اللجان المؤقتة.. "بيوت العنكبوت" المعشعشة في مديرية الرياضات

اللجان المؤقتة.. "بيوت العنكبوت" المعشعشة في مديرية الرياضات

تتخبط جل الجامعات الرياضية وسط مستنقع من المشاكل الكثيرة والمختلفة، فمنها البنيوية والمادية والتشريعية والقانونية والتأطيرية، بالإضافة إلى افتقادها للشفافية في التسيير وعدم الانضباط للقوانين الأساسية المنظمة لها وانغلاقها على محيطها الضيق، وعدد المنخرطين والأندية يبين مدى انكماشها وضيق رحابة أفقها، والصراعات والتناحرات والتخندقات تنهش في جسمها، وهلم جرا من مختلف النعرات التي تزيد من تفككها وجمودها...

 

ميمون العربي

 

هذا حال أغلبية الجامعات، مما يدفع الوزارة الوصية للتدخل في شؤونها وحلها. إلا أن جل تدخلات هذه الأخيرة يكون بانتقائية تقتصر على جامعات بعينها دون أخرى لا تستطيع حتى الالتفات اتجاهها، اللهم بعض الخرجات التي تأتي تحت ضغط الجمهور والنتائج، أو أخرى للدعاية، ولكم في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وأم الرياضات (ألعاب القوى) النشاز عبرة.

لقد عانت الكثير من الجامعات من هذا الحيف الذي لطالما طالها، وتعرضت كل من الجامعة الملكية المغربية للدراجات، لسنوات طويلة، لوصاية اللجن المؤقتة في تسعينيات القرن الماضي وفي بداية الألفية الثالثة. وكذا كان حال جامعة حمل الأثقال وبناء الجسم والشطرنج، الفول كونتاكت، المسايفة، المصارعة، كرة الطائرة، وكرة الطاولة، والروكبي الذي من المنتظر أن يعقد جمعه العام قريبا لانقضاء واستنفاد اللجنة المؤقتة لـ 120 دقيقة التي يخولها لها القانون.. لكن الجامعات تأبى إلا الاستمرار في خروقاتها وتباشير تدخل جديد في الجيدو أو كرة اليد، وفي الغالب السباحة لما تناقلته الصحافة من سوء تدبير ماليتها. وما قرار تجميدها من طرف الوزير إلا دليل قاطع لما ستؤول إليه السباحة، خاصة أن الاحتجاجات تتزايد.

إذن ما جدوى القوانين الأساسية للجامعات إن لم تكن هي المؤطر لعمل مكاتب الجامعات؟ وما جدوى تدخل الوزارة في هذا الكم من الجامعات؟ ولم أفضت؟ وما هو دور مديرية الرياضات التي من واجبها أن تتصدى لهذه الخروقات في مهدها؟ وكيف يستساغ كل هذا الانفلات في رياضتنا وبهذه الحدة؟

إن المشكل، كما قلنا سابقا، هو في الإدارة ليس إلا، وبيت العنكبوت هنا الذي يجب تفكيكه وحله وإعادة ترتيبه هو هذه المديرية التي نسجت خيوط بيتها في اتجاه تلك الجامعات. فطلاسم هذا الزواج الكاثوليكي الذي يتعذر فهمه عند باقي الديانات، هو النشاز. ذلك لأنه من غير الطبيعي أن يستمر هذا العبث والنزيف، اللذين يضيعان على رياضتنا وقتا من ذهب، إذ من المفروض أن يستثمر في التنمية الرياضية التي من أجلها أسست الجامعات. فكيف يعقل أن جامعات عمرها يزيد عن ستين سنة ولم تبرح مكانها؟ إنه وضع شاذ لن يقومه إلا الضرب على الأيدي. فالقانون الداخلي للجامعات يحتوي على بنود ومواد تقنن عمل الجامعات وتستعرض الحلول لأي طارئ، كاستقالة أو مرض، أو وفاة، أو إقالة، أو غياب... وكذلك لأي تجاوز أو خرق لقوانين الجامعة، كاختلاس للأموال أو تبذيرها أو تزوير للوثائق، وما إلى ذلك من اختلالات قد تعرقل وتعوق السير العادي لأي جامعة. فلمكاتب الجامعات وأعضائها ومنخرطيها ما يكفي من الصلاحيات لاتخاذ ما يناسب كل نازلة أو مستجد على حدة، كلفت نظر مثلا أو إنذار وتوبيخ، أو تجميد عضوية، أو طرد، وحتى إحالة بعض الحالات والخروق والملفات على أنظار العدالة للفصل فيها وزجر مرتكبيها، لأن الحكامة الجيدة تقتضي ذلك وتعتبر إحدى أعمدة الإصلاح بالدستور.

