محمد حفيظ: عبد الرحيم أريري.. الصحافي الذي جعل الميدان موطنه الدائم

محمد حفيظ: عبد الرحيم أريري.. الصحافي الذي جعل الميدان موطنه الدائم عبد الرحيم أريري (يمينا) رفقة محمد حفيظ
على هامش تكريم مقاطعة المعاريف بالبيضاء للزميل عبد الرحيم أريري، مدير موقع "أنفاس بريس" و"الوطن الآن"، في حفل احتضنه أحد فنادق المدينة يوم الجمعة 6 ماي 2022، أدلى الزميل الصحفي والأستاذ الجامعي محمد حفيظ ، بشهادة في حق المحتفى به، ننشرها كاملة:
 
ترجع معرفتي بعبد الرحيم أريري إلى أكثر من 30 سنة. وهو ما يجعل الحديث عن هذا العمر في بضع كلمات أمرا صعبا. ومع ذلك، سأحاول أن التزم بما يفرضه المقام؛ مقام هذا تكريم صحافي في مناسبة غنية عن أي تعليق؛ وهي اليوم العالمي لحرية الصحافة.
 
1- لقد جمعتني بعبد الرحيم أريري، أولا، علاقة قارئ بصحافي. كنت حينها مناضلا في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والشبيبة الاتحادية (كنت مسؤولا بالشبيبة الاتحادية بفرع بنمسيك سيدي عثمان، وبالمكتب الإقليمي بالدار البيضاء). ولا يمكن، حينها، أن تنتسب إلى الاتحاد الاشتراكي أو الشبيبة الاتحادية ولا تقرأ جريدة الحزب. لم تكن الجريدة (هكذا كنا نسمي جريدة "الاتحاد الاشتراكي") فقط وسيلة من وسائل الإخبار، أو وسيلة للتواصل الحزبي الداخلي والخارجي، بل كانت وسيلة من وسائل التكوين السياسي والفكري.
وبما أننا نقطن بمدينة الدار البيضاء، حيث يوجد مقر الجريدة والمطبعة، فقد كنا نستفيد من هذا القرب، إذ كنا من الأولين الذين يحصلون على الأعداد اليومية للجريدة، التي كانت تصدر طيلة أيام الاسبوع 7/7، حيث كنا نقتنيها مباشرة بعد الطبع والتوزيع في الساعات الأولى من المساء من عند باعة الصحف على  الأرض وفي ملتقيات الطرق الذين كانوا أول من يباشرون البيع المسائي (رومبوان شيمي كولور، ساحة السراغنة، كافي دو فرانس... الخ).
كانت صفحات جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، إذن، هي مكان لقائي الأول بعبد الرحيم أريري. وكنت من خلال مقالاته الصحافية أستريح من قراءة المقال السياسي أو الفكري الذي لم يكن عدد من أعداد الجريدة يخلو منه، حيث كان يكتب في المجتمع، وخاصة في ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي.
كانت مقالات أريري تنقلنا إلى المجتمع وإلى شؤوننا المحلية التي نصادفها بمجرد أن نغادر منازلنا. بفضل أخباره وتقاريره، كنا نعرف ما يجري على الأرض وفي الواقع اليومي للمغاربة.

 
2- بعد ذلك بسنوات قليلة، ستجمعني بأريري علاقة مباشرة استمرت إلى اليوم وبشكل شبه يومي. كانت المرة الأولى التي سألتقيه فيها بشكل مباشر في بداية التسعينيات. كان ذلك بفضل والدي رحمه الله، حيث اكتشفت حينها أن عبد الرحيم "صاحب الوالد". وهي العبارة التي ظل عبد الرحيم يستعملها، كلما التقينا بشخص يعرفني أو يعرفه، إذ يُسرع، خلال تبادل التعارف، ليقول لمخاطبنا (هذا راه ولد صاحبي.. عرفت بَّاه قبل ما نعرفو).
كان اللقاء المباشر بحينا في سيدي عثمان، وبالضبط بشارع أبي هريرة على بعد أمتار من منزلنا. كنت عائدا حينها إلى المنزل، فإذا بي أشاهد جمعا غفيرا من الناس من بينهم والدي رحمه الله، جالسين القرفصاء (استعملت هذه الكلمة، وأنا أعرف أنها ستنال بعضا من تعليق عبد الرحيم الذي لا يخلو من "تنكيل"، إذ سيرد على الفور: "تكلم بالعربية وقل: "جالسين قفازي") ويتحلقون حول شخص. لما اقتربت، لمحت ذلك الشخص منهمكا في الكتابة على مجموعة من الأوراق بين يديه والناس يتحدثون إليه. ولما أمعنت النظر ظهر لي أنه الصحافي بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" عبد الرحيم أريري، الذي كان يناديه والدي (إريري) بكسر الهمزة.
