أحمد المطيلي: ارتسامات عن المؤتمر الوطني الأول لعلم النفس العيادي وآفاقه بالمغرب

أحمد المطيلي: ارتسامات عن المؤتمر الوطني الأول لعلم النفس العيادي وآفاقه بالمغرب أحمد المطيلي
حضرت اليوم الأول للمؤتمر الوطني المنعقد يوم الخميس 10 مارس 2022 بإحدى مدرجات كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل. وقد شهد هذا اليوم مداخلات ثرة تناولت قضايا متنوعة مثل الوضعية القانونية للنفساني العيادي، ومسألة التكوين، وتدخلات النفساني العيادي في مجال التقييم والشخيص والوقاية والعلاج النفسي في مجال الإدمان الإلكتروني والإصابة بالسمنة ومصاحبة مرضى السرطان على سبيل المثال. وقد تميزت جل العروض المقدمة بتعدد مداخلها النظرية والمنهجية والتطبيقية في آن، وإثارتها لإشكالات هي من صميم الاهتمامات التي تشغل بال المتخصصين في هذا المضمار. لقد أحسن المنظمون صنعا أن مهدوا للمؤتمر بالمحاضرة الشرفية التي تناول فيها الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث الجامعي الأستاذ عبد اللطيف المودني الوضعية القانونية للنفساني العيادي والحواجز القائمة بين التخصصات الجامعية لانعدام الممرات الواصلة بينها. وقد كانت دعوته إلى تصحيح الوضع القائم مرافعة سديدة ومجيدة تذكر فتُشكر.

لقد أثيرت في خضم العروض قضايا جوهرية اتسمت بالتجاذب القائم بين التقنين العلمي والمنهجي لأدوات الأخصائي النفسي والنزعة الذاتية للممارسة العيادية بوصفها موئلا للإبداع والتجدد والتجديد لا الحصر والتقييد. فقد دعا الأستاذ على افرفار إلى اعتماد الروائز النفسية أدوات للفحص والتشخيص متى استوفت الشروط العلمية بناء وتبيئة وتقنينا، ومن ثم اقترح على المؤتمرين إنشاء مركز بحث لبناء الاختبارات النفسية حتى تكون عونا للمختصين النفسيين وللممارسين على السواء. 

وأما في مجال العلاج النفسي فقد دعا الأستاذ محمد الناصري إلى الأخذ ب"دعائم الممارسة المستدة على الأدلة" لتجويد أداء النفساني العيادي. لكن في المقابل ثمة من جاهر برفضه اعتماد الروائز والاكتفاء بالمقاربة العيادية والعلاقة العلاجية المبنية على التفاعل بين ذات المعالِج والمعالَج بمنأى عن كل تقنين أو نمذجة. وقد نبهت مداخلة الأستاذة خديجة الزيدي بحق على النقص المهول في عدد النفسانيين العياديين في المغرب اعتمادا على المعايير المقررة من قِبل المنظمة الدولية للصحة، ودعت منية مبروك الأستاذة الباحثة في اللسنيات إلى إدخال هذه المادة في برامج التكوين للمختصين في علم النفس العيادي لما لهذا التخصص من فائدة جليلة للمختصين.

والحق أن جل البحوث المقدمة قد اتسمت بثراء المعلومات وبسدادة النظر إلى المشكلات التي تواجه المتخصصين في علم النفس العيادي والمهام التي يضطلعون بها والآفاق التي يتطلعون إليها. لكن شابت المؤتمر بعض الاختلالات مثل التأخر في نشر البرنامج النهائي للمؤتمر وقلة النفسانيين العياديين الممارسين الذين شاركوا في المؤتمر بالمقارنة مع فئة الأساتذة الباحثين. ثم إن المحاضرة الشرفية والجلسة الأولى للمؤتمر لم تعقبهما فترة المناقشة مع أن أصحابها أثاروا جوانب تشريعية وتنظيمة وقضايا منهجية وعلاجية غاية في الأهمية. وهذه خسارة للمؤتمرين جميعا لأن نجاح المؤتمر ليس رهينا بعدد المداخلات ولا بكثرة المحاضرات فحسب وإنما بإثارة الأسئلة الشائكة وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أخذا وردا وتحليلا ونقدا. 
مع ذلك فقد خلف اليوم الأول للمؤتمر صدى طيبا في النفوس وكان له إشعاع خاص بما حمله من مساهمات تشي بحيوية هذا الفرع العلمي المتميز وبالنشاط المُتَّقد للقائمين عليه. لقد نجح المنظمون في لم شعث المشتغلين بعلم النفس العيادي وجمعهم على كلمة سواء دفاعا عن شرف المهنة وكرامة المتعاطين لها. فلا عجب أن تغص القاعة عن آخرها بجمهور المتتبعين ومنهم عدد لا يستهان به من شباب الباحثين وشيبتهم رجالا ونساء.

وقد قدر لي أن ألتقي بزملاء من كل الأجيال واستمتع أيما استمتاع بمجالسة بعض طلبة أستاذنا محمد بن حدو رحمه الله وغفر له. فقد حظي بتكريم خاص من لدن المشاركين قاطبة، وألقيت في حقه شهادات مؤثرة مثل شهادة السيدة جمانة الترك عميدة كلية علوم الصحة بالجامعة الدولية بالدار البيضاء وقد ألقيت بالنيابة عنها وكلمة زوجة الفقيد السيدة أمال التي حرصت على تتبع أشغال المؤتمر. وأصغى الجميع للأستاذ علي أفرفار في رثائه للفقيد إنسانا وأستاذا وزميلا وفيا ومدافعا مستميتا عن علم النفس العيادي.لقد قدمت إلى القنيطرة قادما من تطوان وكان بودي أن أشهد وقائع المؤتمر في اليوم الثاني لولا أني لم أتمكن من البرنامج إلا بيوم واحد فقط قبل السفر.  فلم يكن بوسعي ويا للأسف أن أمكث يوما إضافيا فأجور في حق مرضاي ومريضاتي. ومهما يكن من أمر فستظل وقائع اليوم الأول من المؤتمر الوطني لعلم النفس العيادي وآفاقه المهنية بالمغرب ذكرى جميلة في خاطري جمال ذلك الصباح المشرق من تباشير الربيع.