زكرياء عبد المجيد:أما آن لصوت الحكمة أن يصدح!؟

زكرياء عبد المجيد:أما آن لصوت الحكمة أن يصدح!؟ زكرياء عبد المجيد
ترددت كثيرا في الخوض في هذا الموضوع، ومن يعرفني عن قرب يعرف أنني أنأى بنفسي عن الحديث في المواضيع الجدلية التي تكون فيها وجهات النظر متباينة حد التناقض، عملا بالحكمة القديمة، إذا كان الكلام من فضة فإن الصمت من ذهب، لكن ليس الصمت دائما علامة الرضى!! فالصمت في بعض الأحيان عن قول الحق وتقديم الشهادة وإن لم تُطلب منك، فهو من باب الساكت عن الحق شيطان أخرص!
سبب هذا الذي أكتبه، هو ما يتعرض له الدكتوران نزهة العرش وزوجها وزميلها في العمل طارق توا الطبيبان الأخصائيان بمستشفى الحسن الثاني بالداخلة، من حملة ممنهجة للتضييق وتصفية الحسابات، و"تجرجير" لايمكن قبوله مهما كانت الظروف والمبررات!!
دعوني أوضح في البداية، أنني لا تجمعني مع الطبيبين أي علاقة قرابة، أو صداقة، أو مصالح! ما يجمعني بهما هو معرفتي بهما عن قرب كمريض ومرتفق لهذا المستشفى الذي بقيت أتردد عليه أنا وأسرتي طيلة مدة إقامتي بالداخلة، بحكم أنها المؤسسة الاستشفائية الوحيدة بهذه المدينة الى جانب طبعا المستشفى العسكري.
الدكتور طارق وزوجته نزهة، اللذان أصبحا حديث العامة والخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، لايجادل أحد في كفاءتهما، فالبعيد قبل القريب، يشهد لهما بالمهارة والإتقان في أداء مهامهما كأخصائيين استطاعا في وقت وجيز إنجاز أعقد العمليات الجراحية، في ظل ظروف "صعبة" من حيث المعدات وظروف العمل، ورغبة البعض في جعل مستشفى الحسن الثاني "محطة استقبال وتوجيه evacuation" عوض مؤسسة للاستشفاء وتقديم الخدمات الطبية الضرورية، خصوصا لفائدة فئة من المرضى، ممن تعوزهم الامكانيات للتنقل لمدن الأخرى للعلاج!
لقد استطاع الدكتور توا إجراء عمليات معقدة في جراحة العظام الى جانب زملائه من الأطباء والممرضين، تضاهي تلك التي تجرى في كبريات المصحات الخاصة في الرباط والدار البيضاء، وبالمجان! مثله في ذلك مثل زوجته التي يشهد لها الجميع بكفاءتها في مجال تخصصها (طب وتوليد النساء) وقد استطاعت إجراء تدخلات جراحية دقيقة، خففت على كثير من النساء قساوة التنقل الى مدن تبعد عن الداخلة ب1000 و 1500 كيلومتر!
إلى جانب الكفاءة والحنكة، أشهد أمام الله أن الطبيبان يمتازان بقدر كبير من حسن الخلق، ونكران الذات، وتقديم يد المساعدة لمرضاهم، وقد حدث أن تعرض ابني لكسر مزدوج في يده ذات مرة، وكانت تصادف عطلة العيد، بحيث لم يكن الطبيب المداوم متواجدا في المدينة، وكان يلزمني أن أنقل ابني بيده المكسورة إلى العيون أقرب مدينة، على بعد أكثر من 500 كيلومتر!!! فاتصلت بالدكتور #توا أطلب استشارته، فما كان منه إلا أن اقترح علي أن يجري هو التدخل الطبي رغم أنه لا يدخل ضمن اختصاصه، كطبيب للبالغين وليس للأطفال.. مع ما يعني ذلك من تحمل للمسؤولية وتبعات أي مضاعفات لاقدر الله! لكن حينها عرفت أن الرجل إلى جانب مهنيته، وحنكته، وحبه لعمله، يمتاز بقدر كبير من الانسانية..
أضف إلى كل هذا وذاك، أن الطبيبان مستقران بمدينة الداخلة منذ قدومهما، وهذا الكلام لن يعرف معناه إلا من عاش بالمدينة، ويفهم طريقة تدبير تواجد الاطباء الاخصائيين بها! وهذا ليس موضوع حديثنا..
اليوم يتعرض الطبيبان الزوجان لحملة تضييق لن أخوض في مسبباتها وتفاصيلها، لكن لن ينكر أحد رائحة الانتقام التي تنبعث منها بقذارة! اليوم الدكتور طارق موقوف عن العمل منذ فبراير الماضي، طبعا بدون أجر! وزوجته تم استدعاؤها للمثول أمام مجلس تأديبي الاسبوع المقبل وما يستتبع ذلك من إجراءات قد تصل حد ما نال زوجها من توقيف عن العمل ومنع للأجر! … وماذا بعد؟ هل تخيلتم معنى أن يتم قطع رزق طبيبين وحرمانهما من الحق في الحياة وهما الأبوين لثلاثة أطفال صغار! هل يدرك من يقف وراء هذه القرارات الانتقامية، معنى أن تحارب شخصا لمجرد أنه يختلف معك في الرأي أو التقدير أو التدبير أو إدارة المصالح…؟!