وهذه حكايتي مع الاسم العائلي لعبد الرحيم. رغم حرصي على تصحيح الاسم لوالدي كلما تحدث عن عبد الرحيم، ظل دائما يَكْسِر همزته. كنت دائما أتساءل: لماذا يناديه والدي إريري (بكسر الهمزة). وخَمَّنت أنه ربما في أول مرة قرأ والدي مقالا لعبد الرحيم بجريدة "الاتحاد الاشتراكي"، كان اسمه مكتوبا دون إظهار الهمزة (وهو ما نجده إلى اليوم في عدد من الكتب، حيث لا يُبرز عدد من الكتاب وكذا بعض المطابع الهمزة، كما لو أنها ليست حرفا من حروف العربية). وبما أن الألف كانت مكتوبة، فقد اختار والدي، عند قراءة الاسم، أن يزيد الهمزة ويكسرها، فاصبح الاسم العائلي لعبد الرحيم عند والدي هو (إريري). وبقي "صاحب الوالد" هو (إريري)، وصاحبي أنا هو (أريري). وهكذا تقاسمنا، أنا ووالدي، همزة عبد الرحيم؛ والدي يكسرها، وأنا أفتحها.
أعود إلى ذلك الجمع بحينا، الذي سألتقي فيه لأول مرة، بشكل مباشر، مع عبد الرحيم. كان الأمر يتعلق بأحد المشاكل التي كان يعاني منها حينا؛ أظن أنه كان يتعلق بالتطهير، حيث لم تكن السلطات المعنية بتدبير هذا القطاع تنهض بمهامها كما ينبغي، وهو ما يتسبب للسكان في عدد من المشاكل ذات الصلة بأوليات التدبير المحلي، من قبيل النظافة والطريق والإنارة. وكان والدي رحمه الله تكلف بالاتصال بصحافي "الاتحاد الاشتراكي" أريري، وترتيب لقاء له مع الساكنة المتضررة للاستماع إليها وجمع المعلومات والشهادات.
صورة ذلك الجمع لم تغب عني إلى اليوم. فكلما تحدثت إلى أريري وأخبرني بأنه في هذه المدينة أو تلك القرية، في الصحراء أو الجبل، يظهر لي هذا المشهد: أريري ومصادره الكُثُر جالسين القرفصاء، هو وسطهم حاملا قلما وأوراقا، وهم متحلقون حوله، يتحدثون جميعهم دفعة واحدة، وهو منهمك في الكتابة بسرعة على الورق، حتى لا تضيع أية معلومة من هذا المصدر أو ذاك.
وحكاية "الورْقة وستيلو" لا أزال أعيشها مع أريري إلى اليوم. وقد عشتها معه قبل أيام، خلال رمضان الذي ودعناه قبل أيام. يحدث أن نكون في مقهى أو مطعم، نتبادل أطراف الحديث والنقاش، حتى ينادي على النادل (عافاك شي ورقة وستيلو). بل يحدث أن يكون ماشيا، فيتوقف عند بقال أو محلبة، ودون سابق إنذار، يخاطبه (عافاك شي ورقة وستيلو)، لأن فكرة خطرت له، أو معلومة وصلته، فيسرع إلى تسجيلها وتدوينها على الورق حتى لا تضيع منه. أريري لم يعوض "الورقة وستيلو" بالهاتف الذكي، الذي يوفر لمستعمليه مساحات لا محدودة للكتابة، مثلما يوفر ما لا يعد من الأقلام، رغم أنه يواكب الثورة الرقمية ويملك ما استجد من الهواتف الذكية.

 
3- بعد أن جمعتني صفحات جريدة "الاتحاد الاشتراكي" بعبد الرحيم أريري نهاية الثمانينيات، سيجمعني به مقرها، منتصف التسعينيات.
