لهلالي: هل  كانت المناظرة التلفزيونية حاسمة في اختيار الفرنسيين لرئيسهم المقبل؟

لهلالي: هل  كانت المناظرة التلفزيونية حاسمة في اختيار الفرنسيين لرئيسهم المقبل؟ يوسف لهلالي
شهدت فرنسا، قبل أربعة أيام من الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، مناظرة متلفزة  من أجل الحسم في  الاختيار بين مرشحين متنافسين على دخول قصر الاليزيه، بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، مرشح فرنسا الليبرالية ومرشحة فرنسا المترددة، اللذان استعرضا خلالها وجهات نظرهما المتباعدة بشأن العديد من القضايا التي تشغل بال الفرنسيين من التقاعد، القدرة الشرائية، روسيا، الحرب على أوكرانيا، الاتحاد الأوروبي والحجاب الإسلامي.
وكان الهدف من هذه المناظرة الحاسمة، إقناع الفرنسيين المترددين والذين صوتوا على جون ليك ميلونشون، خاصة انه لا يوجد فرق كبير  بين المتنافسين رغم التفوق الطفيف لرئيس المنتهية  ولايته.
بذل الرئيس المنتهية ولايته والمرشحة اليمينية المتطرفة خلال أكثر من ساعتين و45 دقيقة كل ما في وسعهما لمحاولة إقناع الناخبين المترددين والممتنعين عن التصويت في الجولة الأولى، ولا سيما ناخبي اليسار الذين ينتظر أن يؤدوا دورا حاسما في الاقتراع  يوم الأحد المقبل .
وبالنسبة للعديد من الفرنسيين، فقد كانت هذه المناظرة التلفزية نوع من  مقابلة العودة بالنسبة لمرشحة اليمين المتطرف من اجل  تدارك الهزيمة التي تعرضت لها سنة 2017 امام منافسها، وبدلت لوبين مجهودا  كبيرا لتعطي عن نفسها صورة السياسية المتمكنة من ملفاتها والقادرة على تدبير مشاكل دولة مثل فرنسا.
حاولت المرشحة طوال النقاش إظهار قربها من الفرنسيين، قائلة إنها "تحاول وضع نفسها في مكان الناس"، في انتقاد مبطن لخصمها الذي لم ينجح خلال فترة ولايته البالغة خمس سنوات في التخلص من لقب "رئيس الأثرياء" الذي أطلقه عليه معارضوه. وكان الرئيس المرشح يرد عليها أحيانا أن بعض الإجراءات التي تريدين اتخاذها ليست عادلة، مثل حذف الضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد والتي سوف يستفيد منها أشخاص مثلي ومثلك، وكان يريد أن يقول لها بشكل مستتر، أنت وأنا ننتمي إلى طبقة وسطى عالية، ليس لها نفس مشاكل  الطبقات السفلى من المجتمع الفرنسي. استعرض ماكرون حصيلة ولايته، وأشار إلى عدة أرقام اعتبر أنها تجعل برنامج لوبن "غير منطقي". وهذا الاستعراض للأرقام خلال هذا اللقاء بين ان الرئيس المرشح له خبرة بقضايا الموازنة ومختلف الإجراءات التي تم اتخاذها  في هذا الباب,
وقالت لوبن "سمعتك أنت وحكومتك تفتخرون بأنكم عززتم القوة الشرائية للفرنسيين، ورأيت فقط فرنسيين يقولون لي إنهم لم يعودوا قادرين على التحمل"، معتبرة أن "الحصيلة الاقتصادية سيئة للغاية" و"الحصيلة الاجتماعية أشد سوءا".
وكانت لوبين تريد بذلك تذكير ماكرون بالاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها فرنسا جراء بداية ولايتة خاصة حركة السترات الصفراء والتي بينت أن بعض الإجراءات التي اتخذتها حكومته كان لها تأثير سلبي على بعض الفئات الاجتماعية.
واتهم الرئيس المنتهية ولايته غريمته بأنها "تعيش فقط على الخوف والاستياء"، واتهمها أيضا بالرغبة في الدفع إلى "حرب أهلية" باعتزامها حظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة. وهو القرار الذي لم تتخذه أية  دولة في العالم ويمس بالحريات حسب ماكرون. ويبدو  أن الموقف من الحجاب بين التدبدب التي  عرفته المرشحة والتي أرادت أن  تخفف من حدة الجدل الذي يرافق هذا القرار في فرنسا والجدل الطويل حول  الحجاب والأماكن التي يسمح  فيها باستعماله. وهو موقف جد مثير للجدل لفرنسا التي تضم أكبر أقلية مسلمة بأوربا بحوالي 6 ملايين فرد.
