قضية عادل العماري تهدد برج "راديو مارس" بالانهيار

قضية عادل العماري تهدد برج "راديو مارس" بالانهيار

يطفو اسم عادل العماري بقوة على مقدمة الطاقات الصحافية الشابة المتألقة التي أفرزها إطلاق الإذاعات الخاصة. بعد حصوله على الإجازة المهنية في الإعلام من كلية الآداب ببن مسيك، ثم نيله للماستر في الصحافة من معهد علوم الإعلام والاتصال بالدار البيضاء، اقتحم عادل عالم الصحافة من بوابتها المكتوبة وذلك بالعمل بصحيفتي الأحداث المغربية ورسالة الأمة.

 

محمد شروق

 

كان عادل يبحث عن نفسه في الإعلام السمعي، لذا لم يتردد في الصعود إلى الطابق الثامن عشر بعمارة الحبوس بالدار البيضاء، حيث يوجد مقر إذاعة «ام اف ام» ويعمل لفترة بقسمها الرياضي. انتقل بعد ذلك إلى إذاعة أصوات ذات التوجه الاقتصادي والترفيهي، والتي لم يطل مقامه بها هناك لأن الرياضة ليست ضمن أهداف هذه الإذاعة. ومع بداية راديومارس، إذاعة الرياضة بامتياز، وجد عادل العماري ضالته ولم يقض الكثير من الوقت حتى ابتكر أسلوبه الشخصي الخالص في برنامجه «المريخ الرياضي»: لغة دارجة مغربية شعبية قحة، التصدي مباشرة لعمق الموضوع دون لف أو دوران، أي بالعبارة الشهيرة «جيني كَود»، التطرق للمواضيع ذات الاهتمام الجماهيري، حرية للضيوف والمتدخلين للتعبير عن آرائهم، فتح بلاطو البرنامج للجميع دون خلفية أو حسابات..

وبالرغم من أن البرنامج الذي يذاع في الساعة الثانية بعد الزوال، وهو توقيت شبه ميت في لغة البرمجة السمعية البصرية، فإنه أصبح يحظى بمتابعة واسعة وبدا في استقطاب المعلنين. المهم أن تتفق مع عادل في ما يرد في برنامجه أو لا تتفق فأنت مضطر للاستماع إليه من باب المتابعة والاطلاع على مختلف الآراء، لأن مبدأ الإنصاف، أي الرأي والرأي الآخر كان من القواعد الثابتة للبرنامج.

وإذا كانت الجرأة في طرح وتناول المواضيع والبحث عن الخبر الذي يبحث عنه الرأي العام من مصادره واحترام قواعد الصحافة المهنية هي التي تصنع الإعلام الحقيقي بعيدا عن لغة الخشب والحديد والفولاذ، فإن «المريخ الرياضي» الذي لم يكن يستمع إليه إلا القليل من المستمعين عندما كان يقدمه الصحافي حسن الملياني، أصبح في مقدمة برامج إذاعة راديو مارس، وأمست عبارة «جيني كَود» رمزا للشفافية وقول كل الحقيقة.

نجاح «المريخ الرياضي» بفضل مهنية عادل العماري، دون أن ننسى المشاركة الفعالة لصحافي آخر محترم هو هشام رمرم، خلق مجموعة من الخصوم في المجال الرياضي، والذين استطابوا الجلوس على كراسي التسيير الوثيرة دون حسيب ولا رقيب مستفيدين من إعلام رياضي أغلبه مهادن لا يلامس القضايا الحقيقية للقطاع..

هذا النجاح أفرز أيضا معارضين للبرنامج حتى داخل الجسم المهني، وخاصة البعض الذي يشتغل بمنطق ونظريات الستينيات والسبعينيات التي لم تعد صالحة في هذا الزمن الذي لا يؤمن بالأسماء، ولكن بالكفاءة والمهنية التي أبان عنها الجيل الجديد من الصحافيات والصحافيين.

واليوم يؤدي عادل العماري ثمن نجاحه في برنامج كان يستضيف فيه أسبوعيا أزيد من عشرين ضيفا ويشتغل فيه لأكثر من عشر ساعات مباشرة، إضافة إلى برنامج نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد، وهو الآن وفجأة يجد نفسه في عطلة مفتوحة بعيدا عن الميكروفون الذي يعشقه.

