيز وصلت إلى" حافة" الإفلاس ولابد من تدخل الحكومة

العشاب : المقاولات العاملة في قطاع البناء والتجهيز وصلت إلى" حافة"  الإفلاس ولابد من تدخل الحكومة عبد الجبار العشاب

يرى عبد الجبار العشاب، رجل أعمال والرئيس السابق للاتحاد العام لمقاولات المغرب بمكناس- إفران، وعضو الفيدرالية الوطنية للبناء والأشغال العمومية أن ارتفاع أسعار مواد البناء والغازوال جعل المقاولات العاملة في قطاع البناء والتجهيز تصل الى سقف لا يمكن تجاوزه، داعيا الحكومة  الى التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحماية المقاولات الصغرى والمتوسطة من مواجهة مصير الإفلاس بما يحمله من تداعيات اقتصادية واجتماعية عبر مواصلة الأوراش العمومية وتنزيل قائمة الأسعار الجديدة والظهير المتعلق بالصفقات العمومية، محذرا من تداعيات هذا التأخر على المقاولات العملة بالقطاع، علما أن هناك عدد من المقاولات – يضيف – اضطرت إلى الإغلاق وضمنها مقاولات كبرى، كانت تتصدر لسنوات قطاع التجهيز في المغرب وإفريقيا.
 
كيف تنظر الى الأزمة التي تواجه قطاع البناء والتجهيز  ؟
الأزمة التي يعاني منها قطاع البناء والتجهيز هي أزمة قديمة، حيث بدأت عام 2012 وكانت تظهر من خلال الأثمنة الواردة في الصفقات العمومية والصفقات الخاصة التي كانت منخفضة، وقد تراكمت الأزمة على مدار كل هذه السنوات، وقد أدى تراكم خسائر المقاولات والتي كانت لا تشعر بها في أغلب الأحيان الى ظهور هذا العطب بشكل واضح بعد مرور ثمان سنوات، علما أننا كنا دائما ننبه الى كون الأثمنة الواردة في الصفقات جد منخفضة اذا ما قارناها بالعديد من البلدان.
 
وماذا عن تداعيات ارتفاع أسعار مواد البناء والغازوال ؟
ارتفاع أسعار مواد البناء والغازوال جعل المقاولات تصل الى سقف لا يمكن تجاوزه، وليس هناك من سبيل أمامها لتجاوز الأزمة، فعلى سبيل المثال نجد أن التزفيت في الصفقات العمومية يتراوح ثمنه ما بين 5000 و 6000 درهم للطن الواحد، بينما تقتنيه المقاولات بثمن يتراوح ما بين 8000 و 9000 درهم، وهو ما يعني مواجهة خسائر فادحة من طرف العديد من المقاولات ، الأمر الذي جعلها ترفع تظلماتها للحكومة، فكان قرار رئيس الحكومة بوضع قائمة الأسعار الى جانب الظهير الجديد المتعلق بالصفقات العمومية، لكن تنزيله لم يتم لحدود الآن على أرض الواقع بعد مرور شهرين على صدوره، وأعتقد أن هذا التأخر تسبب في تفاقم مشاكل المقاولات وأدى الى ازدياد عدد المقاولات التي اضطرت إلى الإغلاق وضمنها مقاولات كبرى، وهو مؤشر سلبي لا يخدم مصالح بلادنا، علما أن الأمر يتعلق بمقاولات كانت تتصدر لسنوات قطاع التجهيز في المغرب وإفريقيا،  لذا على الحكومة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وحماية المقاولات الصغرى والمتوسطة من مواجهة نفس المصير، علما أنها تشغل أيدي عاملة غير مكونة هائلة سواء داخل المدن أو في المجال القروي، فإغلاق المقاولات العاملة في القطاع يتسبب في تسريح نسبة مهمة من العمال وهو ما يحمل تداعيات وخيمة على الوضع الاجتماعي، ولذلك ينبغي تدارك الموقف وتسريع الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة، فالوقت لم يعد يسمح لنا بمزيد من الانتظار، خصوصا وأن الأوراش متعثرة بسبب إقدام بعض المقاولات على فسخ عقودها، أو بسبب ترقب انخفاض محتمل في أسعار مواد البناء وتنزيل الظهير المتعلق بالصفقات العمومية وقرار مراجعة الأثمنة. اذا هناك ترقب يسود القطاع وهو ما سينعكس سلبا على نسبة النمو في نهاية السنة، ناهيك عن كون عدد من المقاولات مهددة بالإفلاس بسبب عجزها عن تسديد الديون وقد تضطر نتيجة هذا الوضع الى تسريح العمال وهو ما ستكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة على هذا القطاع الحيوي ضمن النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمغرب.
 
