كريم مولاي: عام يمضي من أحزان الجزائر

كريم مولاي: عام يمضي من أحزان الجزائر
سنة أخرى تمر من عمري، ولا أزال أحلم بيوم تشرق فيه شمس الحرية على بلادي الجزائر، لتلحق بركب الدول الحرة القائمة على العدل والمساواة بين أبنائها، والتي تقرر فيها الشعوب مصيرها دون وصاية من أية قوة..
هنا في بلاد الغرب التي منحتني قيمتي الإنسانية، يحتفل الناس بأعياد ميلادهم كل عام، ويقيمون الحفلات، ليس لأنهم خسروا عاما من أعمارهم لن يعود بالتأكيد، ولكن احتفالا بما هو مقبل من الأيام، وبأنهم تمكنوا من الحياة عاما آخر.. أما نحن فقليل منا من يحتفل بتقدمه في العمر، ليس لأننا لا نقدر الأعمار ولا نشكر الله أن منحنا الصحة والعافية والحياة، وإنما لحالات اليأس والإحباط التي زرعها فينا قياداتنا حتى أننا لا نساوي شيئا عندهم سوى أننا أرقام يعدونها في كل مناسبة لا أكثر ولا أقل..
أنا كريم مولاي، سليل عائلة جزائرية أمازيغية مسلمة’، أحمد الله حمدا الشاكرين أن رزقني طول العمر، وأن منحني من الخير أكثر مما كنت أتوقع.. نجوت بحمد الله من قبضة عصابة عسكرية واستخباراتية بائسة اختطفت بلادي الجزائر منذ استقلالها، وهي تضلل الناس بتقديم نفسها كحامية للبلاد.. ولو أنني حققت هذا الحلم وحده لكفاني فخرا، هذا إذا لم أذكر أنني تمكنت وبتوفيق من الله أولا ثم بإصرار وعزيمة الرجال أن أصدع بالحق يوم كان الصدع به مرا، وأن أواجه مصيرا مجهولا في بلاد لا يعرف أحد لها سبيلا..
عام آخر من عمري أودعه هذه الأيام، وصحتي بالتأكيد تراجعت لكن حلمي بحرية الجزائر لم يطرأ عليه أي فتور، ومازلت مقتنعا بأن فجر التحرر من قبضة العسكر أمسى أقرب من أي وقت مضى.. لا أخفيكم سرا أنني افتقدت ابنتي الوحيدة التي من الله بها علي، كما أفتقد بقية أهلي جميعا، لكنني لم أندم للحظة أنني اخترت الطريق الصحيح يوم أن طويت صفحة الخضوع لعصابة المخابرات..
كل يوم تشرق فيه شمس هذه الديار التي من الله بها علي لأقضي فيها بقية عمري، إلا وأحمده أن منحني الشجاعة المطلوبة لوضع حد لتيه وراء جشع الجائعين والطامعين في الكراسي ولو كان ذلك على حساب، لا أقول سيادة البلاد، إذ لم تكن للجزائر سيادة منذ استعمارها الفرنسي، وإنما على حساب قيم الإنسان التي كرمه الله بها..
اليوم وأنا أتابع كغيري من أبناء الجزائر تسريبات قرميط بونويرة السكرتير الخاص لقائد الجيش الراحل قائد صالح، وطبيعة المؤامرات التي تخوضها أجنحة العصابة المتحكمة في مصير 40 مليون جزائري، أشعر بارتياح كبير لأنني كنت سباقا إلى الكشف عن هذه المعارك، وعن الجزائر التي تهوي بها هذه العصابة إلى الحضيض.
لا أريد أن أجعل من مناسبة عزيزة علي وهي عيد ميلادي، أن تكون مدخلا للأحزان والأوجاع، وإن كان هذا هو واقع الجزائر، ولكنني أريد أن أبشركم بأن ليل الظلم قصير مهما طال، وأن العدل والحرية آتية بحول الله رضي من رضي ورفض من رفض.. وهذه سنة الله في خلقه، ولكن المستبدين لا يعقلون.. وإلا لو أن السلطة تدوم لأحد لما كانت قد وصلت إليهم..
وفق هذه القناعة لن أبكي على ماض ولى وانتهى، ولن أرفع أصوات النحيب على واقع جزائري بائس، زادته الجائحة الصحية بؤسا، بل سأبقى متفائلا واثقا بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن الله عز وجل الذي يرى كيف أن ثرواته التي من بها على عباده عامة ومن الجزائريين خاصة يستخدمها المستبدون في بلادي ليس فقط في تركيع الجزائريين وإذلالهم، وإنما في زرع الفتن والوقوف إلى جانب الظلام في سوريا والانقلابيين في تونس، وتشتيت شمل الأفارقة.. لن يترك عباده تحت هذه الطغمة، وما ذلك على الله بعزيز..
كل عام وأنتم أحبتي بكل خير، والجزائر إلى الحرية أقرب..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري