زهرو: الركائز السبع لخلق «دولة تدخلية» تجعل المغرب في صلب العملية التنموية 

زهرو: الركائز السبع لخلق «دولة تدخلية» تجعل المغرب في صلب العملية التنموية  رضوان زهرو، أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق عين الشق بالبيضاء
يمر العالم اليوم بأزمة حقيقية، أزمة لا نستطيع الإحاطة بجميع جوانبها ولا تقييم مختلف تداعياتها. أزمة اقتصادية ومالية وإجتماعية لم يشهد لها العالم من قبل مثيلا، منذ أزمة الكساد الكبير خلال ثلاثينيات القرن الماضي.
وفي المغرب، فالصعوبات والإكراهات عديدة ومتنوعة: ركود وبطالة وتضخم، صعوبات جمة تعيق نشاط وتنافسية المقاولات (الصغرى والمتوسطة والكبيرة)، مقاولات أضحت ضعيفة منهكة، تستجدي الدعم والمساندة، كذلك تدهور القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين، وهو ما يؤدي إلى تفشي القطاع غير المهيكل، إضافة إلى ارتفاع المتطلبات، وتراجع الناتج الوطني، وضعف في الاستثمار بنوعيه الخاص والعام، وتراجع في الإيرادات وندرة في الموارد، عجز في الميزانية وفي الميزان التجاري، نقص حاد في الاحتياطي من العملة الأجنبية (نتيجة تراجع حجم الصادرات ومداخيل السياحة..).
ضمان انطلاقة اقتصادية جديدة ناجعة ودائمة إذن، يفرض علينا حتما، مراجعة بعض اختياراتنا التنموية، خاصة في بعديها الاقتصادي والاجتماعي، لأننا اليوم أمام واقع مرير يطبعه الفقر والهشاشة، أي هشاشة الإنسان، حيث تعيش حوالي 70% من الساكنة اليوم ظروفا اجتماعية قاسية ولا تستطيع العيش بكرامة، وهشاشة المقاولات، إذ أن كثيرا من عمالها ومستخدميها لا تصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، بعيدا عن أي مراقبة أو محاسبة. ولأن جزءا كبيرا منها مرتبط بالخارج، ولأن القطاع غير المهيكل يهيمن على كثير من أنشطتها، فإن هذه المقاولات تعاني اليوم من اختلال مزمن في ماليتها، ونقصا حادا في خزينتها.
لكن القادم لا شك سيكون أسوأ وأمر، وما ينتظرنا كبير وكبير جدا، حيث إن بوادر أزمة حقيقية، تلوح في الأفق القريب، وتجاوز هذه الأزمة يقتضي في المقام الأول، كثيرا من التلاحم والتضامن، كما يقتضي كذلك وضع منهجية عمل واضحة، تحدد بدقة الأهداف والأولويات، عبر سياسات إقتصادية وإجتماعية، مالية ونقدية، توسعية ومنضبطة، إرادية وطموحة، من قبيل:
- الزيادة في الإنفاق العمومي وفي الإستثمار العام وفي حجم الشراكات عام/خاص، حفاظا على فرص الشغل المتاحة وعلى الطاقات الإنتاجية الوطنية.
- تمويل الاقتصاد، من خلال تمويل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، بالإعتماد على القروض الموجهة التي تستهدف بصفة خاصة، المقاولات المحتاجة أو تلك التي في وضعية صعبة، وتمويل الإبداع والإبتكار، بالإضافة إلى ضخ (من طرف البنك المركزي) مزيد من الأموال في النظام المالي وتخفيض معدل الفائدة الرئيسي، ومعدل الاحتياطي الإلزامي، من أجل إتاحة المزيد من السيولة لأجل الإقراض، مع الرفع من قدرة مناخ ممارسة الأعمال على التكيف مع الأزمات في المستقبل.
- التدبير الجيد والعقلاني لاندماج الاقتصاد الوطني في نظام العولمة، وفي مختلف الشراكات الثنائية والمتعددة الأطراف، حتى يصير هذا الإندماج بحق، اندماجا متوازنا، يحقق النمو، ويرفع من الدخل، ويساهم في تحسين المعيشة.
