عبد العزيز كوكاس: أعيش الكتابة الصحافية كتجربة وجودية، فالكلمة موقف، حرقة، متعة، شجاعة وصدق..

عبد العزيز كوكاس: أعيش الكتابة الصحافية كتجربة وجودية، فالكلمة موقف، حرقة، متعة، شجاعة وصدق.. عبد العزيز كوكاس، وغلاف مؤلفه "براد المخزن ونخبة السكر"

أكد الإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس في حواره مع جريدتي "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" أن كتابه الأخير "براد المخزن ونخبة السكر" يعكس مخاض أسئلة جيل كان في قلب التحولات التي شهدتها نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة، ويضيف بلغة شفيفة وعمق فكري أنه وجد نفسه متورطة في الكتابة الصحافية ضمن ما أسماه صحف النقمة لا صحف النعمة، وتحمل كتاباته وشم زمنها غير أنها تتجاوزها وتحافظ على وهج الحياة فيها من خلال محاولة إمساكه بالجوهري المحرك للأحداث والوقائع التي عبرت الجسد المغربي".

+ كيف تقرب قراءنا من قضايا كتابك الجديد؟ وكيف تفكك لنا دلالات هذا العنوان المثير؟

كتاب "براد المخزن ونخبة السكر" الصادر حديثا عن منشورات النورس هو الجزء الثاني من سلسلة "أحلام غير منتهية الصلاحية"، التي تتشكل أساسا من مقالات في التحليل الإخباري والتحليل السياسي تهم الراهن المغربي ومختلف القضايا الكبرى التي عشت جزءا غير يسيرا منها في قلب معمعانها على امتداد عقدين من الزمن في بداية هذه الالفية، قريبا من صناعها أو متتبعا عن قرب لمجرياتها، أو كمواطن وصحافي معني بكل ما يحدث في محيطه..

+ عادة ما تؤدي المقالات والتحليلات الصحفية وظيفة آنية ثم تنسى مع توالي الوقت. لكنك اخترت أن تنشر هنا بعض مقالاتك. هل لأن الواقع السياسي لم يتغير تماما كما تتساءل في حديثك عن إصدارك؟

صدقت، وأؤكد لك أنني حين كنت أخط هذه الكتابات لم أكن أفكر يوما في إصدارها مجتمعة في كتاب، كانت وليدة اللحظة السياسية والصحافية التي أملت كتابتها، فالتحليل الصحافي الإخباري والتحليل السياسي والعمود محكوم باللحظة الزمنية التي أوحت به، فالمقال الافتتاحي هو تعبير عن موقف من قضية ومحاولة فهم حدث أو واقعة، يفكر في اللحظة أكثر مما يهمه الخلود، لأنه مشروط براهن كتابته، لكن بعد مرور الزمن، ثمة ما يبقى صامدا، هل لأن الواقع لم يتغير كثيرا، أم لأن عمق الكتابة بكل الوجع المصاحب لها نجح في القبض على ما هو جوهري في الميكانيزمات المحركة للأحداث والوقائع.. البعض يرى أنني خلال كتاباتي الصحافية دأبت على محاولة الإمساك بالجوهري لا الالتفات للعابر في الوقائع والأحداث التي كنت أتناولها، ربما يكون هذا هو السر في "خلود" العديد من هذه التحاليل والكتابات الصحافية التي تجيب حتى على راهننا اليوم، كأنها كتبت الآن وهنا..

+ ألا يعني الأمر فقط أنه تريد تخليد أثرك الشخصي من خلال مثل هذا الإصدار؟

أعرف أن النفس أمّارة بالنشر وتستعجله، وقد يكون هذا فيه بعد فلسفي يتعلق بمقاومة الموت بتثبيت شريط الزمن وترك الوشم للانتصار على العبور بدون أثر ولا ذكر، قد تكون العودة إلى نشر هذه المقالات مجتمعة بحثا عن وشم يبقى بعدي وتكون فيه فائدة للأجيال القادمة إذا قدر لهذه الكتب أن تستمر في الحياة، ولو أني أطمح أن تكون للأجيال القادمة أسئلة مغايرة وقلقا وجوديا يتجاوز طموحاتنا وأحلامنا، لأني أحلم بتقدم هذه البلاد وما عليها من عباد، أما عن فقط مطمح جمع الأثر الشخصي، فلم تجف قريحتي بعد ولا زال القلم سيالا، وهناك مشاريع إبداعية وكتب موجود بالقوة في رفوفي أتمنى فقط أن يطيل الله عمري حتى أفي بإخراجها لا الاهتمام بالجاهز والمنجز سابقا، كما يقول المغاربة "الله يْقَادْ لَعْمُرْ مْعَ البْصَرْ"، مع النظر في الكتب والقدرة على الكتابة.