كان ذلك، حينما انتقلنا، في أسبوعية "النشرة"، من مقر الشبيبة الاتحادية بالرباط، حيث كانت جريدة الشبيبة الاتحادية تطبع بمطابع خاصة، إلى مقر جريدة "الاتحاد الاشتراكي" بالدار البيضاء، حيث أصبحنا ننجز أعدادها بالأقسام الفنية لجريدة الحزب وأصبحت تطبع بمطابع الحزب.
وتشاء الصدف أن يكون المكتب الذي سأستولي عليه (هذه حكاية أخرى، تحدثت عنها في كتاب "اليوسفي كما عشناه"، الذي أصدرناه، الصديق أحمد بوز وأنا، الصيف الماضي) ملتصقا بالمكتب المحسوب على أريري. كان تقسيم المكاتب موزعا على مجموعات، كل مجموعة تتضمن أربعة مكاتب تقابل بعضها بعضا.
لم أقل "مكتب أريري"، وإنما استعملتُ عبارة "المحسوب على أريري"، لأنني لاحظت حينها أن أريري كان قليل الجلوس في المكتب، إلى درجة يبدو فيها أنه ليس لديه مكتب بمقر الجريدة، وحين تصادفه على كرسي المكتب يظهر كما لو أنه في وضع "اللاجئ"، الذي يتحين الفرصة للعودة إلى موطنه الدائم، وهو الميدان. فمكتب أريري الفعلي هو الميدان، هو الجلوس مع الناس، حيث يكونون، وحيث مشاكلهم وقضاياهم، وحيث الأحداث والوقائع التي تصلح لتتحول إلى مادة صحافية. كان يمر على مكتب الجريدة، إما لأخذ وثيقة، أو مراجعة مادة قيد النشر أو لقضاء مآرب أخرى.
لقد اختار أريري منذ البداية العمل الصحافي الميداني، وليس المكتبي. ولا يزال على هذا الاختيار. فلا يكاد يمر يوم دون أن تجده يتجول في هذا الحي أو ذاك، أو في هذه المدينة أو تلك القرية. وكثيرا ما يباغتني بكثرة تنقلاته. يحدث أن أكون قد التقيته مساء أو ليلا، وإذا بي في اليوم الموالي أعلم أنه "صْبْح" في مدينة أو قرية تبعد بمئات الكيلومترات عن الدار البيضاء، وفي مختلف جهات البلاد، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا.
ويمكن أن أزعم أن أريري هو الصحافي المغربي الوحيد الذي يكون قد قطع أطول المسافات في المغرب، وزار أكثر المناطق والجهات بالمغرب. ولعل عدّادات المسافات بسياراته تؤكد ما أقوله. بل أزعم ألا أحد من المسؤولين المغاربة، كيفما كانت مسؤولياته أو المدة الزمنية التي قضاها في المسؤولية، قد زار الجهات والمدن والقرى التي زارها أريري.
في مقر الجريدة، جمعتنا أحداث ووقائع لا تخلو من طرائف وتواطؤات. وهنا، أذكر الحوار الشهير الذي أجراه أريري مع الأخ محمد الساسي، مباشرة بعد وفاة الملك الحسن الثاني، ونُشِر على صفحات "الاتحاد الاشتراكي" نهاية الأسبوع الثاني على الوفاة (بالضبط يوم 7 غشت 1999)، بعنوانه الشهير: "من يحب ملكه عليه أن يقول له الحقيقة كاملة". تفاعل أريري مع حدث رحيل ملك وتولي ملك جديد، والتقط بحسه الصحافي هذا الحدث السياسي الذي يفترض أن ينقل المغرب إلى عهد جديد، وبدأ سلسلة حوارات مع عدد من الفاعلين السياسيين والباحثين الأكاديميين. وكان لحواره مع محمد الساسي، القيادي البارز بحزب الوزير الأول حينها، وقع القنبلة، في الأوساط السياسية وفي محيط الملك الذي لم يكمل بعد أسبوعه الثاني على جلوسه على كرسي العرش، وعلى الحكومة التي تتلمس طريقها مع ملك جديد، وعلى الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي الذي كان في الوقت نفسه مدير الجريدة.

 
4- في سنة 2002، سينهي أريري شوطا من تجربته الصحافية، ليدخل شوطا آخر، بتأسيس تجربته الخاصة، انطلقت بإصدار اسبوعية "البيضاوي"، بنفس محلي، لتتحول بعد خمس سنوات تقريبا، إلى "الوطن الآن"، بنفس وطني ظل وفيا للتتبع الدقيق للشؤون المحلية. وتواصلت هذه التجربة مع الصحيفة الإلكترونية "أنفاس بريس".
