شجرة الأركان عنوان التفرد البيئي والحضاري والثقافي المغربي على الصعيد الدولي

شجرة الأركان عنوان التفرد البيئي والحضاري والثقافي المغربي على الصعيد الدولي انغير بوبكر
يحتفل العالم في 10 ماي من كل سنة  باليوم العالمي لشجرة اركان، وهذه المناسبة التاريخية العظيمة التي ستفتخر فيها الأجيال المقبلة كل سنة  ايما افتخار واعتزاز بهذه الشجرة النادرة الصبورة،التي طالما رافقت تاريخ المغرب العريق بكل تموجاته وكانت دائما عنوان للتفرد المغربي . فشجرة الأركان "َArganier Spinonsa » «  شجرة نادرة تصبر للحرارة العالية ومقاومة للجفاف وتعطي الشجرة الواحدة المثمرة  سنويا  ما بين 10 الى 30 كيلوغرام  من الثمار، وتوجد في مناطق قليلة في العالم، رغم محاولات عدد من الدول كالكويت وإسرائيل والمكسيك  استنباتها إلا  أن المحاولات لم تنجح لحد الان، تشكل غابات الأركان اليوم بالمغرب حوالي 8 في المئة من غابات المغرب أي حوالي 800000 هكتار وهذا ما يبين التدهور الكبير والتدمير الممنهج الذي تعرضت له الشجرة في مراحل تاريخية سابقة في المغرب . تساؤلات تطرح لدى الكثيرين داخل وخارج المغرب عن القيمة التاريخية والهوياتية لشجر أركان  واستعمالات زيت اركان المختلفة ، فكيف استوطن شجر وزيت أركان الكتابات التاريخية والجغرافية القديمة والوسيطية؟ وكيف تدخل المجتمع المدني لتنظيم مجال سلسلة أركان؟ وما واقع الشجرة اليوم في ظل التحولات والاكراهات المجتمعية والطبيعية المهددة لمجال الأركان ؟ وما هي بعض المقترحات التي بامكانها وقف تدهور غابات  أركان؟ تلكم بعض الاسئلة  التي حاولت مقاربتها في هذا المقال المتواضع .
 
أركان في بعض الكتابات التاريخية والجغرافية:
أن العديد من المؤرخين القدامى والرحالة ( البكري والادريسي و الزهري وابن خلدون وابن البيطار وليون الافريقي ومارمول كربخال ...) تحدثوا في مؤلفاتهم عن وجود مساحات كبيرة وكبيرة جدا من شجر الأركان بالمغرب وعن عادات غذائية وثقافة عريقة مرتبطة بعلاقة الساكنةالمغربية مع زيت الأركان، في هذا الاطار التاريخي   أشار  الجغرافي  الاندلسي البكري  -ابن امير امارة ولبة الاشبيلية المتوفى سنة 1094 بقرطبة-،  في سفره الثاني كتاب المسالك والممالك، "وقد طبع منه جزء سمي "كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، بالجزائر سنة 1857م الى وجود شجر الأركان بشكل  كثيف بالمغرب  الأقصى، إذ قال  بان في سوس زيت يسمى بزيت الهرجان  وشجره يشبه شجرة الكمثرى  كما يفصل  البكري في استعمالاته وطريقة جنيه ويلمح بشكل لافت  إلى الأدوار  الطبية والاستشفائية التي لعبها زيت الأركان في التداوي التقليدي لعدد من الامراض يقول البكري:
 