ولفهم جزء مما طرحته في سؤالك، أذكر في هذا المقام بمقال كان عبارة عن رسالة مفتوحة للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، كتبتها نهاية عام 2016، فتم تداولها اليوم بقوة بمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب، وهذا حدث مع مقالات عديدة يتم إحياؤها ونشرها من طرف جرائد ومواقع أو يجري تداولها بين رواد التواصل الاجتماعي في غير الزمن الذي كتبت فيه، وهو ما يعني أنها ظلت تقدم أجوبة على أسئلة راهنة حتى لو كانت قد كتبت في الأصل قبل عقدين من الزمان.. وربما يوجد المحللون والنقاد في موقع أحسن مني لتقديم إجابة شافية عن هذا الأمر.. المهم أني عشت دوما الكتابة كتجربة وجودية، وكانت لدي الكلمة موقفا، حرقة، لذة ومتعة، شجاعة وصدقا..

+ يُعاب دائما على المبدعين انكفاؤهم في ما يعتبر بروجا عاجية.. بخلاف ذلك تقتحم أنت مجال الكتابة السياسية بما يعنيه ذلك من ضرورة ملاحقة المتغير اليومي، ورصد التكتيك السياسي وما يقتضيه من تبدل الأحلاف والمواقف. كيف تعيش هذا التراوح بين مجالين مختلفين: الكتابة الإبداعية والتحليل السياسي؟

هل كتابنا حقيقة بعيدون عن وهج السياسي ومخاضات الواقع؟ أعتقد أن هناك صورا نمطية توارثناها دون أن نخضعها لمهماز السؤال الذي لا ينام على قناعات كسولة، ليس مطلوبا من كل الكتاب أن ينشغلوا باليومي والعابر، صحيح مطلوب منهم مواقف تنتصر لقيم التحديث والحرية والديمقراطية والأفق الكوني.. لكن ليس مفروضا في مثقفينا الانغماس في الكتابة السياسية بدعوى الالتزام بالقضايا الكبرى، فكل لما خلق، لو انغمس العروي والجابري والخطيبي وعبد السلام بنعبد العالي وسبيلا... وغيرهم كثيرون في قلب اليومي والعابر لما كانوا كبارا على ما هم عليه اليوم، ولما تركوا لنا ما لا يفنى.. أنا قُدّر لي أو عليّ أن أكون أديبا مبدعا، ولكن متورطا بعمق في الصحافة، في قلب الكتابة السياسية الحارقة ذات زمن.

لقد قدر لي الانتساب إلى صحف النقمة بدل صحف النعمة، لذلك حملت كتاباتي كما يشهد عليها كتابي "براد المخزن ونخبة السكر" بصمة هذا الإتجاه الذي لم يكن أبدا اختيارا بل التزاما صحافيا وأخلاقيا يعانق أحلام جيل متوثب، متحفز، تراوده أحلام الحرية والعدالة والديمقراطية والتقدم عن نفسه، فكيف يلهو ويلعب؟ من هنا رمزية العنوان الذي اخترته لهذه السلسلة من الكتب: "أحلام غير منتهية الصلاحية".. فكصحافي لم يكن ممكنا لي أن أنحاز إلى الكتابة الملساء، التسطيحية والمعلبة التي لا تهش ولا تبش..

أنا ابن زمني رفقة العديد من الأقلام النظيفة وجدنا أنفسنا بقوة الأشياء في نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة أمام زخم كبير وطموحات نخبة جديدة وأمة تتوق للانعتاق والتقدم، لذلك عكست كتاباتي كل هذا الوهج بانتصاراته وانكساراتهن بنجاحاته وخيباته أيضا..