في البداية وردا على تساؤلات جمهور عادل التي بدأت تتهاطل، كان الجميع يرد بأن عادل في عطلة ومن حقه أن يرتاح في محاولة يائسة لحجب الحقيقة. ومع توالي ضغط المستمعين بدا كل صاحب برنامج في راديو مارس يجيب بما يناسبه، وهناك من قال على الهواء إن عادل كون نفسه براديو مارس ويمكن أن يشتغل في أي مكان آخر.

«الوطن الآن» تحرت في الأمر وسألت هشام لخليفي مدير الإذاعة الذي أجاب بأنهم «يبحثون في الراديو عن الحفاظ على المؤسسات، حرية التعبير، احترام الأفراد ونبل الجرأة وليست الشجاعة الفردية، وأن راديو مارس هو الذي كون العماري..».

جرأة عادل في طرق العديد من المواضيع كان آخرها تفجير فضيحة المندوب المرون الذي صرح بأنه تعرض لضغوط من أجل أن يحرر تقريرا يدين الرجاء البيضاوي خلال المباراة الذي جمعته برجاء بني ملال، وبالتالي الحكم عليه باللعب دون جمهور..

هذه الجرأة كلفت عادل تكسير سيارته لعدة مرات وتلقيه لتهديدات بالاعتداء، وهي التهديدات التي تلقتها زوجته وبعض أفراد عائلته، وأخيرا تهديد عادل في لب عينيه، في ابنه ريان. ومع ذلك لم يصمت ولم نسمع يوما تصريحه بهذه التهديدات إلى أن جاء الضغط على المسؤولين عن الراديو الذين رضخوا وفرطوا في صحافي أصبح رمزا لهذه الإذاعة.

وإذا كان من حق صاحب أي مشروع خاص أن يختار العاملين معه، فإن مهنة الصحافي لها خاصية مثل الكثير من المهن. فمهنة الصحافي في ارتباط وثيق بحرية التعبير وهذا هو صلب الموضوع، لأن الرأي العام الرياضي ينتظر الكشف عن ملابسات توقيف عادل العماري المغلف بعطلة شهر كامل. فهناك الآلاف من العاملين الذي يسرحون يوميا في قطاعات أخرى ولا أحد يسمع بقضاياهم إلا مندوبية ومفتشية الشغل المعنية. أما الصحافي فإنه يشتغل مع الرأي العام في فضاء مفتوح ويربط معه علاقة قوية. فإذا كان عادل قد قام بخطأ مهني فليتم الإعلان عنه، وإذا تعدى حدوده فمن حق الرأي العام أن يعرف، وإذا أخل بالتزامات الخط التحريري للجهاز الذي يشتغل معه، فليتم الإخبار بذلك.

وإذا كان البعض يؤيد أنه من حق صاحب مقاولة راديو مارس ألا يعلن أي شيء عن قضية عادل العماري، فبأي حق تطالب الإذاعة من مسيري الفرق التواصل والإجابة عن تساؤلات الصحافة والجمهور؟

القضية الآن، قضية عادل العماري، مفتوحة على جميع الاحتمالات، فبعض الجمعيات والمنظمات المدنية بدأت تتحرك، وهناك من أصدر بلاغا تضامنيا مع عادل كجمعية المحمدية للصحافة والإعلام التي تضم أسماء إعلامية معروفة. وهناك دعوات بشبكات التواصل الاجتماعي من أجل مقاطعة راديو مارس حتى يعود عادل إلى برنامجه، وهناك مراسلون للراديو اتصلوا بـ «الوطن الآن» وأكدوا أنهم سيستقيلون من هذه الإذاعة تضامنا مع عادل. وقد تأكد أن أغلب العاملين براديو مارس حضروا يوم الجمعة الماضي إلى مقر العمل بلباس أسود إعلانا عن مؤازرتهم لزميلهم عادل.

القضية مفتوحة على جميع الاحتمالات والخاسر الأكبر هو راديو مارس الذي سيصبح خطابه عن الشفافية والمصداقية بدون طعم ما دام لم يصدر أي بيان يطمئن الرأي العام. أما عادل فإنه يقضي عطلته الإجبارية في التمتع بجميع أوقاته في انتظار أن يظهر المريخ على حقيقته.

 

من هو عادل العماري؟

- 1978 تاريخ الازدياد بالدار البيضاء

- 2006 الحصول على الإجازة المهنية في الصحافة

- 2011 نيل دبلوم الماستر في الصحافة والإعلام

- 2000 بداية العمل في المجال الصحافي التغطيات المهنية: كأس العالم لكرة القدم، الألعاب الأولمبية وعدد من دورات كاس افريقيا.