بمبادرة من التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975 ( CIMEA75) والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تمت الدعوة الى إحداث لجنة نيابية لتقصي الحقائق ، وفقا لأحكام الفصل 67 من الدستور، والقوانين الجاري بها العمل حول مأساة الطرد التعسفي الذي طال المغاربة من الجزائر منذ 47 سنة، يكون قد انتقل التعاطي مع هذا الملف بمقاربة مغايرة ، خاصة من خلال العمل على التوفر على وثيقة مرجعية معززة، ستكون الأولى من نوعها صادرة عن مؤسسة دستورية، تتوفر فيها المواصفات التي تمكن الضحايا والهيئات المدافعة عنهم من أداة هامة لدعم جهودهم الترافعية على المستوى الدولي.
حمل الجزائر على الاعتراف بمسؤوليتها
وترمى هذه المبادرة الجديدة التي تضمنتها المذكرة التي قدمتها المنظمتان الى الفرق النيابية بمجلس النواب من أجل إحداث لجنة نيابية لتقصي الحقائق خلال الأسبوع الماضي، إلى توثيق هذه الفاجعة والوقوف على كل الحقائق المعززة بشهادات الضحايا وذوي حقوقهم والمسنودة بالحجج والوثائق، وحمل الدولة الجزائرية على الاعتراف الرسمي بمسؤوليتها في هذه المأساة الإنسانية، وضمان حق الضحايا في جبر الضرر المعنوي والمادي الذي لحقهم )وما يزال( من جراء ما تعرضوا له من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسية.
فمن شأن توثيق هذه الأحداث من قبل مجلس النواب واعتبرتا في هذا الصدد، أن تكون لها قيمة حاسمة ليس فقط في إعادة الاعتبار لكرامة آلاف الأشخاص، وإنما كذلك اثارة مسؤولية الدولة الجزائرية بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها، وفي استدامة معاناة الآلاف من الضحايا من خلال الإصرار على نكران ما اقترفت من جرائم في حق هؤلاء المغاربة ومواصلة حملات التعتيم وتزوير الحقائق والمراهنة على الزمن لمحو أثار هذه الجريمة الشنيعة، والمراهنة على نسيان ضحاياها.
وكانت الدولة الجزائرية أقدمت على طرد ما يناهز 45 ألف عائلة مغربية من الجزائر في دجنبر 1975، بشكل تعسفي وبدون سابق إنذار، وفي وقت كان فيه العالم الإسلامي يحتفل بعيد الأضحى المبارك، غير عابئة بقدسية هذه المناسبة الدينية، والتي تترجم قيم ومعاني التضامن والتآزر و التسامح و التضحية، حيث وجدت هذه العائلات، التي عانت نفسيا وجسديا نفسها خارج ديارها وفي ظروف مناخية قاسية، بعد ان سلبتهم الدولة الجزائرية كل ممتلكاتهم وجردتهم من كل أغراضهم في ذلك المجوهرات والحلي النفيسة.
تسليط الضوء وتجميع المعطيات
فتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول هذه الفاجعة، سيساهم كذلك في تسليط الضوء على هذه الفاجعة وتجميع كل المعطيات حولها سواء تلك الموجودة بحوزة مختلف الإدارات والمصالح العمومية أو لدى الهيئات أو الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، مع حفظ ذاكرة الضحايا المباشرين وغير المباشرين، من خلال توثيق شهاداتهم وتجميع ما يتوفرون عليه من دعائم وحجج، علاوة على استشراف كل الإمكانيات لرد الاعتبارات للضحايا ومساعدتهم على الوصول إلى كل وسائل الانتصاف الممكنة،
وإذا كانت الدولة الجزائرية، لم تأخذ بعين الاعتبار إقامة هؤلاء المواطنين المغاربة بصفة شرعية بالتراب الجزائري على مدى عقود خلت، وتأسيس عدد كبير منهم أسرا مختلطة جزائرية مغربية، ومنهم من حملوا السلاح خلال حرب التحرير في مواجهة الاستعمار الفرنسي، فإن هذه السلطات أرغمتهم، وبدون سابق إشعار، على مغادرة الجزائر بدون أي سبب إلا لكونهم مغاربة، حيث جرى اقتياد الآلاف من النساء والرجال والأطفال والمسنين وحتى من ذوي الإعاقة في اتجاه الحدود المغربية. فإن الأبناء والأحفاد الذين ورثوا هذه المأساة، التي أصبحت مشومة في ذاكرتهم الحية، واحتفظوا بآثار هذا الطرد، والضحايا المباشرين وذو حقوقهم وأنصارهم تحذوهم اليوم إرادة قوية في أن يتم تسليط الضوء على هذه المأساة، وتثبيت مسؤولية الدولة الجزائرية، وترتيب الآثار القانونية على ذلك، مع رد الاعتبار للضحايا، وصيانة الذاكرة المشتركة للضحايا ومقاومة النسيان والإهمال الذي تراهن عليه الدولة الحاكمة في الجزائر لمحو أثار جريمتها النكراء.
إبقاء الملف مفتوحا وطنيا ودوليا
وبهدف الإبقاء على هذا الملف مفتوحا وطنيا ودوليا، كان الضحايا الذين عاشوا هذه المأساة الإنسانية، عملوا على تأسيس جمعيات خاصة بهم لإسماع أصواتهم، أو عبر القيام بمبادرات فردية، أو توثيق شهاداتهم من خلال اصدار كتب وأفلام أو أشكال أخرى، كل ذلك، مكن من طرح هذا الملف على انظار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولجنة حماية حقوق العمال المهاجرين. لكن على الرغم من أهمية هذه الخطوات التي اتخاذها الضحايا، فإنها تظل غير كافية خاصة في ظل استمرار الدولة الجزائرية في التعتيم على هذه الجريمة ونكران حدوثها أصلا وتزييف الحقائق بشأنها.
انطلاقا من ذلك فإن التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975 ( CIMEA75)، يسعى إلى جعل هذه المأساة فضلا عن طابعها الإنساني، قضية وطنية وحقوقية، مع التركيز على مستويات متعددة، منها القضايا الطرد التعسفي ومصادرة الممتلكات ووضعية الأطفال والإعاقة والتمييز والعنصرية، وذلك خلال ترافعها على المستوى الدولي حول هذه القضية، كما أوضح الفاعل الحقوقي والجمعوي عبد الرزاق الحنوشي عضو المكتب التنفيذي للتجمع الذي ليس تنظيما يضم الضحايا فقط، بل أيضا عددا من الأفراد الذين يقدمون الدعم والمساندة. أما محمد الشرفاوي رئيس التجمع الدولي ( CIMEA75 ) الذي تأسس في فبراير سنة 2021، ويضم كفاءات متعددة التخصصات خارج وداخل المغرب، فأشار إلى أن عمل التجمع الدولي يؤطره ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
جريمة ضد الإنسانية