عبد السلام المساوي: الدين شأن شخصي بحت

عبد السلام المساوي: الدين شأن شخصي بحت عبد السلام المساوي
لماذا يريد الاسلاميون أن يعمموا رؤيتهم الخاصة على الفضاء العام؟
العالم تغير، والعالم الاسلامي كذلك. والتغير التاريخي، لا يشكل في حد ذاته، حجة على ضرورة فشل الاسلاميين، لكنه عامل أساسي. " وضع الانسانية " التاريخي الحالي، لم يعد مهيأ لقبول مطلق " لرقابة ايديولوجية " حتى ولو كانت " دينية.
والاسلاميون لا يقترحون، على المستوى السياسي والاجتماعي شيئا آخر...الحرية لا تختزل بحرية الصلاة والصوم، والتجارة ...حرية الشعوب اليوم عديدة، ومتحركة. وهم لا يعرضون أمام الشعوب الا حريات ساكنة، وبائته.
انها نوع من النكوص المطلق الذي لا يفي بحاجة أحد من المواطنين." الحريات الحديثة "، ويجب أن نصر على هذا التمييز، لا تشبه في شيء الحريات الانسانية العتيقة، التي تدافع عنها حركات الاسلاميين السياسية.
اليوم، تحتاج الشعوب الى حرية المعتقد، وحرية السفر، وحرية التعبير، وحرية التغيير، وحرية تشكيل الأحزاب، والنقابات، والنوادي ....
انها، " الشعوب " بحاجة الى حرية الفكر، وحرية الجسد. حرية المكان، وحرية الزمان.
والاسلاميون لا يعترفون بشيء من هذا، وان فعلوا، فلا ضامن لمستقبل، ولا نعرف ما هي حدودهم الحقيقية للحرية.
العالم العربي، وبخاصة في المشرق، متعدد الاهواء والاثنيات، والأعراق، والسلالات، والأديان، والمذاهب. انه مجموعة من " الملل والنحل "، كما يقول الأقدمون. فبأي حق تتحكم برقاب العباد المختلفين في كل شيء، وغير المتجانسين في مجال الاعتقاد والمذهب، حركة سياسية ذات بعد واحد، متعنتة وصلبة، بكل المقاييس الانسانية؟ إن ذلك على المستوى والأخلاقي ضرب من الهوس والجنون.
وعلى شعوب العالم العربي ان تقاوم هذا التسلط اللاأخلاقي بكل الوسائل والامكانيات التي تملكها.
ومن المحزن أن العالم، كله، دخل منذ عقود طويلة، مرحلة الدولة الوطنية المستقلة، بشكل أو بآخر، عن الارتباط المباشر بالدين، وما زال العالم العربي يرزح تحت أغلال الدعاة الاسلاميين من اجل دولة دينية لم تعد تناسب الواقع المحلي، ولا الواقع الكوني، من أي زاوية نظرنا إليها.
في المجتمعات العالمية ثمة دولة، لها حكومة، وللحكومة سلطة، مبرر وجودها الاشتغال بالسياسة، ومهمتها الحفاظ على حقوق المواطن أيا كان دينه، أو مذهبه، أو عرقه. وثمة دين.
والدين شأن شخصي بحت. فلماذا يريد الاسلاميون أن يعمموا رؤيتهم الخاصة على الفضاء العام؟
ومن أعطاهم هذا الحق في العصر الحديث؟ وفي أي دولة على وجه " الكرة المائية " يوجد مثل لهذا التصور الديني العتيق للسياسة.
هذا لا وجود له على وجه الأرض. فلماذا ما زال العالم العربي يعوم على " بحر الأديان " التي لا مرفأ لها؟
الاسلاميون فشلوا، وسيفشلون لأن تصورهم مناقض لحركة التاريخ.
فلا يكفي ان تكون النية خالصة، لتنجح السياسة.
السياسة عمل يختص بالفضاء العام دون تمييز، أو إقصاء، أو لإلغاء.
والانسانية ليست بيضة متجانسة، ولا يمكن ان تحكم الا على اساس التعدد والاختلاف، ولا يمكن للتصور المذهبي الديني، مهما كان عميقا وخالصا، ان يفي بحاجة الحركة الاجتماعية اللامتناهية الأبعاد، والمصائر، والاختلافات.
لنتعبد .... ولنترك الاخرين يعيشون بحرية، والعدل أساس الملك. ولا عدل في المطلق. وبخاصة في المطلق الديني المحدد الوجهة والصفة مسبقا.