يستقبل مسلمو فرنسا شهر رمضان الأبرك في ظل أجواء يسودها الحذر، بالنظر إلى أن وباء "كوفيد-19" لا يزال حاضرا، متربصا ويرخي بظلاله على النفوس.
فإذا كانت السلطات الفرنسية قد قامت برفع شبه كامل للقيود، لاسيما التجمعات، التي كانت مفروضة من أجل محاربة تفشي الوباء، على خلفية تراجع نوعي لحالات العدوى وأعداد المصابين بالمستشفيات وأقسام الإنعاش، فإن الفيروس يبعث منذ بضعة أسابيع إشارات تحيل على استئناف نشاطه، ما يقلق السلطات الصحية ويخيم على نفوس المسلمين، التواقين إلى إحياء الأجواء الرمضانية والالتقاء في المساجد كما في البيوت.
وعلى هذا الأساس، ت ضاعف السلطات الفرنسية خلال الأيام الأخيرة الدعوات من أجل التحلي باليقظة وتفادي التحرر الكامل للساكنة، وذلك على ضوء الارتفاع المستمر لحالات الإصابة اليومية.
وبحسب الأرقام الأخيرة التي نشرتها وكالة الصحة العمومية الفرنسية، فإن الإصابات التي يتم إحصاؤها يوميا فاقت 120 ألف حالة كمعدل أسبوعي بالنسبة للأسبوع الممتد من 21 إلى 27 مارس المنصرم.
وفي هذا السياق الاستثنائي، فإن مسلمي فرنسا إلى جانب مواطنيهم من ديانات أخرى، مدعوون إلى التحلي بقدر أكبر من اليقظة والامتثال لتوصيات السلطات الصحية، من أجل حماية أمثل من "كوفيد-19"، وبالتالي التمكن من الاحتفاء بشهر رمضان الفضيل في أفضل الظروف.
وفي المراكز التجارية، الأسواق الكبرى ومتاجر القرب، يبقى رمضان حاضرا بقوة من خلال رفوف مثقلة بكميات وفيرة من التمور، الحلويات والمواد الغذائية الخاصة بشهر الصيام.
كما تتجلى هذه الأجواء لدى باعة الملابس التقليدية الذين يقترحون على أفراد الجالية المسلمة باقة متنوعة من الملابس التقليدية (جلابة، كندورة، عباية، سلهام ...)، فضلا عن اللوازم الضرورية لأداء الصلاة، لاسيما صلاة التراويح التي تعد موعدا مشهودا للتضرع والخشوع والمشاطرة بين المؤمنين (السجادات، السبح والعطور ...).
بدورها، تستعد المساجد منذ أسابيع للشهر الفضيل وتتزين من أجل استقبال آلاف المصلين. فبين أعمال الصباغة، التجديد وتحديث التجهيزات ومعدات الصوت خصوصا، يثابر المسؤولون القيمون على التسيير من أجل جعل رمضان هذا العام مخالفا لسابقه السنة الماضية.
وبالنسبة للمجتمع المدني، فإن مختلف الجمعيات أعلنت عن تعبئتها الكاملة شهورا من قبل، قصد تقديم يد العون للأسر المعوزة والتخفيف من معاناتها خلال هذا الشهر المبارك الذي يتميز بفعل الخير والإيثار، لاسيما في سياق ارتفاع غير مسبوق في كلفة المعيشة بفعل ارتفاع أسعار الطاقة، ولكن أيضا الحرب في أوكرانيا.
ويحرص المسلمون الأوفياء لتقاليد عريقة موروثة جيلا عن جيل، لاسيما فيما يتصل بالتضامن والتآزر، على العمل قدر الإمكان، من أجل استدامة هذا الزخم التضامني، الذي يعد المظهر الأكثر إشعاعا للإسلام الوسطي.
ويمر نقل هذه التقاليد، أيضا، عبر تنظيم "مأدبة الإفطار" الجماعي في جميع أرجاء البلاد، والتي يدعى إليها مواطنون من ديانات أخرى، ما يعد تجسيدا بليغا للتسامح والحب، في سياق عالمي يطبعه تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا.