عبد الخالق حسين: في خطورة الحكم العقدي على الناس

عبد الخالق حسين: في خطورة الحكم العقدي على الناس عبد الخالق حسين

للمفكر الشيوعي عبد الرحمان الشرقاوي، الأديب المصري وكاتب مسرحيات والمفكر، كتب عديدة في الإسلاميات.. وأغلب كتبه مثل "محمد رسول الحرية" وكتبه عن "الأئمة الأربعة" و"ابن تيمية" ومسرحياته مثل "الحسين شهيدا"، جرت عليه انتقادات شديدة بل "مظاهرات" في بعض العواصم العربية في الستينات، بحجة أنه يشوه التاريخ الإسلامي ويخدم أجندة يسارية..

يقول عنه صديقه المفكر الإسلامي نجيب الكيلاني في مذكراته: (التقيت عبد الرحمان الشرقاوي مصادفة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة؛ في موسم حج 1981؛ وكانت ترافقه السيدة حرمه، وكان يلبس جلبابا أبيض ونظارة سميكة.. وكان يتحدث حديث المؤمن الصادق؛ ولم يكن يشوب تصرفاته شائبة من "مراء أو ادعاء"؛ وأنا على يقين من أن الرجل كان "طيب القلب"، وكان نصيرا للحرية مرافعا عن حقوق الفقراء..).

من جهتي أقول: دائما عندما أعامل شخصا كيفما كان، أتذكر تواضع وحذر العارفين بالله كسيدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ الذي قال: "لو نادى منادي يوم القيامة، أن كل الناس في الجنة إلا واحد، لظننت أني أنا ذلك الواحد." هذه قولة تأسيسية في آداب النقد العقدي، إنه عمر، صحابي بشره النبي بالجنة؛ يتهم نفسه، ويتحفظ في حسم أمر الجنة والنار، القضية عنده أعظم من أنك مسلم.. واعظم من أنك صحابي.. وأعظم من أنك مبشر بالجنة.. وأخطر من أنك عشت مسلما.. أو أنك تعتقد أنك تخدم الإسلام!!..

القضية في جوهرها وحقيقتها؛ قضية "عقدية قلبية باطنية خفية"؛ ميزانها أدق مما نتصور ونتخيل؛ "ميزانها" لا يمكن تصور طريقة اشتغاله؛ إنه "ميزان الاخلاص" التي لا يعرفه حتى الملائكة المقربين..

إنك عندما تسمع النبي عليه الصلاة والسلام يحدد "أول من تسعر بهم نار جهنم" وهم ثلاثة: (مجاهد وقارئ قرآن ومتصدق) وكلهم عاشوا في الظاهر "مسلمون" مثلنا نحن.. وتفهم بأسلوب المخالفة أن جهنم لن تسعر ابتداء "لا بيهودي" و"لا بنصراني" ولا ببوذي" !!.. تكتسحك إن كنت صادق التوجه الى الله؛ لفحة من (الخوف والوجل والارتياب والارتباك والشفقة.. ويتزلزل باطنك؛ وتخرج على الناس راكضا كالأحمق تجأر في الطرقات !!.. تقول كما قال أحد الصحابة الأجلاء في مثل هذه اللحظة :" نافق حنظلة يا رسول الله!! .. ثم تمسك "لسانك وقلمك" عن الحكم عن (أعيان الناس) وتقرر أن تشتغل على نفسك أولا، وتسيطر على أهوائك أما خلق الله "فلست عليهم بمسيطر"...

لن تستطيع بعد اليوم أن تشير على "فلان أو فلانة" بأنه من أهل الجنة أو النار...

تأدب، وما يدريك لعل الله قد أذن، ولم يبق بينهم وبين النار إلا ذراع؛ فغفر لهم.. وأذن ولم يبق بينك أنت المسلم وبين الجنة إلا ذراع، فمقتك وأدخلك النار !!

فما بالنا "نحكم على الناس ونصنفهم" كأننا دخلنا الجنة وليس بشرنا بها فقط!!..

أخشى أن تكون الكثير من "الأسماء المثيرة للجدل عقديا "في واقعنا المعاصر، قد سبقتنا إلى الجنة "بعمل وإنجاز خفي" أو "بقلب خاشع نقي" أو "بإيمان مكتوم" لم يحن وقت إعلانه؛ أو "بصدقة صغيرة مخفية بينها وبين الله" تماما (كالباغية الإسرائيلية التي سقت الكلب) فنظر الله إلى قلبها، فشكر لها، فغفر لها، فأدخلها الجنة!!..

فما بالك بمن قد تكون سقت يوما "جريحا ينزف على أبواب بيت المقدس" وقتلت وهي "تصدح بالحق" على الأرض التي باركنا فيها للعالمين !!..

لقد علمنا أرباب التربية السلوكية قائلين: "عش بين الناس منكسرا، ولا تحمل عليهم الميزان".

رجاء أيها "المتدينون" ضعوا الميزان من أيديكم.. فالله هو وحده سبحانه الذي (رفع السماء ووضع الميزان).

 

عبد الخالق حسين، عضو المجلس العلمي لكلميم، خطيب مسجد عبد الله بن ياسين بكلميم