ماذا عن تداعيات الأزمة التي تتخبط فيها المقاولات العاملة في قطاع البناء والتجهيز على النسيج الاقتصادي والاجتماعي؟
كما قلت فهناك تداعيات مباشرة وأخرى غير مباشرة، فالتداعيات المباشرة تتجلى في توقف الأشغال في الطرق والأوراش العمومية وتسريح العمال وما يحمله من تداعيات اجتماعية. إن الأمر يتعلق بتداعيات تتأثر بها منظومة اقتصادية كاملة ولا تتأثر بها فقط المقاولات العاملة بالقطاع ( تجار مواد البناء، سائقو الشاحنات، تجار العجلات المطاطية..) فكل ما يدور في محيط المقاولة قد يتضرر نتيجة هذا الوضع، وكما يقول المثل الفرنسي : " لما تنهار العمارة ينهار معها الكل "، وعلى الحكومة أن تسرع تنزيل القوانين المتعلقة بالصفقات العمومية، كما ينبغي عليها تجنب وقف الأوراش العمومية وإخراج أوراش جديدة الى حيز الوجود لتحريك القطاع، مثلا مشاريع طرق سيارة بشراكة مع القطاع الخاص علما أن هناك شركات دولية يمكنها إبرام شراكات من هذا النوع، من أجل إعادة الثقة للمقاولات العاملة بالقطاع ومن أجل توضيح الرؤية في ما يتعلق بمستقبل المقاولات العاملة بالقطاع.
 
عادة ما تبادر الحكومات الى بلورة خطط استباقية لاحتواء الأزمات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مواجهة الأزمات الدولية، في حين يسود الترقب والانتظار في صفوف المهنيين بقطاع البناء والتجهيز في بلادنا في غياب أية خطة حكومية،  فكيف تنظر الى هذا الوضع ؟
ربما يسود هناك نوع من التخوف والاحتياط والحذر جراء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وضمنها احتمال ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتي قد تكلف الحكومة ميزانية ضخمة، وهو معطى يمكن تفهمه، ولكن بالمقابل نجد أن هناك بلدان لم توقف الأوراش العمومية، فلا يمكن إصلاح وضع معين من خلال تأزيم أوضاع قطاع معين، والانتظار ليس حلا، ويبدو لي أن الحل يكمن في تحريك الأوراش العمومية على غرار فرنسا مثلا، حيث أكد لي رجل أعمال فرنسي أن فرنسا تضم عدد هائلا من الأوراش العمومية رغم الأزمة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وخاصة زيت المائدة بكل من فرنسا وألمانيا بشكل يفوق الوضع في المغرب، وأعتقد أن إيقاف الأوراش العمومية سيؤدي الى تفاقم الأوضاع، كما سيؤدي الى فقدان الثقة. وأعتقد أن الدولة هي الطرف المعول عليه في الاستثمار عند حلول الأزمات أمام تخوف القطاع الخاص، ولا سبيل أمام الحكومة سوى مواصلة الأوراش العمومية وإطلاق المناطق الصناعية بشراكة مع القطاع الخاص، وبلورة مشاريع طرق سيارة مثل مشروع الطريق السيار الرابط بين الناظور وتاوريرت، مشروع الطريق السيار الرابط بين فاس – مكناس – مراكش عبر بني ملال وهي مشاريع كثر الحديث حولها في السنوات السابقة..وكل هذا يمكن أن يتم عبر شراكات دولية على غرار بعض البلدان مثل مصر، وهو الأمر الذي يتطلب نوعا من الجرأة من طرف الحكومة.