فالجامعات هيآت دستورية قائمة الذات كباقي مكونات المجتمع، فلا داعي لتدخل القطاع، وما عليه إلا ترك القانون ليكون الحد الفاصل والحارس على حسن التسيير والتدبير للجامعات.. والعدالة هي الفيصل في النوازل، ويبقى هو كشريك راع وموجه ايجابي لها.

لحد الآن، وتاريخيا، لم تتم إحالة ولو ملف واحد يخص الجامعات على العدالة، ولم يصدر حتى بلاغ من القطاع الحكومي يوضح ما قام به حيال حالة من الحالات التي استدعت تدخله، وما أكثرها. فالقطاع مازال يعمل بمقولة «أسرار بيتنا لا تخرج من جدرانه»، وكأن المغاربة غير معنيين بما يجري ويدور، ويقتصر دورهم في ملء المدرجات والتطبيل.

ودائما ما تكون تدخلات القطاع بدون فائدة.. فجميع تقارير اللجن المؤقتة (إذا وجدت) تحال على الرفوف لغرض في نفس يعقوب ليطالها الغبار والنسيان، أو تستعمل كأوراق ضغط ضد بعض الرؤوس الساخنة. ولنكون عادلين في تحليلنا لربما أنها فعلا لا ترقى ولا تستحق أن تحظى بالاهتمام. ومع ذلك فلا عذر للمعنيين ولا محيد عن التوضيح، ولابد من التواصل. فلا يعقل أن كل تلك اللجن المؤقتة، وكل هذه الوصاية، دون أن يصدر أي تقرير أو بيان عن القطاع ليوضح للمهتمين والرأي العام أسباب هده التدخلات ولو للاستئناس.. لاشئ سوى الصمت المطبق وكأن الموضوع شأن خاص وداخلي.

إذن كيف والحال هذا، والجامعات المارقة مطمئنة على أن يد العدالة لن تطالها، وأنها في منأى عن أي حساب ومساءلة، أن تنضبط للقانون في إطار من الوضوح والشفافية والاستقامة والتفاني (أو أنها فعلا مطمئنة لأنه ليس هناك شيء يستحق قلقها)؟

فلا يجب أن تتدخل الوزارة إلا عندما يكون هناك غموض ولبس في التسيير أو تواطؤ فاضح للأعضاء داخل الجامعة أو ضعف النتائج ومشاركات تضر بسمعة الوطن أو المصالح العليا له، أو تبذير للأموال وعدم إجراء الجموع العامة في مواعيدها بدون أسباب وعدم وجود التقارير الأدبية والمالية ووجود شكايات وتظلمات... لكن ليس بتلك الطريقة الروتينية للجن المؤقتة، بل يجب عقد اجتماعات مع المعنيين وطلب استفسارات وتوضيحات، تليها إرسال لجن تتقصى الحقائق وتفحص ماليتها من لدن مكاتب مختصة... وفي الأخير إصدار بلاغ يشرح ما خلصت إليه تلك اللجن وما اتخذ من قرارات أو إحالة على العدالة إذا اقتضى الأمر ذلك. أما حفظ الملفات وركنها في الرفوف، فلن يزيد الطين إلا بلة، والداء انتشارا، إذ لابد من الإفصاح عن خلاصات اللجن.

إن إعمال القانون ولا شيء إلا القانون، والضرب على أيدي كل متلاعب بالمصالح الوطنية وزجر ومعاقبة العابثين بالمسؤولية والأمانة، هو الطريق الصحيح للإصلاح وقهر الفساد والمفسدين... وللوزير الوصي على الرياضة الاستفادة من الجامعات الأوروبية، فلا صوت يعلو إلا صوت (سوط) العدالة.

نتمنى مخلصين أن تكون هذه اللجنة المؤقتة للريكبي آخر وصاية في غير محلها على الجامعات بتلك الطرق المعهودة، بل نحن نشدد على أن المراقبة لابد أن تكون لصيقة بآليات وميكانيزمات عصرية تكون خاتمة خير لاسترجاع ماء الوجه لرياضتنا المريضة، لأن غياب الوضوح والزجر يجعل كل هذه المجهودات تذهب سدى بدون فاعلية أو تقويم.

إننا ننتظر من الوزير أوزين، كمهتمين، تنوير الرأي العام إلى ما خلصت إليه هذه اللجنة، وإصدار بلاغ في الموضوع يوضح الخروقات التي عرفتها هذه الجامعة، وما اتخذته الوزارة من إجراءات في النازلة للقطع مع هذا الألم.