في اتصال هاتفي مع الفاعل الجمعوي المغربي المهدي بنسعيد الركيبي، تحدث بألق ونخوة من بولونيا مع جريدة "أنفاس بريس" لينقل قصته الرائعة مع معاناة الجالية المغربية، وخصوصا الطلبة المغاربة الفارين من جحيم الحرب بأوكرانيا.
المغربي المهدي بنسعيد الركيبي (31 سنة) مستقر بدولة بولونيا، متزوج بمواطنة بولونية رزق منها بمولود ذكر. هو ذاك الشاب المغربي الذي تربى في كنف أسرة مناضلة تعشق العمل الجمعوي والتطوعي بالمغرب. لم يتحمل معاناة الطلبة المغاربة في أوكرانيا منذ اندلاع الحرب، فقرر أن يقدم خدماته لأبناء وطنه.
المهدي لم يغفل عن نداءات واستغاثة الطلبة المغاربة من أوكرانيا التي كانت تصله عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي (تدوينات وفيديوهات)، حيث قرر أن يغامر في سبيل تقديم العون والمساعدة لأبناء جلدته تلبية لنداء الوطن وتفاعلا مع قناعاته ومبادئه.
"لقد لبيت نداء الضمير دون تردد، وقررت أن أقطع مسافات طويلة (أكثر من 600 كلم) على متن سيارتي الخاصة لأصل للحدود الأوكرانية- البولونية وأبحث عن المغاربة التائهين في النقطة الحدودية، وأساعد كل من يتكلم بالعربية لأنقله داخل بولونيا مجانا بتنسيق مع أصهاري البولونيين"، يوضح المهدي.
واستطرد الشاب المهدي: "تلبية نداء الاستغاثة كان صادقا وتلقائيا وإنسانيا، لأن الساحة الأوكرانية تعتبر منطقة حرب خطيرة، ويجب علي أن أقرر وأنفذ وأستعجل السفر نحو النقطة الحدودية لأقدم المساعدة الاجتماعية لشباب مغاربة (ذكورا وإناثا) أعياهم المسير بعد أن قطعوا 50 كلم مشيا على الأقدام تائهين عبر الممرات والطرقات دون بوصلة، متحملين الجوع والعطش والخوف...".
في سياق متصل أكد الشاب المهدي أن السلطات البولونية مشكورة وفرت كل المؤونة والألبسة التي سيحتاجها كل الفارين بمختلف جنسياتهم من جحيم الحرب الروسية الأوكرانية: "أكوام متراكمة من الألبسة الواقية من برودة الطقس، والماء والطعام، وجندت الأطقم الاجتماعية المساعدة لاستقبالهم (طواقم من جمعيات بولونية)، وتوجيههم داخل مرافق خاصة للراحة والنوم ثم القيام بما يستلزمه العمل الإداري"، أفاد المهدي.
وأردف قائلا: "بالأمس (الأحد 27 فبراير 2022) قمت بنقل سبع فتيات وشابين، من بينهم فتاتان من الجزائر، رغم أن القانون وتأمين السيارة لا يسمح لي إلا بنقل أربعة أشخاص، لكني غامرت بنقلهن نحو بولونيا لأن درجة الحرارة وصلت (12 ليلا) إلى ناقص 3 درجات....".
تشبع المهدي بالعمل الجمعوي والتطوعي والإنساني وتحفيز أصهاره البولونيين، جعله يغامر ويأخذ زمام المبادرة رغم أن الشرطة البولونية لا تتساهل في خرق القانون، بل إن بوليس بولونيا يشك في مثل هذه الأعمال، خصوصا إذا كانت السيارة خاصة وليست مثل طاكسي الأجرة. "كنت أقطع مسافة 600 كلم لأصل للنقطة الحدودية بين بولونيا وأوكرانيا وأبحث عن كل من يتحدث باللغة العربية (مغاربيين) لأقدم لهم (ن) المساعدة"، يقول المهدي الذي قام بهذا العمل عشرات المرات.
ومن بين مستملحات حكايات تطوعه الإنساني قال المهدي بفخر واعتزاز: "الشابتان الجزائريتان اللتان نقلتهما لبولونيا انتابهما بعض الخوف، وشككتا في خدمتي التطوعية، لكنهما بعد ذلك اطمأنتا بعد أن رافقهما شباب مغاربة على متن سيارتي نحو بولونيا… مع العلم بأن النقطة الحدودية لا توجد بها أي بنايات أو مرافق اجتماعية أو مقاه للراحة والاطمئنان… وأقرب مدينة كانت تبعد عن الحدود بنحو 12 كلم في اتجاه بولونيا".
وعن سؤال تدخل السفارة المغربية ببولونيا، نوه المهدي بتحركاتها، لكنه أكد على ضرورة تواجد أطقمها بالنقطة الحدودية لتقديم الخدمة والعون للجالية المغربية، في هذا السياق طالب المهدي من السفارة المغربية بضرورة الترخيص للمتطوعين وتحريك الباصات لنقل الفارين من جحيم الحرب التائهين في الحدود بين أوكرانيا وبولونيا.
وقد أسر مصدر من عائلة المهدي الركيبي بنسعيد للجريدة بأن أخبارا مفرحة قادمة من هناك، حيث قامت السفارة المغربية مساء اليوم بما يلزم من خدمات تلبية لنداء الاستغاثة لنقل كل العالقين بالنقطة الحدودية بين أوكرانيا وبولونيا.