عبدالله بوشطارت: ندوة حول الأمازيغية بالناظور.. أسئلة الشكل والمضمون

عبدالله بوشطارت: ندوة حول الأمازيغية بالناظور.. أسئلة الشكل والمضمون عبدالله بوشطارت
لم يحالف الحظ منظمي ندوة الناظور حول ما سموه بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية، وهم حزب التجمع الوطني للأحرار ومركز شروق للديموقراطية وحقوق الانسان، بسبب مصادفة تاريخ الندوة مع قضية الطفل المرحوم "ريان" التي جلبت اهتماما واسعا منقطع النظير من كل بقاع العالم، وتابعها جميع المغاربة بدون استثناء بشكل مستمر على رأس كل دقيقة، وبقيت ندوة الناظور حبيسة جدران قاعة الفندق الذي نظمت فيه، وحضرها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة السيد "شكيب بنموسى"، ولو لم تشر بعض المواقع الإلكترونية القريبة من حزب الأحرار لهذه الندوة، فكانت ستمر دون أن يذكرها أحد. ورغم ذلك فإن الندوة بالرغم من الأموال التي صرفت عليها واللوجيستيك المخصص لها، إلا أنها لم تكن في المستوى المطلوب، ولم تناقش فيها الأسئلة الحقيقية التي يجب طرحها حول قضية تفعيل ترسيم الأمازيغية، لسبب بسيط لأن المنظمين والحاضرين أغلبهم ينتمون إلى حزب رئيس الحكومة، كما أن ما أسفرت عنه الندوة من توصيات ضعيف ومحدود جدا ولن يكون له أي تأثير. 
وبما أن الموضوع له علاقة بالامازيغية، فلابد لنا من تحليل هذه الندوة وما راج فيها من أفكار ونقاش. ونقترح هذا التحليل وفق المنهجية التالية:
السياق:
اختار منظمو الندوة حول الامازيغية في مدينة الناظور أن يكون تاريخ انعقادها يوم 5 فبراير وهو المتزامن مع ذكرى وفاة الأمير مولاي موحند بن عبدالكريم بالقاهرة الذي رحل يوم 6 فبراير 1963 بالقاهرة، وهو يوم له رمزية بالغة في المغرب وفي الريف وداخل أوساط الحركة الامازيغية. فاختيار هذا اليوم يظهر أن حزب الأحرار يريد استغلال الرمزية التاريخية والثقافية لذكرى رحيل مولاي موحند لنقاش الأمازيغية في الريف. وهو اليوم الذي اختارت فيه جريدة العلم الناطق باسم حزب الاستقلال حليف الأحرار في الحكومة انجاز ملف أسبوعي حول عنوان: "جروح حرب الريف التي لم تندمل/حين غطت اسبانيا سماء الريف المغربي بالغازات الكيماوية".
كما جاءت هذه الندوة بمدينة الناظور في سياق عدم ترسيم الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش رئيس حزب الأحرار، لرأس السنة الأمازيغية بعد أن كان وعد بها المغاربة والحركة الامازيغية حين كان يتصارع لاسقاط الإسلاميين. وفي المقابل عمدت الحكومة المحلية لمليلية على الترسيم الفعلي لاحتفالات إيض ايناير أو رأس السنة الامازيغية، حين نشرته في الجريدة الرسمية وأعلنت عن برنامج زاخر وحافل لتخليد رأس السنة الامازيغية، في اطار ما تقوم به حكومة مليلية التابعة للدولة الاسبانية من مجهودات فعلية وواقعية للنهوض بالامازيغية في مدينة مليلية غير البعيدة عن مدينة الناظور.