- إعادة الاعتبار للسوق المحلية، ودعم الطلب الداخلي.
- التفكير في وضع سياسة وطنية للتخزين الاستراتيجي على المديين المتوسط والبعيد، خاصة بالنسبة للمواد الأساسية، الغذائية والطاقية، وتوفير البنيات الأساسية لذلك، تحسبا لكل طارئ.
- تجنب ما أمكن، التبذير وسوء التصرف، مع الحكامة وحسن التدبير والتقليل من البدخ والنفقات غير الضرورية من طرف الجميع، إدارات وأسر ومقاولات؛ فليس كل ما نشتهيه ونريده يجب أن نتحصل عليه دائما.
- الإحساس أكثر، بالفقراء والمساكين والمحرومين والمسنين والمعاقين والعاطلين… ومساعدتهم وتمويلهم والتمكين لهم.
ويبقى الأهم من كل ذلك، هو التشبث بالأمل في المستقبل، والثقة في قدراتنا وإمكاناتنا ومؤهلاتنا، الثقة في مواردنا البشرية المبدعة والمبتكرة، والثقة في مزايانا التنافسية العديدة والمتنوعة.
إننا نحتاج اليوم، إلى “دولة تنموية”، “دولة تدخلية”، تجعل الإنسان في صلب العملية التنموية، ومحور اهتمامها وقراراتها، دولة تحسن قراءة الواقع جيدا، في ظل الظروف الحالية، وفي ظل السياق الدولي الذي نعيشه اليوم، والذي أقل ما يقال عنه أنه صعب ، مضطرب وغير مستقر يطبعه التوجه نحو الحمائية والإنغلاق؛  نحتاج إلى دولة تحدد التوجهات الإستراتيجية الكبرى  على المدى البعيد، تتوفر على رؤية اقتصادية واضحة، تقوم على هدف استراتيجي عنوانه البارز “إعادة البناء”؛ إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي لمغرب الغد، ذلك أن المطلوب اليوم، ليس مخططا طموحا للإقلاع، أو إستراتيجية تنموية شاملة، وإنما خطة ظرفية ومتدرجة، لإنعاش الاقتصاد وإعادة بنائه أولا، على أسس صلبة ومتينة، من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي من جديد؛ خطة تأخد بعين الاعتبار متطلبات “الأمن الاجتماعي” عند اتخاذ أي قرار، أو سن أي إجراء، أو تصميم أي مشروع في أي قطاع من القطاعات؛ خطة تحقق الشروط الدنيا “للدفاع الإجتماعي”، على غرار الدفاع الوطني، أو الدفاع عن الأمن القومي؛ وبذلك وحده نستطيع “تأمين التنمية” على المديين المتوسط والبعيد.
إن الجميع يتطلع إلى عودة الأمور إلى طبيعتها الأولى؛ وإن كانت هذه العودة في اعتقادي، لا تبدو سهلة، والتحسن في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لا شك سيكون بطيئا وسيتطلب وقتا طويلا، وإن مغرب الغد سيختلف من دون شك عن مغرب الأمس، بل إن العالم سيختلف عما كان عليه في السابق بتحدياته وبفرصه، مع توقع تغيير جذري في موازين القوى، وحدوث تحول عميق في الإستراتيجيات التنموية في العديد من البلدان ،حيث سنشهد في السنوات المقبلة، توجها أكبر نحو الإعتماد على الذات وعودة قوية إلى الإقتصاد الطبيعي أو ما يسمى ب”اقتصاد الإكتفاء الذاتي”، وذلك بالموازاة مع الإستمرار دائما في الانخراط في اقتصاد العولمة، لكن مع بعض المراجعات الضرورية؛ وإلا ستنهار هذه العولمة بالكامل؛ فكلما طال أمد الجائحة، زادت العقبات أمام تدفق الأشخاص والسلع والرساميل؛ والخوف كل الخوف أن تصبح هذه العقبات هي القاعدة، حتى يصبح الأمر طبيعيا مع مرور الوقت، ويصعب بعد ذلك التغيير والانطلاق من جديد.