بعد أن فشلوا في إضعاف الدولة.. الطوابرية بالمغرب يعيشون خريفهم

بعد أن فشلوا في إضعاف الدولة.. الطوابرية بالمغرب يعيشون خريفهم محمد زيان
يتضح يوما بعد آخر أن أولوية الأولويات ضمن أجندة الطوابرية إضعافُ الدولة ومؤسساتها حتى يتسنى لهم فعل ما يشاؤون دون خوف من المحاسبة، والأخطر أنهم صاروا يستعملون وجوها مغمورة كدروع بشرية ويتوارون هم إلى الخلف. لقد اشتغلوا على هذا الرهان منذ أزيد من عقدين وفشلوا بسبب الوعي المسبق لمؤسسات الدولة بخطتهم وتفاعلها الاستباقي مع انتظارات الشعب وسياساتها الوقائية التي تركت لهم الفضاء العام أزيد من سنة حتى أنهكت قواهم وانكشف ضعفهم وبوار بضاعتهم. إضعافُ الدولة وإيصالُها لدرجة الدولة الفاشلة وغير القادرة على بسط القانون على مواطنيها مخطط جهنمي وجد من يُنَظِّرُ له منذ عقود ومن يموله وارتضى الطوابرية لأنفسهم أن يكونوا أدوات تنفيذ له داخل المغرب.
هذا المخطط كارثة لا يعرف حقيقتها إلا من عاشها واكتوى بنارها، وما تعيشه تونس التي سوق لها كنموذج لدول الربيع العربي خير مثال، وما عاشته مصر قبل ذلك ونتائجه الكارثية على شعب مصر وموقعها الإقليمي مثال آخر، وقد تتطور الأوضاع نحو الأسوأ فتنتج دولة مثل سوريا أو ليبيا أو اليمن. حينها تفقد الدولة سلطتها وسيادتها وتصبح مرتعا للإرهابيين من كل مكان. والضحية دائما هم الشعوب.
أُذَكِّر بهذه الخلاصة وأنا أتأمل حالة "الهبل" التي صارت تطبع سلوك الطوابرية وخطابهم. لا ميزان ولا مرجعية صارا يحكمان تصرفاتهم. الشيخ المتصابي زيان يضرب القانون عرض الحائط رغم أن صفته كمحامي ونقيب سابق ووزير سابق تفرض عليه أن يكون الأحرص على احترام القانون. يفضل المتصابي المصبع الحديث في كل شيء وعن كل شيء إلا فصول القانون حتى أمام المحاكم، ويجد متعته في نسج الروايات لإشاعة الإستهتار، ولا شغل له غير التهجم الدائم على مؤسسات البلد، والهدف دائما هو إشاعة الفوضى لتهيئة الأجواء لباقي الطوابرية.
الحمد لله أن في المغرب مؤسسات قوية تفعل القانون ولا تخضع للابتزاز وقد نال زيان ما يستحق من جزاء ولم يعد أمامه سوى الكذب وإنكار معرفته بحكم قانوني نهائي يمنعه من ممارسة مهنة المحاماة لمدة سترتاح المهنة وشرفها من صبيانية شيخ " شرف وتلف".
أصبح الشغل الشاغل لهذه "الشلة" العاطلة هو تدبيج بيانات التضامن مع كل متابع بغض النظر عما ارتكبه من جرائم ولو كانت سبا وقذفا وانتهاكا لحقوق الأغيار وكيل اتهامات بالجملة بدون دليل. وأصبح تحرك مؤسسات الدولة لإنفاذ القانون في عرف هؤلاء سلطوية ودكتاتورية وعودة إلى سنوات الرصاص وهلم جرا من المصطلحات التي تتغذى من قاموس يعرفون قبل غيرهم أنه قديم ولم يعد متلائما مع ما تحقق في المغرب من تقدم وما توفره قوانينه من ضمانات لو عرضوها على الاتفاقيات الدولية لوجدوها متلائمة معها. هل استدعاء شخص للاستماع إليه بناء على ما ارتكبه من أفعال هي في عداد جرائم يمكن أن يثير كل هذه الضجة؟! وهل مواجهة أشخاص بوقائع مادية منسوبة إليهم تتضمن خرقا للقانون ومسا بحقوق الغير وترتيب المتابعة لهم قضائيا فيه مس بدولة الحق والقانون طالما أن المتابعين يتمتعون بكامل حقوقهم التي تضمنها لهم قوانين البلاد والاتفاقيات الدولية؟!