هل يمكن أن نتحول إلى قانون الغاب، يأكل فيه القوي الضعيف، ويستقوي فيه صاحب النفوذ بنفوذه، ويسحق فيه صاحب المنصب من هو دونه، لمجرد أنه رفع صوته في وجهه، أو كشف مستوره لمن هو فوقه!
ما هو ذنب هذه الطبيبة إن كان وزير الصحة قد سألها عن ظروف العمل فباحت له بما تراه من ضروريات العمل، ولم نسمع في كلامها لا طلب امتياز أو منصب أو تعويض…!! كل ما طالبت به هو معدات وظروف مناسبة للعمل نظل نسمعها من القاصي والداني في كل لقاء واجتماع، وعلى صفحات المواقع والجرائد، فلماذا لا نقبلها عندما طالبت بها من هي أعلم بحاجتها لها! فهي من أهل مكة، وأهل مكة أدرى بشعابها كما قالت العرب!
ثم ما ذنب الدكتور توا الذي سبق وأن طالب من إدارة المستشفى السابقة توفير ظروف صحية داخل المركب الجراحي، بعد أن لاحظ وجود حشرات وصراصير تتسكع في قسم الجراحة، وتتسابق معه إلى أجساد المرضى! هل أخطأ عندما طلب ذلك، خصوصا وأن المستشفى يستفيد من دعم "دسم" في هذا الاطار، هدفه تحسين خدمات الولوج للمرضى وحسن الاستقبال والنظافة! 
ثم لنقل فرضا أن هذا الطبيب وزوجته يُخفيان عكس ما يُظهران، وأنهما يسعيان لخلق الفتنة، ويؤلبان الساكنة على مسؤولي قطاع الصحة وإدارة المستشفى.. ألم يكن من الأجدر فتح حوار مباشر معهما لمعرفة سبب ذلك؟ هل من الصدفة أن يكون هاذان الطبيبان ثائران بنفس الحدة؟ ويطالبان بنفس المطالب، وينالهما نفس التضييق ونفس العقاب!؟
ثم ما معنى أن يجد طبيب ذات صباح مكتبه وقد تم تكسير قفله، وإخراج تجهيزاته، ورمي لوازمه الشخصية جانبا، دون سابق إنذار! وهو الذي يشغل منصب رئيس مصلحة طب العظام! هل هذا أيضا من محض الصدفة؟ 
قلت لن أحشر نفسي في  تفاصيل هذا القرار، ولا تهمني أسبابه، ما يهمني هو الموقف المبدأي الذي أومن به، والذي يحتم علي كواحد من أبناء هذا الوطن أن أنصر المظلوم، وأقف إلى جانب الضعيف، وأشهد شهادة حق! ألم يشفع لهذين الطبيبين عملهما واجتهادهما طيلة كل هذه السنوات، ألم يأخذ هؤلاء المسؤولون بعين الاعتبار كل تلك التدخلات التي أعتقت أرواحا وأرواح، ومسحت دموعا، وخففت آهات.. ألم يكن كل هذا المجهود وغيره من مجهودات الأطقم الطبية وشبه الطبية والادارية يكتب في صحائف المسؤولين عن قطاع الصحة بالجهة، وبه يتفاخرون ويتباهون محليا ووطنيا!!؟؟
ألم يطلع مهندسوا هذه القرارات على آخر تقرير للمجلس الوطني لحقوق الانسان حول هجرة الأطباء، والتي تقدر بنحو 14 ألف طبيب مغربي يمارسون خارج أرض الوطن، وهو ما يمثل 1 من أصل 3 أطباء!!!؟؟
ألا يخاف هؤلاء المسؤولون من دفع مثل الدكتور طارق والدكتورة نزهة إلى "الهرب" من هذا الواقع، الذي يعاقب فيه الطبيب، ليس على إخلاله المهني، أو فساده الأخلاقي، أو تقصيره في واجبه، أو إهانته لمريضه… بل لأنه طلب من مسؤوليه تمكينه من ظروف عمل جيدة، تحفظ كرامته وكرامة مرتفقي المستشفى الذي يعمل فيه!!
أخيرا وليس آخرا، أتمنى لصوت الحكمة أن ينتصر، وأظن أن وزارة الصحة فيها من العقلاء ما يكفي لوضع حد لهذا  "الصراع المفتعل في الصحراء" فهي في غنى عنه! والفاهم يفهم!
 
زكرياء عبد المجيد، صحافي بالقناة الثانية