عبدالله بوشطارت:في أصل وتاريخ إيرگراگن/ رگراگة

عبدالله بوشطارت:في أصل وتاريخ إيرگراگن/ رگراگة عبدالله بوشطارت
 
لم ينتبه أحد؛ إلى أن فوز فريق الوداد البيضاوي بعصبة الابطال الإفريقية بقيادة الإطار الوطني وليد الرگراگي، تزامن مع انطلاق موسم إيرگراگن بمنطقة الشياظمة بين مدينتي آسفي وتاصورت/ الصويرة، في الأسبوع الماضي. وهذا الموسم عبارة عن طواف مقدس، يدوم حوالي 44 يوما، يجوب خلالها الزهاد والصالحون منطقة محددة جغرافيا ومضبوطة زمنيا، حيث تزور الجموع أضرحة ومزارات أقطاب إيرگراگن الصلحاء الذين يبدو أنهم أسسوا وبدأوا هذا الطواف الذي يسمى حاليا في اللسان الدارج، ب "الدور"، وعلى رأسهم سلطان إيرگراگن "سيدي واسمين". أو أنهم وجدوا هذا الطقس قديما وصاروا على تعزيزه وتطويره. فمن هم إيرگراگن الذي يبدو أن المدرب وليد الرگراگي ينتسب إليهم بالرغم من أنه ينحدر من المناطق الشمالية؟
إن ما يهمنا هنا في هذه المقالة المختصرة، هو تفنيد العديد من الأساطير التي لاتزال تلف تاريخ وأصل إيرگراگن التي تكتب خطأ ب "رجراجة" وقد تستعمل الصحافة هذه التسمية التي تنقلها من الادبيات الرسمية، فهذه كلمة لا وجود لها ولا معنى لها في الواقع، هي تصحيف يراد به تشويه الواقع ومنطق الأشياء، كما جرت العادة تشويه العديد من أسماء الأماكن والأعلام، منها تسمية نهر بورگراگ بين سلا والرباط بنهر أبي رقراق، وهذا نعتبره من معالم التخلف الحضاري والنقص الثقافي المركب. 
فكلمة إيرگراگن تطلق على مجموعة بشرية أمازيغية أو ما يمكن تسميته تجاوزا ب"القبيلة"، موطنها الجغرافي قديما؛ يشمل بين مدينة آسفي إلى مدينة الصويرة إلى تخوم مراكش حاليا، وهي مجموعة مصمودية تنتمي إلى الاتحاد المصمودي الكبير. لكنها فرع من فروع حلف إيداوكال المعروف حاليا بدكالة التي تنتمي هي الأخرى إلى الحلف الأمازيغي إيمصمودن/ مصمودة، ومن المعروف تاريخيا منذ إبن خلدون وما قبله، أن إيداوكال/ دكالة تتكون من ستة قبائل خمسة منها مصمودية وواحدة صنهاجية تستقر في أزمور وما إليها، والمصمودية هي مشنزاية، بني دغوغ، بني ماگر وهزميرة، ثم رگراگة/ إيرگراگن.
من حيث الأصل، لم يعد هناك أي شك، أن إيرگراگن هي مجموعة أمازيغية، ولم نعد نناقش قضية الأصول، ولكن ما تعرض له إيرگراگن من تحريف وأسطرة الأصل والمنشأ هو الذي يقودنا إلى البحث عن طريقة تفنيد وتكذيب ذلك، بالرغم من أن بعض الباحثين المعاصرين الذين تمكنوا من فهم تاريخ المغرب بشكل علمي لم يعودوا يصدقون أكاذيب الأولون، فقد تعمد بعض الفقهاء والمؤرخين إلى تزوير تاريخ إيرگراگن/ رگراگة، وجعلهم أشرافا أو عربا قادمون من الأندلس، ومن هؤلاء المؤرخ  "إبن براهيم الدكالي" الذي اجتهد في تدوين تاريخ دكالة وأسلافها، ولكن تمادى كثيرا في قلب الحقائق وكيل المدح لبعض القبائل التي جعل لها الأصل المشرقي، ولذلك ما يبرره في ذلك السياق؛ من قبيل المنافسة بين البيوت والأسر التي تبحث عن النسب الشريف لما له من مزايا رمزية ومادية. ومن هذه المغالطات أن إيرگراگن يتفرعون من أربعة رجال نزحوا من الاندلس وركبوا سفنهم وخرجوا إلى البحر في ناحية الصويرة، بمرفأ أگوز، وذلك قبل الإسلام، وهم على دين المسيحية، ولكونهم حواريين فروا من بطش الكنيسة لأنهم لم يعرفوا الكفر، وبعد استقرارهم في أگوز اعتنقوا الاسلام. 
