جواد شفيق: دون جوان بنكيران ..

جواد شفيق: دون جوان بنكيران .. جواد شفيق
توفق المناضلون والإعلاميون في سبر الأغوار النفسية والسياسية لخطبة بنكيران الأخيرة أمام بقايا حزبه بإحدى جهات المملكة نهاية الأسبوع الماضي. 
لقد توفقت أنتروبولوجية حميد جماهري وهي تشخص وتحلل وتستنتج وتخلص إلى أن كل ما جاء على لسان الرجل هو عنوان نقص في هرمونات الاندماج ، وليس فقط عربون عزلة وهامشية ناتجان عن انهيارات أخلاقية وسياسية وانتخابية. 
وعلى نفس المنوال سارت الكتابات الاتحادية وغير الاتحادية العديدة التي قدمت عديد تفسيرات تصب كلها في خانة أن العنف
و"الدخول و لخروج فالهضرة " الطافحان من كلام بنكيران، هما تعبيران عن حالة رجل تتردد داخله بكل تأكيد وبكل حسرة ومرارة مقولة " كيف كنا وكي ولينا ".؟؟
لقد "شير" بنكيران على كل ما خطر له و لم يخطر على بال:  مؤسسات، أشخاص، إعلاميون، سياسيون، دولة، رموز، تاريخ، جغرافيا،  دين ،،، حتى الله لم يسلم.
وكل ذلك و هو يؤكد بطاووسية عفى عنها الزمن و عافها بأنه "سياسي واعر "، لا يريد أي شيء، وهو في الحقيقة كان وما يزال يريد كل شيء:  دينها ودنياها وسلطانها .
وهو يمارس غواية اللغو، المنهي عنه شرعا، عافطا، لاطما، عاضا، قامشا، نابزا، هامزا، لامزا ...كان لازما أن يعرج على ادريس لشكر. 
ناسيا بأن أسطوانته هذه قد شرخت و صدأت من كثرة تكرارها منذ ست سنوات على الأقل. 
غافلا أو متغافلا عن كون اللحظة موضوع ندبته الكبرى  (2016) كانت لحظة سياسية بامتياز،  كان فيها ادريس لشكر يمثل حزبه ويفاوض باسمه ويمارس كره و فره، مراعيا المصالح الكبرى لوطنه دونا عن "أنانيات حزبه".
لأنه لم يعد مقبولا أبدا أن تستمر الغمة البنكيرانية.
لقد فشل بنكيران كرئيس حكومة معين في أن يجمع حوله حدا أدنى من أغلبية، فتصرفت سلطة الملك الدستورية،  وأعفت بنكيران وعينت سعد الدين العثماني "من بين خيارات دستورية أخرى متاحة للملك "، حسب بلاغ الديوان الملكي آنذاك.
غضب الرجل، كطفل سحبت منه إحدى لعبه، ومنذها هو على حالته اللاعقلانية هاته، يهدأ تارة، و يهيج تارات، يفضح مجالس ويؤلف روايات...ديدنه التشيار ...بعيدا عن أي تحفظ أو وقار .
وحتى بالنسبة لادريس لشكر،  وإن كان بنكيران يحاول تحميله كل أوزار فشله و إعفاءه ( وهي تهمة لا ننفيها و شرف لا ندعيه كاتحاديين كان لشكر يفاوض باسمنا)، فقد كانت تأتي على بنكيران لحظات "كيهديه الله" وكيخفف شوية من حدته وشراسته اتجاهه. 
فما الذي، " زند جعرته " ياترى منذ زمن وحولها إلى حالة سعار مرضية؟؟.
خلال التحضير للمؤتمر الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي، حكى لي أحد الصحفيين المحترمين، عرف عنه هو ومنبره  قربهم من بنكيران ودفاعهم عنه،(وهو صديق لي منذ أن بدأمساره المهني )، وكنا نعد لتسجيل حوار حول تحضيرات المؤتم، حكى لي بأنه زار بنكيران في بيته كعادته ، و وجده في حالة غضب لا مثيل لها،  ولا اسم يتردد على لسانه غير لشكر،  ويقسم بأغلظ أيمانه بأنه "و الله لا تفاك معه فهذي".
سألته : وشنو هي هذي؟ 
فأجابني: زير النساء.
قلت مندهشا: كيف يعني؟
فرد: مؤخرا، كان لادريس لشكر مرور إعلامي و لما سأله الصحفي عن بنكيران،  أجابه ادريس بأنه يعرف عبد الإله منذ شبابه لما كان مسدول الشعر، عصري اللباس pattes éléphants،  وزير نساء لا يشق له غبار، يعني Don Juan. 
وهذي هي اللي بقات فبنكيران بزاااااف، وراه كيحلف لا تفاك معه.
وبذلك، نفهم الحالة البنكيرانية التي لا هي بالسياسية ولا الإيديولوجية ولا الثقافية في علاقته بادريس لشكر،  مهما حاول أن يغلفها و يمسحقها بمساحيق الحكومة والبلوكاج و التحكم ....وهلم تخريجات وتخربيقات. 
ادريس جايل بنكيران،  ويعرف نزواته و ميولاته وحتى انحرافاته (السياسية منها والأخلاقية) .
ومعلوم في علم النفس الاجتماعي والسلوكي بأن الطارئين على الطهر والطهرانية، والمتحورين مظهرا وأخلاقا، أكره ما يكرهونه هو أن يأتي دائما من يذكرهم كلما " زادوا فيه " بما كانوا عليه، وكأنه ينكأ جروحا، ويوخز ضمائرا، ويعري نفاقا ويسقط قناعا...
ولذلك تجد عدوانيتهم اتجاه هؤلاء أشد و أقسى عما دونهم من الناس.
وللحقيقة،  فليس ادريس لشكر وحده من ذكرنا بما كان عليه بنكيران،  فقد سبق لنا أن سمعنا وقرأنا حكايات من قادة حزبنا وشبيبتنا وفاعلون طلابيون وثقافيون وإعلاميون عما كان عليه بنكيران،  مظهرا و جوهرا، نزوة وسياسة وعمالة...
وادريس لشكر، لم يأت بجديد، بقدر ما ذكرنا بأن بنكيران لم يكن أبدا طهراني ولكنه كان زهواني، ولذلك هو عصبي وعدواني.

 

جواد شفيق / الرباط 24 ماي 2022