"دِيْ" عبيدات الرمى في قصة حب "اَلْمَرَّاكْشِي وَ اَلْفَاسِيَّةْ خْبِيزَةْ سِيدِي بَلْعَبَّاسْ"

"دِيْ" عبيدات الرمى في قصة حب "اَلْمَرَّاكْشِي وَ اَلْفَاسِيَّةْ خْبِيزَةْ سِيدِي بَلْعَبَّاسْ" مجموعة عبيدات الرمى أولاد إبراهيم بجانب الأستاذ عبد الرحيم شراد

في هذا المنشور يقربنا الأستاذ عبد الرحيم شرّاد من نبع "دِيْ" عبيدات الرمى وكلامهم الضاج بالمعاني والرسائل المشفرة ذات الدلالة والإيحاء الرائع المقتبس من غنى الطبيعة ورموز جمالها الأخاذ. حيث تستمر جريدة "أنفاس بريس" في تقاسم ذخائر وكنوز الموروث الثقافي الشعبي الذي ينبش عليه الباحث ويقدمه للقراء بأسلوب سلس وجميل اعتمادا على قصة نص غنائي شعبي موضوعه (المراكشي الذي أحب الفاسية)

 

تعتبر أغنية/قصة (الرجل المراكشي الذي أحبّ المرأة الفاسية)، غناء شعبيا جميلا من "دِيْ" عْبِيدَاتْ اَلرْمَى (كلامهم). ومن المعلوم أن تقاليد عبيدات الرمى تستوجب في البداية أن يطلب الشاعر من "الرَّامِي" الإذن بالكلام: "آ الرَّامِي ..عَافَا خُويَا نْقُولْ دِيْ بْلَادِي". فيأذن له سيد الرحلة بالكلام "أبَّا وَ يَا أبَّا وَرِّينِي وَحْشَكْ يَا اَلْغَابَةْ ". بعدها يصدح الشاعر بالغناء .

 

إن قصة "اَلْمَرَّاكْشِي الذي أحب اَلْفَاسِيَةْ" هي أشبه بمسرحيات الكاتب الفرنسي موليير. أبطالها أربعة بالتمام والكمال. (اَلْمَرَّاكْشِي وخَادِمُهُ ثم اَلْفَاسِيَّةْ وخَادِمَتُهَا). يبدأ الشاعر مترنّما و جوقة عبيدات الرمى ترد عليه: "مَرَّاكَشْ ﯕَالُوا بْعِيدْ فِيهْ النَّخْلَةْ و الجْرِيدْ. سِيدِي بَلْعَبَّاسْ مَا يْفَرَّطْ شِي فِيَّا". ومعنى هذا الكلام بالتفصيل (مراكش قالوا بعيد) ليس المقصود به المسافة وإنما هو الإختلاف في العادات والتقاليد بين بطلي القصة. (الْمَرَّاكْشِي وحبيبته الْفَاسِيَّةْ)

 

لقد رسم المراكشي جمال حبيبته بالقول: "فِيهْ اَلنَّخْلَةْ والجّْرِيدْ" معناه أن حبيبته جمعت بين طول القامة وعلو المرتبة الإجتماعية. ويتخذ من رمزية "الجّْرِيدْ" إشارة إلى أنها ميسورة الحال، فكيف لهذا المُرّاكشي المسكين أن يكون له حظ ونصيب؟ ولكن هناك أمل يلوح في الأفق، و أمل كبير.

 

إن الظفر بمثل هذه العلاقة هو بالنسبة لبطلنا المراكشي سهل يسير، إذْ هو مثل الحصول على "خْبِيزَةْ سِيدِي بَلْعَبَّاسْ" الذي لن يبخل عنه من خلال قوله: "سِيدِي بَلْعَبَّاسْ مَا يْفَرَّطْ شِي فِيَّا". لكن خادم البطل يحاول أن ينصحه بالتراجع عن قراره، و كأنه يقول له بالدارجة (قِيلَكْ مَنْ هَاذْ لَكْلَامْ)، فيرد عليه سيده المراكشي: "وَايْلِي وَايْلِي عْلَى قِيلُونَا". حيث سيكتفي الخادم بجوابه قائلا: "خُويَا تْزَوَّجْ غَا أَنْتَ. احْنَا رْجَانَا فِي اللهْ".

 

في شطر موالي من القصة/الأغنية سيطلب السيد المراكشي من خادمه، أن يذهب لبيت محبوبته و يخبرها بالأمر، حيث أنشد قائلا: "عَافَا خُويَا سِيرْ سِيرْ. سِيرْ عْلَى اللهْ"، و في ذات الوقت يدله على نعت بيت محبوبته بالقول: "ﯕَالُوا رْسَامْهَا فِي اَلْبَهْجَةْ".

