سعيد الشفاج: حتى لا نظلم "الشيخات"!!!

سعيد الشفاج: حتى لا نظلم "الشيخات"!!! سعيد الشفاج
كل رمضان يثار الجدل على مستوى القنوات الاجتماعية حول الإنتاج الفني الرمضاني. ونكون مضطرين إلى سماع نفس الشكاوى ونفس ردود الأفعال مع اختلاف بعض التفاصيل.
لكن ما أجمع حوله النقاد والمهتمون بالدراما المغربية، وقد فصل فيه الصحفي والكاتب الساخر توفيق مصباح في أكثر من مرة وحلل بأسلوبه اللاذع والمبكي والمضحك في نفس الوقت كيف تتم أكبر عملية سطو على المتحصلات الضريبية والإشهارية من أجل إنتاج سيتكومات او كبسولات لا تصل إلى ذرة فن. وقد كتبت بدوري مرارا  بتفصيل مشاكل القطب العمومي وكيف تقوم آلة الإنتاج بإعادة إنتاج التفاهة بملايين الدراهم حتى أن العديد استغرب الحرص على تبذير المال العام، خاصة في سنتي كورونا عندما كان المغاربة في أشد الحاجة لأدوية ومستشفيات ميدانية ودعم اجتماعي لملايين من المغاربة فقدوا مناصب شغلهم، ومع ذلك عشنا على وتيرة الإنتاج الرمضاني الحامض مع احترامنا لهدا المنتوج الفلاحي النافع في مغرب غير نافع. قطب المقال وصلب الموضوع هو خرجة أحد الأئمة المعروفين وواحد من المؤثرين الدينيين الأستاذ ياسين العمري الذي انتقد  أحدى الإنتاجات الرمضانية لقصة راقصة شعبية يعني (شيخة)، وجاء رد فعله بعدما صرحت إحدى بطلات مسلسل "المكتوب" بأن العمل يتناول شخصية متواجدة في الواقع. لكن هل يمكن أن نحكم على نص درامي بأنه فاشل او ناجح فقط لأنه واقعي أو خيالي أو سوريالي أو بوهالي حتى؟ 
وما بين الفعل ورد الفعل ظلمنا أحد رموز الفن الشعبي الأصيل بالمغرب و دنسنا تاريخه في التراب. فلا يمكن أن ننسى الدور الكبير الذي لعبته الشيخة في مقاومة الاستعمار، وكيف كانت العيطة نداء ضد الظلم والاستبداد، وهذا موجود ولا يسع المقال للاستدلال عليه بالحجج، حيث يمكن الرجوع إلى بعض النصوص التاريخية التي تناولت الموضوع. لقد تحدث حميد الزوغي في فيلمه (خربوشة) عن حياة فنانة شعبية ومأساتها ولم تتحرك الأقلام ولا الأفواه لمناهضة للفيلم حينها. القضية أصبحت تدخل في النقد الأخلاقي سواء تبرير الفنانة أو رد فعل الأستاذ ياسين العمري، وكلاهما ينظر للموضوع من زاوية نظره الأولى فنية والثانية أخلاقية و اجتماعية. لكن الأخطر هو دور الدراما مهما كانت تلامس الواقع في تربية الذوق الجماعي والاستشهاد بكل مكونات المجتمع المغربي، لأن المغرب يحفل بالعلماء والفقهاء والباحثين…إلخ. ألم يكن من الأولى إنتاج عمل يتطرق لمعاناة المغاربة في عز كورونا أو عمل درامي يتحدث عن ضربات الإرهاب الآثمة عندما طالت مدينة الدارالبيضاء مثلا، أو نصا تاريخيا يتحدث عن انتصارات أجدادنا في تاريخ حافل بالأمجاد. لنقل إننا نريد خفة دم الدراما ألم يكن من الأولى كتابة نصوص كوميدية محبوكة تناقش قضايانا اليومية بأسلوب ساخر وهادف؟! إن الشيخة أو غيرها ليسوا حطب نار للتدفئة في ليال الزيادات الصاروخية. نضحك حد البكاء او نبكي حد القهقهات. ما يجب أن يغضبنا هو ما تبقى في عروقنا من دم هذا الوطن هو إقصاء عشرات الفنانين والكتاب و التقنيين من العمل واحتكار "عصابة" فنية بامتياز العمل في التلفزيون حتى أصبح مسكنهم وأحكموا إغلاقه بمفاتيحهم. ما يضحكنا حد السخرية هو الملايير المنهوبة لإنتاج كبسولة بئيسة او سيتكوم بارد أو سلسلة تطبع مع الخيانة وسيجارة إلكترونية تحت ذريعة الواقع. العمل الفني ينتقد في شموليته ومن أهل الاختصاص ولا علاقة بامتهان حرفة فنية دون أخرى أي علاقة. لكن دون أن نرسخ أسلوب دون آخر ونحاول تبرير ذلك بأنه الواقع. الواقع الآن محتاج للبوصلة والقدوة التي بغيابها غاب المشروع الحضاري الكبير. ولن يكون الواقع مجرد (شيخة) أو (داعية) بل هو نسيج متكامل من الرجال والنساء الشرفاء الذين لا يملكون سوى كرامتهم. ويتعاركون كل يوم مع (طرفة الخبز). هؤلاء هم من فسيفساء المغرب المنسي من الشمال إلى الجنوب. أجدني اللحظة أستحضر فيلم "الراقصة والطبال" لنبيلة عبيد والراحل صلاح قابيل ولا اعرف لماذا؟!