. "l’arbre qui la fournit ressemble au poirier ,si ce n’est qu’i s’élève seulement à la hauteur du bras et qu’il n’a pas de tronc : les rameaux sorte immédiatement de la racine et sont garnis d’épines .les fruits ressemblent  à des prunes noires .on les met en tas et l’on les laisse jusqu’à ce qu’ils se décomposent, puis on les place dans une poêle de terre que l’on met sur le feu .alors on peut en extraire de l’huile , dont le gout  ressemble à celui du blé grillé .c’est un aliment sain et agréable qui réchauffe les reins et facilite l’écoulement des urines. »
 في نفس المنوال ذكر  الجغرافي الاندلسي صاحب كتاب الجغرافية  أبو عبد الله الزهري  (المتوفى في أواسط القرن 12م حيث لم يعرف تحديدا تاريخ وفاته ولكن يرجح حسب محقق كتابه  ان يكون توفي قبل سنة 1161 م)  يقول  أبو عبد الله الزهري عن شجرة الأركان : " ومن عجائب هذا الصقع زيت ارجان وهو اسم بلغة المصامدة، يقع على شجر لا بالصغار ولا بالكبار، يلد حبا على قدر المشمش في صفته ولونه، وهو في ثماره كأنه النجوم في ظلام الليل غير أنه  لا لحم له ولا طيب، وانما هي جلود رقاق على انوية  غلاظ، فإذا طابت سقطت في الأرض فتجمع وتأكلها البهائم فترمي بانويتها في معالفها. فتجمع تلك الانوية وتكسر وهي صلبة الكسر، فيخرج منها لوز على قدر انويه  المشمس . فيطشش ذلك اللوز في المقلى على النار  ويطحن ويعصر  ويقطر منه زيت صاف  رقيق الأجزاء ،فيأكلونه ويسرجون منه .ويجلب الى اغمات  ومراكش  ولا يوجد هذا الزيت  في معمور  الأرض إلا فيها".  أما العالم الجغرافي  أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبدالله  بن ادريس الحمودي  الحسني المعروف بالشريف الادريسي المولود بسبتة عام 1100 م  والمتوفى على الأرجح بقرطبة عام 1166 م  فقد قدم توصيفا دقيقا لشجرة الأركان وطريقة تصنيعها وتحويلها لتصبح زيت قابلة للاكل وللاستعمالات المنزلية الأخرى في التجميل والاستضاءة .. يقول الادريسي  في كتابه الغني والثري نزهة المشتاق في اختراق الافاق :"وبهذا الجبل –يقصد جبل درن- شجر كبير يسمى  بالبربرية  أرقان وهي تشبه شجر الاجاص اغصانا و فروعا وأوراقا ولها ثمر شبيه بثمر العيون في اول نباته قشرته العليا  رقيقة خضراء فإذا تناهت اصفرت، لكنها في نهاية الفوصة والحموضة  وداخله نوى شبيه بالزيتونة المحدودة الراس، صلب  ولا يطيب طعم هذا الثمر البتة ،فاذا كان في اخر شهر شتنبر جمع ووضع بين يدي المعز فتبتلعه بعد ان تأكل قشرته العليا  ثم تلقيه عن بعد فيجمع ويغسل  ويكسر  ويدق لبه  ويعصر  فيخرج منه  دهن كثير صافي اللون عجيب المنظر، إلا أنه ليس بعذب  الطعم ،فيه ادنى حراقة وهذا الزيت كثير جدا معروف ببلاد  الغرب الأقصى  ولكثرته  يسرجون  به قناديلهم ويقلى به  الدخانيون الاسفنج  في الأسواق  وله اذا مسته النار رائحة كريهة .. ولكنه يعذب طعمه في الاسفنج  ونساء المصامدة يدهن رؤوسهن  به  على المشط فتحسن شعورهن  بذلك و تطول وتتكسر ويمسك الشعر على لونه من السواد." . بدوره ذكر المؤرخ  صاحب كتاب وصف افريقيا (كتاب تمت ترجمته الى اكثر من 6 لغات عالمية )،  الحسن بن محمد الوزان الفاسي  المعروف بليون الافريقي عند زيارته لبلاد حاحا  شجرة الأركان قائلا "ويوجد هناك –يقصد حاحا- عدد وافر من أشجار شائكة تثمر حبا كبيرا يشبه  الزيتون  الذي يأتينا  من اسبانيا ويسمى  هذا الثمر عندهم  بالهرجان، وتستخرج منه زيت كريهة الرائحة تستعمل مع ذلك في الطبخ والانارة."
يتضح من ما سبق ذكره ان شجرة الأركان كان لها دور أساسي في المنظومة المعيشية لسكان المغرب الأولين. لكن السؤال هو حاضر ومستقبل هذه الشجرة التي لها بعد تنموي وحضاري وهوياتي لا غبار عليه . للأسف الشديد تعرضت غابات الأركان لاجتثاث و تصفية ممنهجة في مراحل تاريخية في المغرب ، خصوصا وان مدنا كثيرة تم فيها اجتثاث غابات الأركان وتفويت مساحات الغابات لشركات البناء وغيرها  وأصبحت المقاربة الاسمنتية هي السائدة على حساب منظومة ايكولوجية تتدهور يوم بعد يوم . لحسن الحظ تحرك المجتمع المدني المغربي منذ بداية التسعينات للاهتمام بشجرة الأركان و قام بعمل جبار من اجل الترافع لإعادة الاعتبار لهذه الشجرة وبادر بانشاء جمعيات وتعاونيات تناضل وتعمل من أجل حماية ما تبقى من شجرة الأركان، وقد كان هذا الوعي البيئي المغربي بطبيعة الحال متأثرا بنمو الاهتمام الدولي بالبيئة وبتواتر تنظيم مؤتمرات دولية تحذر من الاستغلال الغير معقلن للموارد الطبيعية وهو ما يهدد الكون، ومؤشرات ذلك كثيرة من احتباس حراري وارتفاع نسب الكربون في الجو والتقلبات المناخية الخطيرة، كما ان المجتمع المدني المغربي تأثر كذلك  بالتيارات والتنظيمات البيئية الدولية وظهور ما بات يعرف بالأيكولوجية السياسية  وهي تيارات سياسية ومدنية تعتبر أن "الانسان ينسف ، وكل يوم بطريقة جديدة ،شروط بقائه وبقاء كل شركائه الاخرين، وانه بهذا المعنى هو المرض الأكبر للأرض، وأن الرهان الحقيقي –لوقف هذا النزيف الحاد –هو على المستوى الماكرو، ان تعيد الدول / الشعوب النظر جذريا في خياراتها  الاقتصادية والانثربولوجية المخربة للتراب والهواء والماء، وهو على المستوى الميكرو، أن يمنع أي شيء قد يسئ ، قد يهدد استمرار الحياة  فوق الكوكب. ترى  الايكولوجيا السياسية انه لا بديل لنا بالبقاء غير العمل جماعيا من اجل إعادة توجيه  الدينامية "التنموية" فيما يخدم اهداف رفاه البشرية  وكل المنظومات  الايكولوجية والحيوانية والنباتية الأخرى ."
 
