الدبيش: لمواجهة الجفاف على المغرب إحداث طرق سيارة مائية بباطن الأرض

الدبيش: لمواجهة الجفاف على المغرب إحداث طرق سيارة مائية بباطن الأرض عبد الوهاب الدبيش إلى جانب مشهد من خطارات الماء
من حسنات الطبيعة بالمغرب أنها أكملت هيئته الجغرافية بأن حكمت عليه بالتنوع والاختلاف. فجعلت وسطه جبالا واحاطتها بالهضاب، وأكملت حواشيه بالسهول، وجعلت جغرافيته تحظى بواجهتين بحريتين تؤثت هذه التضاريس.
وللعاقل أن يتساءل عن هذا الشكل الجغرافي الذي جعله ولله الحمد مستقلا بموارده المائية التي ينفرد بها،دون اقتسامها مع الغير. لكن أين ذهبت فطرتنا وفطنتنا عن إدراك هذا المعنى ومرامي هذا الشكل التضاريسي المتنوع والمتكامل.؟!
لفهم هذه القضية لا بد من العودة إلى التاريخ. كانت المجاري المائية الوسيلة التي مكنت الانسان المغربي والاخر من اكتشاف بيئته. والدليل على ذلك أن أغلب الأبحاث الأثرية التي جاءت بمؤشرات عن تواجد الانسان بالمغرب تمت في المناطق التي بها مجاري مائية، أو ينابيع مائية. وكانت لكل ثقافة آلياتها في استخدام هذه الموارد بما يساهم في ارتقاء الانسان بالمغرب. أسس العمران وكان الماء هو الحاسم في ذلك من حيث اختيار مكان تشييد الحواضر وأماكن التجمعات البشرية..وكان الماء والموارد المائية دليل الدول في تطوير قطاعات اقتصادية ليس أقلها الفلاحة والري؛ وإسهامات الموحدين في ذلك أكبر دليل على تمكنهم من حكامة مائية جيدة، ساهمت في إعطاء المغرب والمغرب العربي عموما امكانيات اقتصادية جعلتها امبراطورية قوية بكل المقاييس..
هذه الفلسفة غيبتها سياسة مائية غير رشيدة وغير ملاءمة للبلاد ولجغرافيتها واعني بها السدود الكبرى المفتوحة والمقامة هنا وهناك عبر التراب الوطني. لفهم ذلك يلزمنا أن نعود للموقع الجغرافي للبلاد، نحن من حسن طالعنا أو عكسه نقع في منطقة فاصلة بين البرودة والرطوبة التي يتسم بها شمال المتوسط وبين الحرارة والجفاف الذي يعم الصحراء الكبرى. فالقاعدة المناخية هي انعدام التوازن في التساقطات والجفاف بين سنة وآخرى وبين مجال واخر. والاستثناء هو التوازن  وهذا ما جر على المغرب والمغاربة ويلات ليس أقلها المجاعات والأوبئة والفيضانات من حين لاخر. 
إذن كيف الخروج من هذه الدوامة؟ في اعتقادي المتواضع النموذج الموحدي لا يزال صالحا من حيث الأسلوب، ولكن بتقنيات أخرى تلاءم زمن العصرنة والتحديث. وأساس العمل وأسلوبه هو ربط الشبكة المائية المغربية ببعضها البعض عبر قنوات باطنية على طريقة الطرق السيارة.
لماذا هذا الاسلوب؟
أولا:
سيمكننا من ادخار أكبر للمياه والمحافظة عليها من التبخر الذي تتعرض له في السدود المفتوحة خصوصا في السفوح الجنوبية للسلاسل الجبلية.
ثانيا: ستمكن المناطق الهامشية من موارد مائية إضافية وهي المناطق الأكثر عرضة للجفاف. وأسلوب هذا العمل هو انجازه بطريقة الأوراش الكبرى التي اعتمدناها بأسلوب قديم في طريق الوحدة واعتمدها غيرنا خصوصا في العالم الاسيوي بأدوات أكثر تطور .هذه العملية التي يمكن أن تدوم زهاء نصف قرن يمكن أن ترافقها سياسة تعمير جديدة تعيد للبلاد توازنها الديمغرافي الذي سيزيح من الخريطة جيوشا من العاطلين المكدسين في مدن الاسمنت والجديد المنتشرة بهوامش المدن الكبرى.
البعد التنموي حاضر في هذا التصور  وهو تمكين المواطن من إنتاج الغذاء السلاح الاكثرتأثيرًا في مواقف الدول والشعوب في القرن المقبل. والبعد الاستراتيجي الاهم هو تركيع الجوار باخضاعه لمنطق المواقف المؤيدة مقابل الماء. والأهم من كل ذلك هو توحيد الرؤية المجتمعية الرامية الى إشراك أفراد المجتمع في بناء هذه الأوراش والاستفادة منها، وهو إشراك غايته توعية الناس بقضاياهم العادلة، وأهمها قضية الوحدة الترابية التي لن نربحها الا بمواطن ينعم بتنمية مستدامة مستمدة من بيئته وحياته وتاريخه. هذا علاوة على البعد البيئي الكامن في ادإعادة الاعتبار للشجرة وهي أساس توازنه المناخي المفتقد حاليا.