تصاعدت حدة النقاش بين المتنافسين حول النزاع المحتدم في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير الماضي. وكان هذا الموضوع هو احد نقط ضعف الكبيرة لمرشحة اليمين المتطرف المعروفة من قربها من وجهة نظر موسكو.وتوجه إيمانويل ماكرون إلى منافسته قائلا: "كنت على ما أعتقد من أوائل السياسيين الأوروبيين الذي اعترفوا بنتيجة ضم شبه جزيرة القرم في وقت مبكر من عام 2014"، في إشارة إلى ضم روسيا لشبه الجزيرة الأوكرانية الذي لم يعترف به المجتمع الدولي.
وأضاف "لماذا فعلت ذلك؟... لأنك تعتمدين على السلطة الروسية وتعتمدين على بوتين"، مشيرا إلى حصول حزبها "التجمع الوطني" على قرض بقيمة 9 ملايين يورو عام 2017 من بنك روسي مقرب من السلطة. والذي لم يتم ارجاعه بعد، وردت مارين لوبن "أنا امرأة حرة تماما"، وعللت الحصول على القرض برفض البنوك الفرنسية إقراض حزبها حينذاك.وأضافت "أدعم أوكرانيا حرة لا تتبع لا للولايات المتحدة ولا للاتحاد الأوروبي ولا لروسيا، هذا هو موقفي".
واشتدت  حد ة النقاش عند تناول الاتحاد الأوروبي، ونفت لوبن الاتهامات بأنها لا تزال ترغب في إخراج فرنسا من التكتل. وهو بذلك يشير إلى التدبدب في موقف لوبين حول اوربا من مشروعها  للخروج الى بناء أوروبا الأمم ،وهو ما يعني تفكيك  الاتحاد الأوربي. وهاجمها الرئيس بالقول "أن مشروع لا يذكر الأشياء بمسمياتها، لكنه يتمثل في الخروج من أوروبا"، معتبرا أن ذلك يجعل انتخابات الأحد "استفتاء مع أو ضد أوروبا".لكن هل سينجح الرئيس في تحويل هذه الانتخابات إلى استفتاء  ضد مارين حول الموقف من أوربا.
خلال هذه المناظرة  أيضا، حسنت الزعيمة اليمينية المتطرفة من أداءها من خلال الإلمام أكثر بملفاتها ولمعت صورتها وأعدت نفسها بشكل مكثف للنقاش. أما الرئيس المنتهية ولايته فقد دافع عن حصيلة ولايته التي شهدت احتجاجات وانتقادات عديدة. ولم تتمكن لوبين من ارباكه حول هذا الموضوع.
لكن هذه المناظرة بين الطرفين لم تمكن من ابراز الاختلاف الأيديولوجي بين المرشحين، بين مرشحة تمثل قيم اليمين المتطرف بفرنسا وأوربا بكل ما يرمز له ذلك تاريخيا وبين مرشح ليبرالي يقتسم عدد من القيم مع اليمين والوسط في فرنسا وأوربا. وهو ما يجعل لوبين، ناجحة كسياسية اخفت هذا الجانب المتطرف تجاه الفرنسيين.
لكن السؤال الذي يستمر في طرح نفسه  قبل تلاثة أيام من الجولة الثانية، هو لمن سوف يصوت المترددون؟ خاصة ان  حالة من عدم اليقين مازالت تخيم  بشأن موقف قسم من الناخبين اليساريين، ولا سيما الذين صوتوا لمرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى، والذين ما زالوا متشككين أو يميلون إلى الامتناع عن التصويت. ومنهم عدد من المنتمين الى الأقليات العربية والافريقية الذين كانوا يؤاخذون على الرئيس تحوله نحو أطروحات اليمين المحافظ في مجال الحريات الدينية، خاصة المتعلقة بالأقلية المسلمة بفرنسا. والتي حاول الرئيس المرشح طمئنتها خلال هذه المناظرة.
دراسات الرأي بينت ان الرئيس المنتهية ولايته كان أكثر اقناعا للفرنسيين، لكن الفرق الطفيف في النقط بين المرشحين، يجعل كل الاحتمالات ورادة، وذلك قبل  ثلاثة أيام  قبل  يوم الحسم.