كما انتشرت سردية مركزية هيمنت على البدايات الأولى لارگراگن، وهي أن طائفة من سبعة رجال هاجروا إلى المشرق والتقوا بالرسول وتحدث معهم بالأمازيغية وحين استفسر عن هويتهم قيل له، إنهم رجراجة، ومن ذلك سموا برجراجة، وقد بعثوا من الرسول إلى بلاد المصامدة ليعلموا لهم تعاليم وشرائع الإسلام، وبالتالي كانوا هم أول من أدخل الإسلام إلى بلاد المصامدة. الكثير من المؤرخين لم يأخذوا بهذا الكلام، ومن بينهم المؤرخ الامازيغي أبوالقاسم الزياني الذي قال في "الترجمانة الكبرى": "وأول من ادخل دين الإسلام للمغرب، فقيل رجال رقراقة السبعة، من المصامدة، وقيل كانوا إثنى عشر رجلا، اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم باللسان البربري، والصحيح أنهم لم يجتمعوا به، وإنما أسلموا على يد عمر وعلمهم دينهم وتوجهوا لمغربهم، ولما بلغوا قومهم منهم من أسلم ومنهم من أبى." (الترجمانة الكبرى ص 80).
يتضح إذن إن كل ما قيل عن لقاء ايرگراگن بالرسول، كله أساطير مؤسسة لا يدخل ضمن مجال التاريخ وإنما يمكن إدراجه داخل نطاق الأسطورة، لكن التاريخ كعلم وكمنطق يدرس ويبحث في واقعية الأحداث ومدى مصداقيتها وصدقها، ويفند ذلك. على اعتبار أنه يمكن دراستها كأسطورة متداولة في الزمان والمكان ودراسة أبعادها ورمزيتها في إطار منظومة الرموز التي اعتمدت عليها الزاوية الرگراگرية في الانتشار والامتداد ومواجهة أيديولوجية الأشراف التي تعتمد على النسب إلى آل البيت.
والواقع أن اللغة واللسانيات تساعدنا كثيرا في فهم التاريخ، فكلمة رجراجة ما هي إلا تصحيف وتعريب للتسمية الأصلية إيرگراگن، وتعني حسب أحمد التوفيق: "إيرگراگن مفردها أرگراگ وهو من فعل أرگ الذي معناه بارك، ومنه تاراگت وهو موكب التبريگ وأرگراگ هو المتبرك به، ولعل لهذه التسمية علاقة بما يذكر لهم من السابقة في الإسلام. وكان موطنهم ممتدا على مناطق واسعة وتقلص اليوم إلى جبل الحديد حول أقرمود."(ابن الزيات، كتاب التشوف، ص. 86).