ترافع المجتمع المدني من اجل الحفاظ على شجر اركان و تثمين زيته:
المجتمع المدني المغربي قام بمبادرات هامة ومحورية في التعريف بالمخاطر التي تستهدف غابات الأركان بالمغرب وتوج نضاله باعتراف  اليونسكو سنة 1994 بالمعارف والتقاليد المرتبطة بشجر الأركان  كممارسات شعبية فضلى يجب تثمينها في اطار الاحتفاظ على ممارسات تندرج ضمن خانة  التراث اللامادي للانسانية  وتلاه اعتراف اخر لليونسكو سنة  1999  بشجر الأركان  كثرات عالمي أساسي لحماية التنوع الايكولوجي الدولي وأصبحت غابات  الاركان محمية طبيعية  دولية ، ثم استحقت شجرة الأركان بكل جدارة تصنيفها كتراث ثقافي لا مادي للبشرية من قبل (اليونسكو) سنة 2014، وكنظام للتراث الزراعي العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) سنة 2018، قبل ان يتوج كل هذا المسار الترافعي النضالي بإقرار يوم 10 ماي يوم دولي لشجرة الأركان و إقرار  هذا اليوم هو تكريم لكل اللواتي و الذين ضحوا وناضلوا واستبسلوا في سبيل الحفاظ على هذه الشجرة الخالدة، إلا أن  هذا الاعتراف الدولي من قبل اليونسكو  لم ترافقه  إجراءات عملية من أجل وقف  تدهور غابات الأركان واستمرار استنزافها من قبل مافيات الفحم ومن قبل الرعي الجائر الذي ينخر سنويا غابات أركان.
لوقف هذا التدهور والسعي لجمع المشتغلين بمجال الأركان خاصة ذوي الحقوق، تم تأسيس الفيديرالية  الوطنية لذوي الحقوق مستغلي مجال الأركان  بمدينة الصويرة يوم 26 مارس 2011 وقد جمعت الجمعية الوطنية تمثيلية الأقاليم التي يتواجد فيها الأركان  بالمغرب، ساهمت الجمعية منذ تأسيسها في بلورة برامج عمل تتعلق أولا بتقييم الحالة الراهنة  لقطاع الأركان  والبحث عن طرق قانونية وعملية لتحسين جودة المنتوجات  وتشجيع برامج البحث والتنمية من خلال  تشجيع الابتكار  وتشجيع وتعميم التعريف بالمنتوجات الفلاحية ومنتجات الصناعات الغذائية المشتقة منها .. كما تأسس فيما بعد  التنظيم  الوطني  البيمهني الذي  يجمع عدد من المتدخلين في قطاع الأركان (ذوي الحقوق- الشركات – التعاونيات ...) ، كما تم تنظيم مؤتمر دولي للاركان الذي ينعقد بشكل دوري وتلتئم فيه كل الفعاليات الدولية والوطنية المشتغلة في مجال الأركان من خبراء ومهنيين ومؤسسات عمومية..  
على أرض الواقع  بذلت مجهودات معتبرة وهامة في السنوات الأخيرة  من طرف التعاونيات والجمعيات العاملة في قطاع الأركان حيث اصبح عدد التعاونيات الفلاحية النسوية-خصوصا- كبيرا كما ونوعا واستفادت من تكوينات تأطيريه هامة في مجالات مختلفة كما ساهمت هذه التعاونيات النسوية في تنمية مداخيل الاسر الفقيرة التي تعول على مداخيل  بيع زيت الأركان لاعالة أسرها.  كما لا يجب ان نغفل المجهودات الكبيرة والمعتبرة التي قامت بها وزارة الفلاحة المغربية و المندوبية السامية للمياه والغابات  في الاعتناء بهذه الشجرة وادماجها في ظل سلاسل الإنتاج التي يتم تمويلها. وبالفعل فقد استمر تخليف أشجار الأركان و باتت الشجرة تحظى باهتمام متزايد و اصبح الطلب العالمي على زيت الأركان يتزايد باضطراد خصوصا انه  اصبح يستعمل في الصناعات التجميلية والصناعات الدوائية  واصبح زيت الأركان  مطلوبا لدى كبريات المختبرات الدولية.
 