سيختار أريري الانتقال إلى تجربة أخرى، مغادرا الجريدة الحزبية "الاتحاد الاشتراكي"، رغم أنه كان يحظى فيها بوضع اعتباري متميز، ولم يكن خافيا أنه كان يحظى بدعم ورعاية من مديرها والكاتب الأول للحزب عبد الرحمان اليوسفي.
وإذا كان لي أن أتحدث عن تجربة أريري ما بعد "الاتحاد الاشتراكي"، فيمكن أن الخصها في كلمتين: المغامرة والمقاومة. نعم، كان موضوع هذه التجربة هو المغامرة، وكان عنوانها الأبرز هو المقاومة. وهي التجربة التي نتابعها إلى اليوم، ونحياها مع أريري وفريقه الصحافي.
ولم تخل هذه التجربة الخاصة من أحداث تدخل في باب "المخاطر المهنية". وأحيل هنا إلى الاعتقال الذي سيتعرض له أريري في صيف 2007، بسبب عمله الصحافي. 
في الصباح المبكر من يوم الثلاثاء 17 يوليوز 2007، سيصلني خبر اعتقال صديقي وزميلي عبد الرحيم أريري من منزله، حيث بوغت باقتحام عناصر الأمن لبيته وهو لا يزال نائما، وجرى توقيفه ونقله إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
سيتبع هذا الاعتقال، في اليوم نفسه، اعتقال زميل بالجريدة، واقتحام أكثر من 20 عنصرا من عناصر الأمن لمقر "الوطن الآن" وتفتيشه، وحجز أرشيف الصحيفة والحاسوب الشخصي لأريري وهاتفه الخاص...
سنعلم أن الاعتقال له صلة بملف أنجزته أسبوعية "الوطن الآن" بعنوان "التقارير السرية التي حركت حالة الاستنفار بالمغرب"، ونشرت ضمنه وثيقة بعثت بها إحدى الأجهزة العسكرية (المكتب الخامس الذي يقوم بمهام المخابرات العسكرية) إلى الحاميات العسكرية، تدعو فيها إلى رفع درجة التأهب الأمني والحيطة والحذر من هجمات انتحارية دعت إليها إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة.
الاعتقال والكيفية التي جرى بها، وتفتيش مقر الصحيفة وحجز أرشيفها، وتمديد الحراسة النظرية 96 ساعة × 96 ساعة (ثمانية أيام)، جعلنا، صحافيين ومناضلين حقوقيين، نتحرك بسرعة، فاجتمعنا وأسسنا اللجنة الوطنية للتضامن مع "الوطن الآن"، واختارني الزملاء الصحافيون والحقوقيون منسقا لها.
كان للتضامن القوي من طرف الزملاء الصحافيين مع "الوطن الآن"، وردود الفعل القوية من الحقوقيين وجمعياتهم، داخل المغرب وخارجه، دور في تحويل مجرى القضية. فبعد أن كان هناك توجه "متشدد"، ظهرت ملامحه من خلال طريقة توقيف أريري، والمدة التي وضع فيها رهن الحراسة النظرية، وتمديدها 96 ساعة، سيتم اعتماد توجه آخر بإحالة ملف القضية إلى المحكمة الابتدائية كجنحة، ومتابعة أريري في حالة سراح.

 
5- استطاع عبد الرحيم أريري أن يرسم لنفسه، منذ البداية، أسلوبا خاصا به في الكتابة الصحافية (حتى لا أقول خطا تحريريا): ومن مميزات هذا الأسلوب اعتماده لغة بسيطة، سهلة، سلِسة، لا تَكَلُّف فيها ولا استعراض. تشعر وأنت تقرأه أن ما يشغل باله ويسعى إليه بالأساس هو أن يوصل إليك المعلومة، دون أن يُتعِبك أو يُتعب نفسَه. وكان يحرص على أن ينقل إلى القارئ الوقائع والأحداث، لا أن ينشغل بالسبك والإنشاء.