المؤكد أن أرگراگ تعني المتبرك به، أو المقدس والمبجل، وذلك ما يظهر في تسمية نهر بورگراگ بالرباط بذلك، باعتباره نهرا عظيما ومقدسا. وأرگراگ قد تفيد معاني كثيرة حسب الجدر Arg/ Irg ويمكن أن تكون تسمية شجرة أرگان من نفس الجدر لكونها شجرة مقدسة عند الامازيغ في جبال درن وجنوبه. ونستشف من كلام المؤرخ أحمد التوفيق أن تسمية إيرگراگن لها علاقة بما يذكر لهم من السابقة في الإسلام. بمعنى أنهم كانوا رجالا صلحاء في الفترة ما قبل الإسلام، حينما كان الأمازيغ يتدينون بالديانات المحلية ولهم آلهة خاصة بهم. ينعتها الفقهاء المسلمون بالوثنية. والحقيقة أن ظاهرة التبرك بالأولياء والصالحين هي متجذرة في المجتمع الامازيغي منذ القدم، قبل وصول الإسلام إلى شمال افريقيا بقرون كثيرة، ولاشك في أن ذلك له علاقة بانتشار الأولياء والرباطات والأضرحة وكل ما يرتبط بها من طقوس وعادات وتقاليد، في مناطق متفرقة بالمغرب، وبالأخص في مناطق دكالة وتامسنا وسواحل الصويرة وسوس، وذلك ما نسميه بالإسلام الأمازيغي ويعارضه بشدة شيوخ السلفية والوهابية المتزمتة.
وفي العودة إلى ايرگراگن التي يكتبها ابوبكر الصنهاجي المعروف بالبيذق في كتابه أخبار المهدي، برگراگة، ولا يكتبها برجراجة وهو التصحيف الذي ظهر لاحقا في الاسطوغرافية التاريخية. نستخلص أنها ظهرت في البداية كقبيلة أو كمجموعة بشرية مصمودية تنتمي إلى حلف دكالة، ثم تراجع صيتها وتقلص مجالها الجغرافي وبدأت تظهر كزاوية أو طريقة، ثم كطائفة، ثم كموسم، أو "الدور" والبعض يريد أن يحولها حاليا إلى مهرجان. لكن تقلص مجال وتسمية إيرگراگن لم يكن بالصدفة، وإنما عن بدافع الدينامية التاريخية التي عرفتها المنقطة التي كان تتحرك فيها رگراگة بين مراكش والصويرة وآسفي، وظهرت محلها تسمية أخرى أعطيت لتشكيل اجتماعي جديد ظهر ما بعد القرن السادس عشر يسمى بالشياظمة، هذا الاسم لم يكن له أثر قبل القرن 15 عشر الميلادي، ولم نعثر عليه في جميع النصوص العربية التي ظهرت خلال العصر الوسيط، لنقرأ نص تاريخي مهم "لحسن الوزان" الذي عاين وعاش ما يرويه وهو يتحدث عن جبل الحديد الذي يعرف أنه موطن إيرگراگن: " ليس هذا الجبل من الأطلس، إذ يبتدئ من المحيط شمالا، ويمتد جنوبا إلى نهر تانسيفت، فاصلا بين أقاليم حاحا ومراكش ودكالة، وتسكنه قبيلة تدعى رجراجة... والسكان هنا فقراء، فضلاء أتقياء. يسكن عدد من النساك في قمة الجبل ويقتاتون الفواكه والماء. هؤلاء الجبليون أمناء جانحون للسلم، إذا سرق أحدهم أو ارتكب أية جريمة أخرى نفوه لمدة معينة.... ويسبب لهم جيرانهم من الأعراب كثيرا من المتاعب فيؤدون لهم خراجا معلوما يتقون به شرهم. وقد غزا ملك فاس محمد (البرتغالي الوطاسي) هؤلاء الأعراب ففروا إلى الجبل، لكن الجبليين عندما وجدوا أنفسهم أقوياء بمساعدة الملك هاجموا الأعراب في المضايق، وتعاونوا مع جنود الملك في مطاردتهم فمزقوهم كل ممزق. ولما انتهت المعركة قدم الجبليون إلى الملك خيول القتلى من الاعراب، فكانت زهاء ثلاثة آلاف وثمانمائة فرس، ولم يؤدوا بعد ذلك خراجا. وقد حضرت هذه الموقعة وأنا يومئذ في المحلة السلطانية." (انظر وصف إفريقيا لحسن الوزان، ج 1، ص. 112.) وقد يكون حسن الوزان يتحدث هنا عن سنة 1514/ 1515، حيث مر السلطان الوطاسي بالمنطقة. 