 شكلا:
الندوة نظمها حزب التجمع الوطني الأحرار بتنسيق مع مركز شروق التابع للسيد محمد أوجار عضو المكتب السياسي لنفس الحزب وأحد مثقفيه ومنظريه، وهو وزير حقوق الانسان السابق ووزير العدل ثم سفير سابق. وهو ابن الريف من منطقة تارگيست التابعة حاليا لإقليم الحسيمة. ويظهر من خلال ظهور اسم مركز "شروق" في التنظيم والتنسيق للندوة حول الامازيغية أن المنظم الحقيقي هو السيد "محمد أوجار" الذي ترأس الندوة الافتتاحية، يتضح أنه يريد ارسال رسائل مشفرة إلى رئيس حزبه وإلى المحيط السياسي بشكل عام، عن طريق أخذ المبادرة للنقاش حول الامازيغية داخل الحزب، واختيار مدينة الناظور فيه إشارات كثيرة، على اعتبار أن حزب الأحرار بعد صعود أخنوش لرئاسته، يعتمد على منطقة سوس بالدرجة الأولى كمنصة سياسية لمعاركه حول الأمازيغية، كما يظهر ذلك في الاستقطابات التي قام بها الحزب داخل "الحركة الأمازيغية" في سوس، وكافئ أخنوش بعضهم في الدواوين ورئاسة الحكومة التي يطغى عليها أبناء سوس، في المقابل تم تهميش أبناء الجهات الأخرى كالجنوب الشرقي وحوز مراكش والريف والأطلس. فحتى الاستوزار في هذه الحكومة ذات التحالف الثلاثي، يطغى عليه التحالف الغريب بين "سوس وأهل فاس"، عزيز أخنوش (تافراوت) وعبداللطيف وهبي (تارودانت) ونزار بركة (فاس). فنلاحظ غياب الريف بالمقارنة مع الحكومات السابقة. حيث كان مصطفى المنصوري إبن مدينة العروي ضاحية الناظور هو رئيس حزب الأحرار، (هو الآن سفير المغرب بالسعودية)، وكان محمد أوجار أحد زعمائه طيلة فترة ترأس مزوار للحزب بعد أن قام ب"انقلاب" على المنصوري، وكان "إلياس العماري" ابن مدينة الحسيمة أمينا عاما للأصالة والمعاصرة قبل الإطاحة به من طرف وهبي. بخلاصة يظهر بشكل واضح سيطرة سوس وفاس على الأحزاب المشكلة للتحالف الثلاثي. مع مكافأة منطقة تطوان ومنطقة الصحراء في كل من رئاسة مجلس النواب في شخص الطالبي العلمي (حزب الأحرار)، و"منعم ميارة" رئيس مجلس المستشارين (حزب الاستقلال). فماذا تبقى لمحمد أوجار؟
 وربما هذا ما فطن له "محمد أوجار" في دعوة شكيب بنموسى (فاس) إلى الريف للحديث عن الامازيغية، برفقة السيدة "ليلى مزيان بنجلون" رئيسة مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتعليم والبيئة، وهي زوجة الميلياردير "عثمان بن جلون"، وابنة الجنرال الريفي محمد أمزيان ابن منطقة بني نصار ضواحي مدينة الناظور. (في الحقيقة مؤسسة ليلى أمزيان تقوم بخدمات جليلة في تدريس اللغة الامازيغية). فهل هذه الندوة يراد منها سحب بساط الامازيغية من تحت أرجل عزيز أخنوش، ونقله من سوس إلى الريف؟ من يدري؟
نطرح هذه الأسئلة، ونستحضر ما قاله "أوجار" في ذات الندوة، من كونها تشكل منطلقا وبداية لندوات أخرى، ونفهم أن رئيس مركز "شروق" اختار مدينة الناظور ونقاش حول الأمازيغية لإعلان عودة اسم  "محمد أوجار" إلى الميدان والتفكير والتنظيم قبل انعقاد مؤتمر الحزب في بداية مارس المقبل، فالجميع داخل حزب الأحرار يتحدث عن "الطريق إلى المؤتمر" لكن لا أحد يعلم ما هي نهاية الطريق بما فيهم رئيس الحزب نفسه. 
دعوة شكيب بنموسى الوزير القوي والهادئ في حكومة التحالف "الثلاثي الهجين"، من طرف محمد أوجار للحديث عن الامازيغية وتفعيل ترسيمها، له دلالات أخرى كثيرة، وهي أن الوزير سُجل عليه رفع دعوى قضائية لحل الحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي سنة 2007 حين كان وزيرا للداخلية، أفضت إلى الحكم بالحل والبطلان على حزب المرحوم "داحماد الدغرني" في أشهر محاكمة قضائية لحزب سياسي في العالم، وذلك في سنة 2008. 
بنموسى إلى حد الآن يظهر أنه وزير فوق العادة في هذه الحكومة، التي ولجها من بابها الواسع بتقريره حول النموذج التنموي الجديد الذي أصدره قبيل الانتخابات، وتبنته جميع الأحزاب السياسية وبه خاضت المعارك الانتخابية فيما بينها، وبه نالت الأصوات والمقاعد، وحتى بعد تعيين رئيس الحكومة الجديد أخنوش قال أنه سيسهر على تطبيق ما جاء في تقرير النموذج التنموي الجديد، أكثر من ذلك؛ أن بعض وزرائها كانوا أعضاء في لجنة اعداد النموذح التنموي، إذن هذه الحكومة هي "حكومة النموذج التنموي الجديد" بامتياز. لكن توجد هنالك مفارقة عجيبة، وهي أن رئيس لجنة النموذج التنموي الجديد ومنسقها، شكيب بنموسى يتولى حقيبة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة في هذه الحكومة، فكان الأجدر أن يكون هو رئيس الحكومة حتى يتمكن فعليا من تطبيق توصيات التقرير التي جاءت شمولية ولم تتحدث فقط عن التعليم الأولي. إذن حضور الوزير بنموسى في ندوة الناظور للحديث عن موضوع الامازيغية، وهو حديث العهد بالوزارة التي تعاني منها الامازيغية أزمة حقيقية وبنيوية، فيه إشارات ورسائل أخرى، واختياره الريف هو الآخر تعبير عن رهانات يعيشها الوضع الداخلي لحزب "محمد أوجار" منظم الندوة والتي افتتحها "عزيز اخنوش" عن بعد عن طريق الفيديو في دقائق معدودات. 