الاكراهات التي تعترض مجال شجر أركان  و بعض المقترحات الضرورية لحماية غابات اركان من التدهور:
- الاشكال القانوني المتعلق بالمنظومة القانونية التي تؤطر شجر الأركان حيث ان الظهائر المعمولة بها في تنظيم الشجرة تعود للمرحلة الاستعمارية ولم يتم تغييرها لحد الان بشكل جذري لتحويل الشجرة من شجرة غابوية محضة الى شجرة مثمرة، مما يجعل علاقة الساكنة بقطاع المياه والغابات  ببلادنا في الغالب  يشوبها التوجس والريبة  وعدم التعاون .
- ضعف استفادة المرأة القروية من عائدات شجرة الأركان بفعل سيطرة الوسطاء وغلبة مقاربة السوق والربح على منطق تحسين مدخول النساء وتنمية وضعيتهم الفعلية.
- ضعف وتيرة تشجير شجر الأركان بفعل تخوف السكان من جهة من تفويت ارضيهم  ومن جهة أخرى بسبب ضعف التواصل المؤسساتي وعدم الاهتمام بتوفير اراضي للتشجير في وقت تتدهور فيه غابات اركان يوم بعد يوم.
- الاعتداءات المتكررة من طرف الرعاة الجائرين  ومافيات بيع الفحم من جهة ومن جهة أخرى الحرائق التي تستهدف غابات الأركان سواء بشكل متكرر مقصود أو غير مقصود.
 
خاتمة:
في ظل هذه الاكراهات التي يعيشها قطاع الأركان وفي خضم المجهودات التي تبذلها الدولة ومؤسساتها والمجتمع المدني الفاعل  من اجل انعاش قطاع الأركان وتنمية مجاله وتحسين ظروف عيش المشتغلين فيه، لابد من تعبئة وطنية ودولية حقيقية من اجل تنمية هذا القطاع الذي تعول عليه بشكل كبير نساء قرويات فقيرات ومحتاجات من أجل تحسين وضعيتهن السوسيواقتصادية فشجرة الأركان والمرأة متلازمان في التهميش والتنمية في مجال الأركان، اذا نميت احدهما انعكس ذلك وجوبا على الثاني،   ومدخل تنمية القطاع لن يكون إلا  بإبعاده  عن  منطق المضاربات الرأسمالية  والعمل من اجل تنمية حقيقية تستند على تثمين المنتوج و الحفاظ على جودته و تشجير ملايين الهكتارات من شجر الأركان وتشجيع المقاربات التشاركية المندمجة مع ذوي الحقوق و دعم الفلاحيين الصغار وتشجيعهم على الاعتناء بشجرة الأركان.
 
انغير بوبكر
*عضو مؤسس للفيديرالية الوطنية لذوي الحقوق مستغلي مجال الأركان
*عضو مؤسس للفيديرالية البمهنية لقطاع الأركان
*المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان
*عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة كلميم واد نون