كان يستعين بزملائه الذين يطمئن إلى حدسهم اللغوي. وكثيرا ما تسمعه ينادي أحدهم بصوت مرتفع داخل قاعة هيئة التحرير بجريدة "الاتحاد الاشتراكي"، طالبا بشكل مستعجل التأكد من سلامة عبارة أو من كتابة كلمة. وقد كنت من بين هؤلاء الذين "يفرض" عليهم أريري التدخل للإنقاذ. وكان أصعب ما يطلبه أريري هو حين يطلب كلمة أو عبارة بالعربية الفصحى تقابل كلمة أو عبارة من الدارجة، إذ يفرض عليك طلبُه أن توقف عملك وتبدأ في التفكير معه. ولم يكن يقبل بأي جواب، إذ في بعض الأحيان لا يقتنع بـ"الخدمة" المقدمة. وأتذكر، هنا، واقعة لم تغب عني أبدا. ففي أحد الأيام، وبينما أنا منهمك في إعداد صفحات "النشرة"، سيباغتني أريري، وهو بصدد كتابة مقال، بتقديم كلمة من العربية الفصحى تقابل كلمة "شُوْقْرُو" التي تستعمل في الدارجة. توقفت عن عملي، وأنا أفكر في الكلمة أو العبارة المناسبة، زاد شارحا معنى هذه الكلمة: "كنقصد واحد ضرب شي واحد بالشاقور"، فقلت على الفور: "ضربه بالساطور". نظر إلي كاشفا بملامحه عن عدم اقتناعه بالجواب، قائلا: "لا.. لا تعبر بالضبط عن المعنى الذي تفيده الكلمة التي نستعملها في الدارجة"، وأنهى تعليقه بأنه سيستعمل الكلمة الدارجة ليصل المعنى إلى القارئ بالدقة المطلوبة. وكذلك كان، إذ استعمل "شَوْقَرَه".
ومما تميزت به الكتابات الصحافية لأريري، وبشكل مبكر، تقديم الأرقام. نادرا ما تجد مقالا لأريري خاليا من الأرقام والنسب. وحدث مرة أن أحصى عدد الفئران التي تقطن في العاصمة الاقتصادية، وتتجول تحت أقدام البيضاويين. ومعلوم أن الأرقام في الصحافة تعد إحدى أهم المعطيات التي تجعل المعلومة ناطقة، وتكفي القارئ تكبد عناء الشرح والتفسير والتعليق.
هذا الأسلوب عُرف به أريري وهو بجريدة الحزب. وهو الأسلوب الذي سيرسخه في تجربته الصحافية والإعلامية الخاصة. وهو اليوم يعتمد نفس الأسلوب في المحتوى السمعي - البصري الي يقدمه بشكل منتظم على "أنفاس TV"، بعنوان "في الصميم". فلا يكاد متتبع التجربة الصحافية والإعلامية لعبد الرحيم أريري يجد فرقا بين أريري المقروء وأريري المسموع - المرئي، حيث البساطة والسهولة والوضوح والسلاسة والتلقائية، دون تصنع أو تكلف أو استعراض، صوتا وحركةً وملامح...

 
6- استحق أريري أن يكون أحد أبرز الصحافيين المختصين في تتبع تدبير الشأن المحلي. وبدأ هذا "التخصص الصحافي" بتقاريره المتميزة عن الدار البيضاء. وبفضلها، يُعد  أريري الصحافي رقم 1 الذي كتب عن العاصمة الاقتصادية، حجما ونوعا. وقد لا يوجد حي بأكبر مدينة بالمغرب أو درب أو شارع لم يكتب عنه أريري.
وبالفعل، فقد أرسى أريري أسس تخصص في الصحافة المغربية. ساعده في ذلك تكوينه القانوني، وتجربته في العمل الجماعي، حيث كان مستشارا جماعيا باسم حزب الاتحاد الاشتراكي بالجماعة الحضرية لسيدي البرنوصي، خلال الولاية من 1992 إلى 1997، وكذا حسه الصحافي الذي اكتسبه في الميدان.
وفضلا عن ذلك، لعبد الرحيم أريري قدرة هائلة على التواصل، ومع مختلف الفئات والشرائح، وهو ينجح في التواصل مع الجميع دون أن يغير من أسلوبه أو شكل حديثه، أو صوته أو لكنته.
ولا بد، وأنا أنهي هذه الشهادة، أن أشير إلى أن صديقي عبد الرحيم أريري إنسان يعشق الحياة، ويحب أصدقاءه، ولا يرتاح إلا إذا جعلهم يعشقون الحياة. ضحوك ومضحاك..  يضحك ملء ما أوتي من قوة خلال لحظات الانشراح.. وينقل إليك الفرح كيفما كانت حالتك.