أما بخصوص المدعوين، فباستثناء الاستاذ "محمد بودهان"، فجميع الذين تم استدعائهم باعتبارهم نشطاء وباحثين داخل الحركة الأمازيغية، فهم إما ملتحقون بحزب التجمع الوطني للأحرار وأعلنوا ذلك بشكل علني قبيل الانتخابات، أو قريبون منه يتولون مهمة تنفيذ خطة حزب الأحرار داخل اوساط الحركة الأمازيغية وتبييض صورة الحكومة الحالية في وساءل الاعلام فيما يرتبط بنكسات الحكومة وتراجعها الكبير عن المكتسبات المحققة لصالح الامازيغية منذ سنوات، وتخاذلها للامازيغ في عدم ترسيم رأس السنة الامازيغية كيوم وطني.
خلاصة، على مستوى الشكل، يتضح أن هذه الندوة لن تعطي أي إضافة تذكر لصالح الأمازيغية، لأن الجهة المنظمة هي نفسها الجهة الحاكمة، فالحزب المنظم هو نفسه يترأس الحكومة، والمدعوين أغلبهم ينتمي ويدافع وموالي لحزب أخنوش، يعني يبقى العنوان المختار للندوة " تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي للامازيغية: تصورات إجرائية" غير دي جدوى وغير دي معنى، فالحاضرون ما عليهم إلا أن يقوموا بتطبيق القوانين التنظيمية ويطبقون تصوراتهم الإجرائية وغير الإجرائية، فالكل ينتمي لحزب الاحرار الذي تزعم الحكومة والكل يسبح في نفس المسبح، فهيا بكم إلى العمل وتفعيل الامازيغية داخل المؤسسات، دون الحاجة إلى حجز القاعة في الناظور. إذن الهدف هو شيئ آخر، فلنذهب إلى المضمون.
 مضمونا:
لا داعي إلى عرض برنامج الندوة، فهو لم يخرج عن الاطار العام للندوات التي ينظمها حزب الأحرار منذ أن عقد العزم على اختراق الحركة الامازيغية بزعامة أخنوش، وهو الذي فعل في الحركة الامازيغية ما لم يفعله المرحوم المحجوبي أحرضان حين كان رئيسا للحركة الشعبية، وما لم يفعله الياس العماري حين كانن امينا عاما لحزب الاصالة والمعاصرة. فنفس الكلام والمواضيع التي سبق الحديث عنها حول الامازيغية من قبل حزب الاحرار في كل من أكادير وتزنيت وبيوكرى والرباط، تم إعادة نفس الخطاب من نفس الأشخاص النشطاء الامازيغيين في ندوة الناظور. لكن ما نود التركيز عليه هو ما جاء في التوصيات، خاصة حين طالب الحاضرون ب " ضرورة احداث آلية وطنية للإشراف ومواكبة تنفيذ القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية وتدارك التأخير". حقيقة مطلب غريب جدا، إن كان هذا المطلب صدر عن فاعلين مستقلين وجمعيات الحركة الامازيغية المستقلة عن الأحزاب ذات مصداقية ووزن ميداني ونضالي، سيكون مطلبا محترما ومنطقيا، اما أن يصدر هذا المطلب من حزب متزعم الحكومة ونشطاء امازيغ ينتمون إليه وقريبون منه يدافعون عن طروحاته، فهو أمر غير منطقي، لأن هذه الآلية كيف لها أن تراقب عمل الحكومة وتنتقده وتعارضه وهي تابعة له. مع العلم بوجود لجنة وزارية يترأسها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، كان العثماني قد أسسها في ولايته، مهمتها هي تتبع ومراقبة وتنسيق والاشراف على تفعيل مضامين القوانين التنظيمية لترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور، وتقوم ذات اللجنة الوزارية بالتنسيق مع كافة القطاعات الوزارية المعنية بترسيم اللغة الامازيغية. إضافة إلى ما خلقه أخنوش في ديوانه برئاسة الحكومة حول الأمازيغية... ورغم كل ذلك، لا زلتم تبحثون عن آليات!! 
لكن حينما نقرأ في التوصية أن هذه الألية التي طالبت بها ندوة محمد أوجار في الناظور، تشترط أن تتكون من أعضاء مدنيين وباحثين في الحقل الأمازيغي، يعني بصراحة فتح المجال أمام الذين حضروا إلى الندوة لتشكيل تلكم الآلية، التي ربما ستتحول إلى آلة لصرف ميزانية صندوق أخنوش للأمازيغية، الذي قيل أنه سيضخ فيه مبلغ  200 مليون درهم كل سنة. 
إذن، فلا غرابة أن نرى المزيد من الندوات والجلسات حول تفعيل ترسيم الأمازيغية في كل مناطق المغرب، يحج إليها أشخاص معددون معروفون، مادام أن أخنوش لم يفتح بعد صندوقه، ومادام أن المخزن لم يفصح بعد عن تشكيلة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية...مادام ذلك لم يحصل بعدُ...فانتظروا المزيد... أما الأمازيغية فلها رجال ونساء يدافعون عنها دوما وأبدا....

عبدالله بوشطارت، كاتب واعلامي