 

جدير بالذكر أن كلام: "دَارْ اَلْبَيْضَا اَلْعَالْيَةْ" (لا علاقة للكلام بمدينة الدار البيضاء كما ظل المطربون يرددون ويغالطون الأجيال). والإشارة فيه إلى صاحبة الدار، ذات البشرة البيضاء، الطويلة القامة. ويستمر في وصف دارها بمراكش وهي عبارة عن رياض بستانه يحتوي على غرسة الخوخة والدالية بالإضافة إلى سقاية الماء، ذات الصنبور النحاسي الكبير الدائم الفوران، حيث تقول الأغنية: "دَارْ - اَلْبَيْضَا اَلْعَالْيَةْ - فِيهَا خُوخَةْ وُ دَالْيَةْ. فِيهَا بَزْبُوزْ اَلنْحَاسْ. يْكُبْ اَلْمَا بْلَا قْيَاسْ". فيرد عليه خادمه مازحا: "وَ سِيدِي مَرْبُوطْ مَا يْفَرَّطْ شِي فِيَّا" (لا علاقة لها بسيدي بليوط). والصحيح هو سِيدِي مَرْبُوطْ: أي أصبح مغرما ولا يقوى على التخلي عن حبه لحبيبته.

 

وتلبية لرغبة السيد المراكشي، يذهب الخادم إلى العنوان المذكور، ويطرق باب الرياض فلا يجد إلا الخادمة، وعندما يخبرها بأن سيّده يحب سيّدتها تنتهز الخادمة المحرومة الفرصة، وتريد أن تكسب ودّ الخادم، فتقول له : "حْتَّى أَنَا دَارُونِي مْعَاكْ. وَأَنَا مَا نَاشِي مْعَاكْ. مْنِينْ طَاحْ بْلَايَا عْلَى بْلَاكْ؟ بْنَاتْ اَلْحُومَةْ عَجْبُوا بِيكْ وُ بِيَّا". لكن الخادم سرعان ما يفطن إلى قصدها فيرد عليها باسمها قائلا: "حَادَّةْ يَا حَادَّةْ. ﯕُولِي كَلْمَةْ مْـﯕَادَّةْ. اَلِّلي تْلِيقْ بِيكْ وُبِيَّا".

 

في هذه اللحظة ينصرف الخادم مسرعا والخادمة تناديه: "ارْجَعْ يَا اَلِّلي غَادِي. وَا حْبِيبِي ارْجَعْ وَاهْيَا اَلْمَلَّةْ. قَوِّيتْ عْلِيكْ لَكْذُوبْ شَلَّا". ثم تهدده فعليه أن يختار بين أمرين إما الزواج بها أو السجن. مرددة قولها: "دَارْ اَلْقَاضِي عَامْرَةْ جْرَادِي. دَارْ اَلْبَاشَا عَامْرَةْ كْرَاسَا. وَا اَلّْلي غَادِي .. ".

 

عند عودة الخادم إلى سيده سيخبره أنه لم يجد حبيبته. وأن خادمتها قد أخبرته أنها سافرت إلى مدينة فاس: "ﯕَالَتْ لِيَّا مْشَاتْ لْفَاسْ". فيرد عليه سيده "حَتَّى أَنَا مَا جَانِي نْعَاسْ". لكن عنده أمل، فحبيبته لن تفرط فيه حيث أنشد بالقول: "مُولَايْ ادْرِيسْ لَحْبِيبْ. اَلِّلي زَارَكْ مَا يْغِيبْ". (أي لن تطول غيبتها). "وَ اَلِّلي حَكْ عْلِيهْ مَا دَارْ مْزِيَا. هَا اَلرَّامِي كُلْهَا وُكِيْتُو. عَافَا خُويَا نْرُدْهَا لَبْلَادِي". أي أستأذنك أيها الرامي أن أجعل بطلة القصة (الحبيبة) تعود إلى مراكش وتنتهي القصة نهاية سعيدة كلها رقص، مع الأبطال الأربعة (تنتهي القصة بعرس زواج السيد بالسيدة و الخادم مع الخادمة) حيث تقول الأغنية: "آجِي يَا هَاهْ. سِيرِي يَا هَاهْ. شَطْحِي يَا هَاهْ. مبارك هذ النهار و الخادمة تردد في فرح. "وُ صَّاوْنِي وَالِدِيَّا. نَشْرُبْ أَتَايْ فِي اَلصْوِينِيَةْ آ امِّي لَالَةْ" (أي ها نحن ككؤزس الشاي تجمعنا صينة واحدة، أي لحظة زواج و فرح واحدة).