صارت اللعبة اليوم مكشوفة أمام المغاربة، وحتى حلقاتها صارت محفوظة عن ظهر قلب. يدفع الطوابرية بعض الشباب الناقم للواجهة بكل الوسائل غير الأخلاقية وغير القانونية، ثم تتوالى التدوينات والبيانات التضامنية قصد ترميزهم وصناعة أبطال من ورق من تصرفاتهم، ثم تتشكل لجان التضامن تماشيا مع شعار "فري كلشي"، ثم هناك زيان المحامي، العاطل الآن، الذي يدافع عن كل شيء في كل قضية بنفس الطريقة والكلمات والخطاب، ثم يربط الطوابرية التواصل مع أسيادهم خارج المغرب لتدويل القضية إعلاميا وحقوقيا. والهدف هو الضغط على المغرب و ٱستهداف مؤسساته وتسهيل ابتزازه وإخضاعه للوبيات لا هم لها إلا أن يكون المغرب دولة ضعيفة وفاشلة وفاقدة للسلطة والسيادة.
ولأن اللعبة مفضوحة وتصدى لها المغرب بحزم وبما يكفي من أدلة ولم يخضع لمساومات متكررة بشأنها، لم يعد أمام الطوابرية سلاح غير الدفع بشباب مغمور للمشاغبة على مؤسسات الدولة أو استفزازها أو تبني كل قضية أو "ربع قضية" بينما هم وراء حواسيبهم يكتفون ببيانات التنديد والشجب والتضامن. هل يستطيع أنصار بوعشرين مصارحة المغاربة عن مآل صحافيي وأجراء المؤسسة التي أعلنوا إفلاسها وهي التي كانت تبيض ذهبا؟ وهل يمكن للمعيطي أن ينكر الثروات التي راكمها من تحويل أموال لحساباته وهي في الأصل موجهة لوجهة أخرى؟ وهل يمكن لعمر راضي إخبار الرأي العام بمصدر التحويلات التي كان يتلقاها من الخارج بدون مقابل؟ لماذا لم يقدموا ما يكفي من توضيحات للمغاربة حول الثراء الذي يعيشونه إذن؟
يخسر الطوابرية من هذا الأسلوب كثيرا أمام المغاربة لأن الفوضى وتبني القضايا الخاسرة والاستقواء بالخارج لم تكن أساليب نضالية للمعارضين الشرفاء، ولأن من يزرع الريح لا يجني إلا العواصف التي لن يتضرر منها إلا هم قبل غيرهم من المغاربة. والحمد لله أن للبلد حماته الذين فهموا هذه الخطة قبل 2011 وتصدوا لها بذكاء وحولوها إلى مناسبة أبانت قوة المغرب وفرادته في المنطقة.
ليس أمام الطوابرية إلا استيعاب المتغيرات، والوعي بأنهم مجرد كراكيز تدار من الخارج وتستعمل في الوقت اللازم من طرف أسيادها فقط. لقد أصابهم السعار بعد زيارة بلينكن للمغرب وتصريحه الواضح حول التحولات التي يعرفها هذا البلد الذي يشق طريقه نحو نادي الكبار. كانت صدمتهم بطعم الانتكاسة وهم يسمعون الإشادة من إدارة الديمقراطيين التي راهنوا عليها لنسخ ما أسس له الجمهوريون قبلهم تجاه المغرب. اكتشف الطوابرية اليوم أن ما يحدث من تقارب أمريكي مغربي لا يخضع لحسابات حزبية أو انتخابية أو مناسباتية ولكنه خيار دولة تفكر من زاوية أكبر من حويصلتهم الصغيرة وتستوعب التهديدات التي تطال المنطقة وتنظر لما يحرزه المغرب من نجاحات مقارنة مع الإخفاقات التي تطبع الكثير من تجارب المنطقة ولا يسعها إلا تثمين سياسات المغرب وطريقة تعامله دوليا وإقليميا وقاريا. أكرر على مسامع الطوابرية بأنهم سينتظرون طويلا وإلى ما لا نهاية دون طائل، وما عليهم إلا تغيير نظاراتهم السوداء ليروا المغرب الحقيقي الذي يشق طريقه فوق طريق غير مفروشة كلها بالورود ولكنه رغم كل الإكراهات اتخذ قراره بخوض التحدي وهو يتأقلم مع كل الظروف المحيطة التي ليست دائما إيجابية.
لماذا يصمت الطوابرية عما يحدث في تونس؟ هل هو نقص في المعلومات؟ أم أنهم يفضلون الصمت حين لا يكون الحديث في مصلحتهم انتصارا لسياسة "عين ميكا"؟ هل يتحاشون مصارحة المغاربة بخطأ توقعاتهم وفشل رهاناتهم؟
شخصيا، لا أظن صمتهم بسبب نقص في المعلومات وعند الطوابرية أصدقاء "حراكة" في تونس يثقون في رواياتهم، ومنهم هاربون من العدالة المغربية. والغريب أن هؤلاء "الحقوقيين جدا" يصومون عن الكلام أمام الأوضاع هناك خوفا ورهبا مما يمكن أن يتعرضوا له.

 
عن موقع شوف تيفي