ونستفيد من هذا النص البليغ لحسن الوزان، أن رگراگة كانت تعيش بداية فترة التحول في تاريخها، أولا بوصول الوافدين الجدد البدويين أو الأعراب كما سماهم، إلى المنطقة وصراعهم الطويل مع رگراگة، الذين يبدو أنهم تحصنوا في الجبل. وقد استغلوا حركة السلطان الوطاسي للانتقام منهم جراء ما كان الاعراب يتسببون فيه من متاعب وقلاقل. وبالرغم من تحصنهم في الجبل فقد تحدث الوزان عن عدد كبير من المحاربين رگراگة وصل إلى 12 ألف مقاتل.
ليتضح أن ما بعد القرن السادس عشر وما عرفه المغرب من تحولات كثيرة بعد عهد السلطان احمد المنصور الذهبي، من حروب وصراعات وما أفرزته من تغيرر كبير في الخريطة الاجتماعية للمجموعات البشرية من تهجير البعض وابادة البعض وتوطين مجموعات أخرى جديدة يتم استقدامها إلى المناطق الخصبة والمناطق الهبطية مقابل استغلالها وإعطاء للمخزن والسلاطين اتاوات مقابل ذلك. في ذلك السياق ظهرت الشياظمة في مكان رگراگة، التي تراجعت إلى الهامش وإلى الجبل قبل أن يزحف عليها التعريب مع توالي السنوات، ونفس الأمر وقع للقبائل الامازيغية في دكالة، من قبيل بنو ماگر ومشنزاية التي كانت أكبر قبيلة أمازيغية دكالية في القرن السادس عشر والتي كانت تستقر بين أزمور الجديدة حاليا. 
أما زاوية أيرگراگن التي لا تزال صامدة بالرغم من تفكك القبيلة وتعربها، فإن سلطان أيرگراگن هو الشيخ "سيدي واسمين" المدفون بجبل الحديد موطن إيرگراگن، وإذا تمعنا بدقة في معنى واسمين فإن التسمية تتكون من سيدي ن و أسمين sidi n w asmin فالتسمية امازيغية من كلمة أسمين وهي مذكر أوسمان الذي يعني البرق. ويوجد تشابه كبير بين هذه التسمية وتسمية الشيخ سيدي واگاك الممتح هو الآخر من لقب أگاگ أي الرعد، والذي يعتبر من بين أول رباطات المغرب الذي انبثقت منه دولة المرابطون. ونعرف أيضا أن سيدي وگاگ اللمطي دفين أگلو ضواحي تزنيت يعتبر هو الآخر مزارا مهما ورئيسا في طواف مقدس آخر يقوم به إفقيرن إيداولتيت في مجال جزولة، ويعتبر سدي وگاك قطبه الصوفي. ومن المحتمل جدا أن افقيرن ايداولتيت وإيرگراگن ينتمون إلى مرحلة قديمة في التاريخ سابقة عن العهد الإسلامي ولها جذور في الصحراء حيث كانت تستقر مجموعات أمازيغية كثيرة. 
ومن خلال هذه التسميات/ الألقاب سيدي واسمين وسيد وگاگ، يتبين أنها لها علاقة بما يسبق المطر، ونحن نعرف أن من بين الكرامات التي يعرف بها سيدي وگاگ هي الاستمطار أي جلب المطر، وله مناقب وكرامات كثيرة في هذا الشأن، غير أن طواف إيرگراگن يكون في فصل الربيع، وطواف إفقيرن يبدأ في فصل الشتاء بعدما تكون القبائل حرثت حقولها. 
من أجل فهم علاقة افقيرن إيداولتيت وإيرگراگن فالأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي في انثروبولوجيا المجتمعات الأمازيغية ومقارنها مع المجتمعات الأخرى في أوروبا وآسيا التي تنتشر بها نفس الطقوس الطواف والبحث عن البركة والصلاح.
فمن حق جمهور الوداد الرياضي أن يتبركوا بوليد الرگراگي فهو من بين أولياء الصالحين لفريقهم.